عرض مشاركة واحدة
قديم 05-17-2012, 09:33 AM
المشاركة 17
زهراء الامير
فرعونيـة من أرض الكنانـة
  • غير موجود
افتراضي
[TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www.7ozn.com/files52/17_05_2012_14f313372346581.jpg');"]
عميد المسرح العراقي .. حقي الشبلي

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
معظم جيل الريادة المسرحية، هم تلامذة الاستاذ المسرحي الاول حقي الشبلي الذي ولد في بواكير القرن العشرين وعمل في فتوته الاولى مع الفرق التمثيلية التركية والشامية والمصرية في اوقات مختلفة من بدايته الفنية، قبل ان يستقيم عوده وتنضج مواهبه الفنية والجمالية والادارية في فرقة خالص الملا حمادي للتمثيل عام 1921، وفرق مسرحية اخرى ليتفرغ بعدئذ الى تلامذته المتعددين من جيل الريادة المسرحية في العراق وهم من مواليد ما بعد الحقبة العشرينية، ومنهم جعفر السعدي تولد عام 1921 وابراهيم جلال وجاسم العبودي واسعد عبدالرزاق وبهنام ميخائيل مواليد 1923 ويوسف العاني وبدري حسون فريد مواليد 1927 وسامي عبدالحميد 1928 فضلا عن اجيال ريادية متعاقبة في المسرح العراقي امثال جعفر علي 1932 وسعدون العبيدي 1935 وعزيز عبدالصاحب 1937 وغير هؤلاء الكثيرين الذين لا تسعفنا الذاكرة حقا بذكر مواليدهم الحقيقية اي بعد قرابة عشر سنين ونصف من افتتاحه لقسم المسرح في معهد الفنون الجميلة، بقيادة الشريف محيي الدين، العميد الاول للمعهد وبمرافقة فائق حسن وجواد سليم، اللذين نهضا بقسمي الرسم والنحت قبل عودة الشبلي من دراسته الاكاديمية في باريس.



وفي الاربعينيات حيث بلغ حقي الشبلي ارقى نوازعه الفنية والاكاديمية في المشهد الثقافي العراقي، والحياة اليومية للمعترك المسرحي، وسط الحركات الشعبية وداخل مؤسسات الدولة، في وقت كانت الضرورة الابداعية والفنية تؤسس فعلها الابداعي والجمالي والتداولي كانت السلطة الملكية قبل ثورة 1958 بالقياس مع السلطات المتعاقبة الاخرى، شبه غائبة عن المشهد المسرحي والجماهيري الذي تطامن مع حركات التحرر الوطني في بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية، ضمن الصيحات المألوفة للمعسكر الاشتراكي السابق، فكان المسرحيون العراقيون وقتذاك يعملون ضمن اهواء المثقف المؤدلج بيافطة اليسار العراقي على الرغم من مخاطرة الفعل السياسي حيث الثقافة والسياسة في طريقين مختلفين احدهما طريق الكارثة.
لم يكن حقي الشبلي متمردا على السلطة الملكية قبل عام 1958، بل كان رمزا من رموزها المعلنة شأن كل فنان عصامي كبير ولم تكن السلطة المذكورة بحاجة الى محاباته او استرضائه كما كانت تفعل مع الشاعر الجواهري المتمرد بطبيعته على سلطة الدولة الملكية التي كانت تسترضيه حينا وحينا تهاجيه، وهي بهذا الفعل تعطيه ثقلا يعادل ثقلها، فكان هو ممتلئا بوجوده وممتلئا بها ايضا. على العكس تماما من الاستاذ الشبلي الذي كان ملكيا اكثر من الملك العراقي الشاب فيصل الثاني مع مطلع خمسينيات القرن الماضي. ولنا ان نتذكر واقعة عزل الفنان ابراهيم جلال من عمادة معهد الفنون الجميلة وطرد الفنان يوسف العاني من المعهد المذكور بجريرة التستر على طالب سياسي لم يؤد فرض الامتحان النهائي حتى وان كان معتقلا في اقبية السجون الملكية. كل ذلك يتم بفعل الشبلي ورضا الاخرين واكابرهم الذي لا يخلو من ازدواجية كازدواجية الشاعر الجواهري التي مر ذكرها الطبيعية الملتبسة في سلوك حقي الشبلي ليست مقتصرة عليه بالتأكيد . انها طبيعة شائعة في المشهد الثقافي والفني هذه الايام الى حد انها اصبحت مقبولة لا عن رضا حتى في صحافتنا اليومية واحسب انها وليدة مفارقة على شيء من التعقيد على الرغم من ان كل المسرحيين العراقيين يعترفون بأحقية هذا الفنان في الريادة والتأسيس وجلهم من حمل صورة مشوشة عن فتوحاته المسرحية قبل الانهيارات الكبرى التي نعيشها اليوم. ولكن جيل التلامذة ممن تربوا على يدي حقي الشبلي امثال جعفر السعدي وابراهيم جلال وبهنام ميخائيل وسامي عبدالحميد وبدري حسون فريد، هم من صنعوا الريادة الحقة في منصاتنا المسرحية منذ حصاد الحرب العالمية الثانية، وعلى امتداد اكثر من نصف قرن من التاريخ الفني المعاصر،الملفت ايضا، في التفصيل الذي عرضت له، هو ان هؤلاء قدموا انفسهم ضمن شواغل وتضحيات على مذبح الحلم بالتغيير الجذري ولقد قاموا بذلك بحماس وبمحض اختيارهم.
شخصيا لم التق بالفنان الشبلي يوما ولكنني كنت اشاهده عن بعد خصوصا عندما نصب نقيبا اول للفنانين العراقيين في منتصف السبعينيات فكان وللحق اشبه برجال الدبلوماسية او سفراء وزارة الخارجية العراقية منه كرجل فنان، لا انسى ما حييت سيارة المرسيدس البيضاء الفارهة، بمعية السائق الشخصي "الشوفير " ورجل الحراسة الوحيد فكان يدلف محلات شارع السعدون او المكاتب التجارية الخاصة باصدقائه ومعارفه ومن دون صفة النقيب بل بصفة حقي الشبلي وحسب.
حدثني سامي عبدالحميد وعقيل مهدي ذات مرة عنه بانه رجل تربوي صارم اكثر مما هو فنان مسرحي كان يعتمد على مشهد او مشهدين من نصوص المسرح العالمي موظفا الفعل النسقي لهذا المشهد او ذاك فضلا عن التفسير النسقي والابعاد النسقية او الدلالية النسقية في النص النسقي او انساق التمثيل.
قد يلح الشبلي في هذا الخطاب في محاكمة الذات التي تربت على القواعد الكلاسيكية الفرنسية في التمثيل منذ ان تدرب عليها في باريس مطلع الاربعينيات. وقبل ذلك رغبته في الجنوح بين السماء والارض بين الله والشيطان وانتصاره للشيطان عن عناد مألوف لدى المتمرد، الذي يضيق اذ تبرد واحتدامه اذ يتطامن خصوصا بعد تجربته التمثيلية العريضة مع الفرق العربية والاجنبية وفي هذا الخطاب ايضا، يحدد الشبلي مفهوم رجل المسرح وفق المفهوم الممتد منذ ارسطو حيث فاعليته في الجوهر لا تسعى كاهداف عملية ذات صلة بطريقة قسطنطين ستانسلافسكي او منهج ما يرهولد في الفعل الاجرائي والجسدي "البايو ميكانيك" او ملحمية بريتولد بريشت في التغريب المسرحي وحتى المواقف النقدية والاكاديمية التي ارادت ان تثبت رأيا سلبيا من هذا الرائد الكبير، حيث ذهبت معظمها بإسم الدرس الاكاديمي الى الشكل والصنعة فاتهمته بالمباشرة والتقريرية وعدم العناية بتجويد الصياغة الفنية غاضة الطرف عن علة اكثر واعمق خطورة لعل علاقة المسرح بالانسان وعلاقته بالوجود احد اوجهها.
حقي الشبلي اخيرا مع اطراف من مشهد الشارع التي نسبته وانتسبت اليه. لم يكن متوافقا او متصالحا معها الا حين تعابثه سلطة الدولة ولكنه حين تسترضيه ويستجيب يصبح موضع طعن واتهام ولأنه ليس الجواهري وليس على شاكلته تراه يتغذى من هذا الاتهام ويزداد حضورا في مواجهة رهط اعدائه الكثيرين. في حين يرى اخرون ان السبب كامن في هيمنة المسرح الحديث بفعل تلامذة الشبلي الافذاذ على مدى خمسة وسبعين عاما. هذه الهيمنة هي التي همشت شواغل هذا الاستاذ جانبا.
[/TABLETEXT]