عرض مشاركة واحدة
قديم 08-18-2019, 12:43 AM
المشاركة 43
تركي خلف
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: مقهى منابر والمقاهي الثقافية
كلمات / عن القهوة... والمقاهي


القهوة هي أهم اختراعات الإنسان.
والذي اخترعها هو بغير شك مصلح اجتماعي عظيم...
فبغير القهوة، لم تكن المقاهي، وبغير المقاهي لم يكن الحوار ممكناً، وبغير الحوار كان الإنسان جزيرة معزولة عمّا حولها.
وبصرف النظر عن كل ما يقال عن مضار القهوة، وما تسببه من قلق وتنبيه لأعصاب الإنسان، فإن فضائلها أكثر بكثير من مساوئها ... ففي تاريخ الأدب لعب المقهى دوراً مرموقاً في تجميع الأدباء، والشعراء، والفنانين، والمفكرين، حتى تحوّل المقهى إلى أكاديمية ثقافية.
وكلنا يذكر كيف كان مقهى (الفلور) في حي سان جيرمان في باريس، المكان التاريخي الذي انطلقت منه الحركة الوجودية، بممثليها الكبيرين جان بول سارتر وصديقته سيمون دو بوفوار.
ومقهى (الفيشاوي) ومقهى (ريش) في القاهرة، ومقهى (البرازيل) في دمشق، ومقهى (الهورس شو) في بيروت... كانت صروحاً ثقافية تَخرّج منها كبار أدبائنا وشعرائنا ومفكّرينا.
إن عالم (المقاهي) عالم عجائبي حقاً، فمن أراد أن يتكلم في السياسة يجد في المقهى مبتغاه... ومن أراد أن يتكلم في الأدب يجد في المقهى مبتغاه... ومن أراد أن يتكلم مع نفسه، فإن المقهى يؤمن له هذا الحوار الداخلي... ومن أراد أن يهرب من مشكلة تلاحقه فإن المقهى يمنحه حق اللجوء السياسي.
أما العشاق فإنهم يجدون في المقهى ملجأهم وخيمتهم، فعلى فنجاني قهوة يطيب الهمس، وتحلو النجوى، وتنهمر الاعترافات كقطرات المطر، فكأن نكهة البنّ العابقة من فنجان (الإكسبرسو) تردّ إلى الحب اعتباره، وتعطيه شرعيته.
كل شيء يمكن أن يحدث في المقهى، ابتداءً من الانقلاب العسكري، إلى الخطبة... إلى الزواج... إلى تأليف الوزارات... إلى التنظيرات الأيديولوجية والثقافية.
إن الذي اخترع المقهى... لا يقل في عبقريته عمن اخترع الراديو، والتلفزيون، والتلفون، والتلكس، والفاكسميل، والكمبيوتر، والأقمار الصناعية... والمؤسسات الصحافية.
فالمقهى، نقل أخبار الناس، وأفكارهم، ومذاهبهم الأدبية والفنية قبل أن تكون وسائل الاتصالات الأخرى قد وجدت بعد.

* من كتاب «كلمات... خارج حدود الزمن» صدر حديثا.

الابتسامة هي قوس قزح الدموع