عرض مشاركة واحدة
قديم 06-03-2012, 12:38 AM
المشاركة 790
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي

تحولات المكان في روايتي
" الوسمية " والغيوم ومنابت الشجر"
للكاتب السعودي عبد العزيز مشري


ثلاثة محاول نستطيع أن نتتبعها في كتابات عبد العزيز مشري الروائية:

تأثير الطبيعة وتحولات المكان وحلم التغيير الذي يرتبط بالعلم والمستقبل والحركة والحياة .
وتبدو رواية " الغيوم ومنابت الشجر " وكأنها نتمه لروايتة السابقة " الوسمية" التي تصور بدورها الانتقال من مجتمع بدوي إلي مجتمع مدني فبالإضافة إلي أن مكان الأحداث واحد في الروايتين وهو قرية الجل وقرية الوادي فقد تم التحول والتغيير بامتداده في الزمن وفي الأشخاص والمجتمع لعامة عبر مقابلة بين المجتمع القبلي والمجتمع الحضري بين القديم والجديد بين الجمود والتطور الحزافة والعلم القيم الشرقية الأصيلة والتقاليد المستحدثة
وفي رواياتة لا نجد حكاية أساسية أو حبكة أو نمو وتور في الشخصيات وإنما مجموعه من الحوادث المتفرقة في قالب من الحكايات الفرعية المتداخلة نحو التراكم الذي ينتج عنه التحول علي نحو عام
فالعين الراصدة والصوت الناطق في " الغيوم ومنابت الشجر " هي عين وصوت المغني ولهذا يصدر روايتة بهذه الكلمات
" قال المغني : أن الغناء قد اخذ منه بكل ما أخذ فغدا صاحب المثل ويقول القول في الحكم والمثل وكان بقوله يوثق لرقص الزنود السالفة في مدار الأيام الوافدة فماذا قال ؟
عبر نافذة وثلاثة أضلاع " مشاهد" يرصد لنا الكاتب تحولات المكان والتغيرات التي طرأت عليه والمكان في نهاية الأمر هو الذات لكنها ليست الذات الفردية بل الذات الجماعية " الوطن" " والمكان هو الكيان الاجتماعي الذي يحتوي علي خلاصة التفاعل بين الإنسان ومجتمعه ولذا فشأنه شان أي نتاج اجتماعي أخر يحمل جزءا من أخلاقية وأفكار ووعي ساكنيه ومنذ القدم وحتي الوقت الحاضر كان المكان هو القرطاس المرئي والقريب الذي يسحل الإنسان عليه ثقافية وفكره وفنونه ومخاوفة وآماله وأسراره وكل ما يتصل به وما وصل إلية من ماضيه ليورثه إلي المستقبل ومن خلال الأماكن تستطيع قراءة سيكولوجية ساكنيها وطريقة حياتهم وكيفية تعاملهم مع الطبيعة أي المكان من خلال منظور التاريخ (1) .
" الغيوم ومنابت الشجر "

ففي النافذة أو المشهد الافتتاحي:
يحكي لنا المغني الراوي عن طفولتة الفقيرة وأبية الذي يعمل سائقا للتاكسي في موسم الحج وأمه التي تنقل الماء من البئر في قرب جلدية ثم تعليمه في المدرسة ومشاكسات الطفولة وقسوة بعض معلمين حيث كان النظام التعليمي وقتئذ قائما علي الحفظ والتلقين وكان يري في بيتهم بعض الكتب التراثية
المشهد الأول :
يصف الطبيعة الجبلية للطريق بين المنزل والمدرسة والأنهار الصغيرة التي كانت تتكون بفعل المطر والراعي الذي يترك غنمة فتهبط الوادي وتأكل الزرع ويلتقي بحليمة جارتهم وزوجها مطر الذي حضر متأخرا فوجد البلهارسيا قد أتت عليها فيتزوج مطر من فضة وهي امرأة مسترجلة متسلطة رغم تسامحها مع أطفاله وشعوره بالآسي لما ردده جيرانه عن سيطرتها عليه
المشهد الثاني "
يروي لنا شيئا عن صداقة مطر وظافر وأبن زايد وبيت ظافر يطل علي الجبل وهو يعيش مع زوجة مطيعة هي" عفراء" لهما ولدان وبنت أحب أحد الوالدين وهو حمدان " حياة المدينة فتعلق بها وفي مقطع أخر يزور بدوي من الصحراء جد الراوي ويشارك في الترحيب بحمدان حين زيارته لأبيه والبدوي محب للعلم كحمدان الذي يسال عن المستقبل
المشهد الثالث:
نجح الراوي في درا ستة وكانت قد مرت عشرون سنة علي وفاة حليمة زوجة مطر وصارت فضة جدة بعد زواجها من أخر سري الشيب في ملامح ظافر وقطعت رجل مطر فلم يعد لذالك البيت الذي كان يحنو عليه بجدرانه المطبقة علي عكازيه إلا ذكري طفولة مرقت بين عشية وضحاها وبني بيتا واسعا وغدت أصوات الأولاد في الدار ضجيجا يكاد يعمر قلب الجد ينسيه ماضي زوجتة وحاضر رجله المبتورة .

تشابه الشخصيات في الروايتين .

وتدور روايتة الأولي الو سميه حول تعبير طريق يصل ما بين القرية والمدينة وتضم ثلاث عشر حكاية هي :
انتظار , تمر وسميه, بنت حميدة تتزوج, مصلح الدوافير الخال يزور " أبو صالح " الماطور , أبو جمعان مع ضيفه في البئر الزلة, أحمد يتعلم أشياء جديدة حمارة حميدة , أمطرت الحظ
والجد في الروايتين واحد والخال الزائر في الوسمية هو البدوي صديق الجد في الغيوم والشايب الذي أصيبت قدمه وهو يعبر الطريق في الوسمية تقطع ساقه في الغيوم " مطر"

تأثير الطبيعة

في مدي تاريخ كامل من العلاقات بين الطبيعة والإنسان وبينهما وبين المجتمع نجد ثمة بقعة دفينة تتجمع فيها مثل هذه العلاقات هي أشبه ما تكون بالحفرة , الباطن, العمق العين و الرؤية المستبطنة اللا وعي, الفكرة ,العقل, العمل, الإدراك, الحدس بل هي كل ما هو كائن في مكان قصي مجهول وعندما يبدأ انسكابه علي العالم الخارجي بفعل قوي الإنسان والطبيعة يتشكل الوعي به ويبدأ تاريخ الأشياء (2) وتلعب الطبيعة دورا هاما في البيئة الصحراوية فأمامها يصبح الإنسان محدود المقدرة بانتظار المطر , أما المجتمع الحضري فينتقل بالإنسان من الاعتماد المباشر علي الطبيعة إلي تأكيد الإرادة البشرية ودورها " ورغم أن الصحراء تشكل المساحة الأكبر في وطننا العربي كلها تكاد تكون غائبة كمكان فني وفكري في أعمال كثير من الكتاب , باستثناء لوحات إسماعيل الشيخلي الرائعة التي استلهمت قضاء الصحراء وبعد النظركأمكانية زمانية ومكانية لم نجد غيره يولي الخيام وألوان السماء وحيوانات وملابس الناس أمي اهتمام فني متماسك ( باستثناء الكتاب السعوديين ) والصحراء في شعرنا العربي القديم عنصر فاعل تشكيليا وفكريا فيه اكتشف نفسه , إنسان مقذوف ألي عالم اجرد وعليه كي يثبت وجوده لا بد من تحديها فكان أن أثبت جدارة لا مثيل لها هي ذي القيمة التي أسسها الإنسان يوم ذاك متحديا بها حتى نفسه ككائن بشري في إبعاد الصحراء تكمن قيم الطبيعة وسحرها فهي فضاء بكثبان وفضاء بواحات وفضاء بسماء وافن منطبقين قضاء بألوان قوس قزح . فضاء بجفاف ومطر وخيول وجمال , وعيون ماء , قضاء متصل اتصالا مباشرا بالسماء فكانت الأديان وفضاء يعطي لأجزائه تمازجا كليا في لوحة كونية لأحد لامتداداتها
أما عيون الراوي فتستعير من النسر حدتها ومن الحدأة سعتها وفطنتها ومن الجمال صبرها وها هي الجنة الموعودة مؤجلة عن هذا الفراغ الفضائي لتتشكل في خيال سحري وحقيقي مقروء في كتب الأولين وعليها في مدارات الزمن شواهد لأحد لمثيلها في الثقافات الأخرى
في الصحراء يمتزج لون الرمل بالسماء وتنعكس في ذرتها الناعمة حقيقتها الصلبة وعندما يتصور المرءان هذه السعة من الأرض قد تجمعت بتجمع هذه الزرات الصغيرة يصبح العقل في منتهي الترفة من البحث والسعي والاستمرار في مواصلة الحياة
كان الإنسان العربي يجد نفسه في الصحراء كما يجدها في ربوع الماء والزرع ووجوده هنا لا يتحقق بسبيل العيش والتجارة بل في تأكيد الذات إزاء المحيط الواسع المتناهي 000
ولم تمت الصحراء عندما بنيت المدن أو أنتقل الإنسان مهاجرا عنها بل نقل قيم العصر الجديدة وعندئذ لا بد لها من أن تنزوي وتندثر(3) وعناوين روايات الكاتب وموضوعاتها نفسها مستمدة من هذه الطبيعة الصحراوية فروايتة الأولي الصادرة عن دار شهدي بالقاهرة عام 1985 يسميها " الوسمية" وروايتة الثانية الصادرة عن سلسلة فصول بالقاهرة هي الغيوم ومنابت الضجر ( فبراير 89)
جاءت الرياح الموسمية فاستيقظت الفرحة وجهز أحباب الأرض وسائلهم للوسمية 00
منها موسم المطر , وفيها موسم الزرع , وفيها نتاج ما يفلحون وما يعرقون (4)
والوسمية شغلت الناس , زرع ويحتاج للسقي يحتاج للرعاية يحتاج للملاحظة (5) و"أتممنا النشيد الطويل في طابور الصباح جاء المدير وقال لكل التلاميذ هيا توضأوا سنذهب لصلاة الاستسقاء مع أهل القرية 000 فرحنا وخرجنا من المدرسة طابورا طويلا , وصلينا مع الجماعة صلاة الاستسقاء 000 دعونا الله كما تعلمنا في ماده الفقه " اللهم حوالينا ولا علينا 00 اللهم علي الضرام والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر ثم عدنا للمدرسة ننتظر نزول المطر (6) .
"العلم"
فثمة تحول من مجتمع بدوي يعيش علي هامش الزراعة إلي مجتمع حضري يشق طريق المستقبل في رواية الوسمية وتجد السيارات طريقها إلي المدينة ومنها إلي العالم حيث يتعلم الأبناء شتي صنوف المعرفة فالولد في الوسمية يقول للفقيه سعيد الأعمى :
" ما أحب أن أكون فقيه أحب أسافر وأتعلم (7)

تحولات المكان

وإذا كان أبو جمعان في " الوسمية" يستشرف المستقبل إثناء إعداد الطريق الذي سيسهل الانتقال من القرى التابعة في حضن الجبل إلي المدينة علي النحو التالي :
غمض الشيخ عينيه وفتحها فدارت في رأسه ثلاثة أمور اشتبكت وتمازجت في عجله كما يشتبك الغبار بضوء الشمس
( أول باب : الآباء والأجداد كانوا يحضرون أحمالهم علي الحمير والجمال والحمير والجمال تمشي في الطريق التي تطأها القدم والحمي والجمال تصعد وتهبط الوديان وتأكل من الشجر وعلف الحبوب وكل ـخضر في البلاد 000 ولا تحتاج إلي سكة ولا إلي أشياء أخري)
( ثاني باب : يقولون السيارات تنفع وتشيل أحمالا أكبر من أحمال الحمير والجمال تشيل المسافرين من عن\ بيوتهم إلي مكة وتجئ بالجار وتجئ بالحطب وتجئ بالحبوب الأمريكية وبدلا من إحضار هذه الأشياء بالحمير والجمال 000 تجئ السيارات وعلي ظهرها الأحمال
صحيح أن راعي السيارة غريب ويجئ البلد في أيام معدودة من السنة ويأخذ أجرة اغلي من التي يأخذها صاحب الجمل وصحيح أن البعيد أقترب وابتعد القريب وتكلم الحديد وهذه من علامات القيامة وصحيح أن الدولة تقدر تفتح خط لكن جاء الخير وقلت البركة 00 من يوم أصبح الصديق ينسي صديقه والرحيم ينسي رحيمة والقريب يتعادى مع قريبه وأصبحت الفلوس هي التي تسوي الرجال تتحكم في القريب والبعيد خرب الزرع وقلت البركة وجفت الدنيا وأصبح الناس يحبون حنطة أمريكا والشاي السيلاني ويسافرون ويجيئون ومن يوم صار البترول يأخذ الناس وصاروا
يتمسخرون بالبلاد وخيرها كان يجب أن تفتح درب للسيارات ونجئ بمواطير لنزع الماء ورفعه وتشتري الحنطة الأمريكية ونسمع أغاني الراديو وتلبس البنت الأبيض والنا يلو 00 مرة نضيع ومرة نصبح رجالا)
( وثالث باب : بكره تجئ السيارات وتروح وتجئ بكرة نطالب الدولة والدولة غنية تفتح مدرسة لأولادنا يتعلمون ( عجن – خبز) ويتعلمون دينهم ودنياهم بدلا من رواحهم مسيرة نصف يوم علي أرجلهم يدرسون بعضهم يمرض وبعضهم يخطفه السيل وقت الوسمية 00 ما يجئ الأخيرة وبعضهم يسقط كل سنه مره يروح المدرسة ومرة ما يروح امتزجت الأبواب الثلاثة بأصوات الحفر والدق في الأرض عملا اختلاطهم بالغير وسعال الجماعة وتشابكت حركتهم (8) مضي الزمن سريعا شاخ جيل الآباء وكبر الأبناء وأنتقل المجتمع من طور الحياة الرعوية العشائرية ألي حياة جماعية ترتبط فيها مصلحة الفرد بالمجموع وأن شابتها بعض النقائص واجتذبت المدينة والحضارة الشباب الجديد ألي تحولات الأيام وصيرورتها بعد أن غزا العلم كل شئ
فانتشرت السيارات والتلفزيونات والأقمار الصناعية وازداد الثراء وكثر اللهو والعبث والضوضاء وكانت القرية القديمة علي سفح الجبل تنكئ شبه خالية من الساكنين بينما تناثرت بيوت حديثة استبدل بناؤها بالاسمنت ووقفت ألي جانبها سيارات ملونة وكان بداخل هذه البيوت أناس أحبوا أنفسهم كثيرا فانعزلوا وتركوا البقية تركوا أراضيهم خاوية الزرع وقد تهدمت حوانيها وغزتها البنايات القريبة فتراها إلي جانب الأخريات النضرة يابسة كجو اعد للخراف البيضاء (9) .

خصائص عامة

ولعل أفضل مافي هذه الرواية هو تقديم الكاتب لخصوصية البيئة والمجتمع السعودي وهو يستخدم تعبيرات عامية سعودية وتتخلل روايتة نبرة السخرية والتضمينات اللاذعة التي يعبرها بسرعة ولكنها تستلفت نظرك بعمقها وجديتها
ويطعم الكاتب روايتة ببعض الأمثال العربية ( لا تري البدوي طريق بيتك ) والرقصات الشعبية كالمسحباتي ويرينا طرقا من المجالس العرفية والعادات الشعبية في الأفراح والزواج كما تبرز للعيان النظرة إلي المر أه المسلمة باعتبارها تحتل المرتبة الثانية بعد الرجل والإيقاعات الصوتية وأن كان استخدامها فوتوغرافيا وكذا التقاليد الإسلامية
والكاتب يركز علي الوصف والتقرير ويورد كثيرا من التفصيلات الصغيرة التي كنا نود أن يتخفف منها ومع ذلك فقد نجح الكاتب في أن يثير في أعماقنا الشحن لهذا الزمن المنصرم وأن يجعل " للمكان وظيفة في إنهاء النص القصصي بنغمة مسيطرة أو سائدة هي التي تبقي في ذهن القارئ بعد انتهائه (10)