عرض مشاركة واحدة
قديم 04-06-2014, 09:21 AM
المشاركة 2
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
رواية قلب الظلام لـ جوزيف كونراد
نقلا عن جسد الثقافه - الكاتب غير معروف

جوزيف كونراد بولندي بريطاني الأصل هذا الذي أدخلنا بهذه الرواية إلى عوالم سحيقة بوسطية معتدلة في حكمها هذه الرواية يعاد نشرها بعد أكثر من مائة عام وهي من الإبداعات العالمية فترة المجتمع الاستعماري والمجتمعات المستعمرة.
حين قرأت هذه الرواية شعرت بشيء لذيذ ذكرني بـ سرد الجدات الممتع في ليالي الشتاء الطويلة، لغة السرد والمغامرة كانت أهم ما يميزها ويجذبك إليها بشغف الاكتشاف والمتابعة الممتعة وكما يقول فورد مادوكس فورد الكاتب الانجليزي الذي اشترك مع كونراد في إعداد كتابين له :" اتفقنا على التالي : أن الوظيفة الأولى للأسلوب هي جعل العمل ممتعاً، والوظيفة الثانية للأسلوب هي جعل العمل ممتعا، والوظيفة الثالثة للأسلوب هي جعل العمل ممتعاً، والوظيفة الرابعة للأسلوب هي جعل العمل ممتعاً."

الأحداث تقع على ضفتي نهر الكونغو في قلب القارة السوداء التي كانت مسرحا للنهب الإمبريالي آنذاك لم يترك لهم العاج ولم تسلم إنسانية السود من الاستعباد بداعي التنوير المزيف والكالح في الظلام. يسرد الأحداث "مارلو" هذا الشاب الذي قرر أن يذهب إلى هناك للعمل على متن زورق يتبع لشركة تدر المال الوفير لم يكن يحمل في عقله سوى الأكاذيب التي لم تكن تعرف للحقيقة وجه، حين وطأ بقدماه أرض المستعمرة أكتشف الزيف الحقيقي للقوة التي تقصف أناس يسكنون أكواخ شبه عراة لا يملكون لأنفسهم تبرير لما يحدث لهم قمة التمييز للعرق على حساب الإنسانية. في هذا المشهد تتضح الصورة بشكلها الجليّ

" أدرت رأسي لأتبين صوت خشخشة خفيفة ورائي. كان ستة رجال سود يتقدمون في رتل وقد أنهكهم صعود الممر. انتصبت قاماتهم وأبطأوا السير وبدأوا يوازون السلال المملوءة بالتراب فوق رؤوسهم ، والخشخشة الناتجة عن خطواتهم مستمرة. كانوا يلفون خرقاً سوداء حول أحواضهم وقد اهتزت أطرافهم القصيرة خلفهم مثل الذيول. كنت أستطيع رؤية كل ضلع من أضلاعهم ومفاصل أطرافهم التي كانت أشبه بعقد في حبل. كانت للجميع ياقات حديدية على رقابهم وكل منهم مربوط بسلسلة كانت حلقاتها تتأرجح بينهم مصدرة خشخشة رتيبة. وذكرني انفجار آخر جاء من الجرف بالسفينة الحربية التي شاهدتها تقصف اليابسة، كان ذلك الصوت المشؤوم نفسه، إلا أن كلمة أعداء لا تنطبق بأي حال على هؤلاء الرجال مهما حلّق بنا الخيال. كانوا يُسمون مجرمين، وقد جاءهم القانون المتفجر كالقذائف سرا مستعصيا من البحر. كانت صدورهم الهزيلة تلهث في اتساق، وقد ارتعشت أنوفهم المفلطحة وحملقت الأعين الحجرية بقمة التل.تجاوزني بستة إنشات دون أدنى التفاتة إليّ، تعلوهم سيماء اللامبالاة الكاملة لوحوش تعيسة. وخلف هذه المخلوقات البدائية سار أحد المروضين، نتاج القوة الجديدة ، في الميدان كئيباً يحمل بندقيته من وسطها. كان يلبس معطف بذلة رسمية سقط أحد أزرارها . وعند رؤيته رجلاً أبيض في الممر رفع سلاحه إلى كتفه مبتهجاً. كان ذلك نوعاً من الحكمة الساذجة، الرجال البيض بالنسبة لهم متشابهون عن بعد بحيث لم يعرف من أكون ، لكنه سرعان ما تأكد وبتكشيرة وغد أبانت أسنانه البيضاء والتفاتة نحو الرجال المكلف بهم ، بدا وكأنه يشركني في مهمته المجيدة، فلست سوى جزء من الهدف العظيم لتلك المهمات النبيلة والعادلة."

في الجانب الآخر من الرواية يقع "كورتز" القوى البيضاء،_ الجميل في الرواية أنها توظف الأبيض والأسود توظيف مبهر_ كورتز هذا الذي دخل الخراب قلبه هو بمثابة الإله أو هكذا نصّب نفسه على بعض القبائل كان بيته يحاط بـ أوتاد عليها رؤوس سوداء مقطوعة من أجسادها كـ تعويذة ولبث مزيد من السلطة والخوف والرعب، تماما الرعب هي آخر ما تلفظ به عند موته، كان يسخّر البشر على أنهم أي شيء غير أن يكونوا بشرا لحد الرمق الأخير.

" كان العمل لا يزال مستمرا. العمل! وكان هذا هو المكان الذي انسحب بعض المساعدين إليه ليموتوا.كان واضحا أنهم يموتون ببطء. لم يكونوا أعداء . لم يكونوا مجرمين، ولم يكونوا أي شيء أرضي الآن_ لم يكونوا غير ظلال سوداء للمرض والجوع مبعثرة في القتامة المخضرة. أُحضروا من أقصى بقاع الساحل بكل شرعية اتفاقات الزمن وضاعوا في المحيط غير المناسب، يتناولون الغذاء غير المألوف فيصيبهم المرض فيصبحوا غير أكفاء فيسمح لهم بعد ذلك أن يزحفوا بعيداً ويرتاحوا."

يدرك مارلو أن هذا الإنسان العظيم "كورتز" لم يعرف حقيقة نفسه إلا في الشهقات الأخيرة الخاوية والفارغة من كل شيء.

" لقد صارعت الموت. إنه أقل الصراعات التي يمكن تصورها إثارة. إنه يحدث في الكآبة المجردة حيث لا شيء تحت قدمك، ولا شيء حولك من دون جمهور أو ضوضاء أو مجد، ومن دون رغبة جامحة في الانتصار، ومن دون الخوف الكبير من الهزيمة في جو سقيم من الريبة الفاترة، من دون الكثير من الإيمان بحقك الخاص، وبدرجة أقل بحق خصمك. وإن كان ذلك هو شكل الحكمة الأسمى فالحياة إذن لغز أكبر مما يعتقده بعضنا."

في الرواية حديث فلسفي رائع يترجم بعض الأمور بطريقة مذهلة..

" وصلت حد الكذب. تعلمون أنني أكره الكذب. أمقته، ولا أستطيع احتماله، ليس لأنني أكثر استقامة من الآخرين، بل ببساطة لأنه يروعني. إن فيه عفن الموت ونكهة الفناء، وهو عين ما أكره وأمقت في هذا العالم وما أود أن أنسى. .إنه يشقيني ويسقمني كما تفعل بي قضم شيء عفن. حساسية كما أعتقد."

" لكم تشبه السفينة كل سفينة أخرى أما البحر فهو نفسه دائما."
" سار الزورق بصعوبة وبطء على حافة جنون أسود لا يدرك. كان رجل ما قبل التاريخ يلعننا أو يصلي لنا أو يرحب بنا، من يدري؟ كان هناك حاجز يحول دون استيعابنا لما يحيط بنا، فانسللنا مثل الأشباح ذاهلين نرتعد سرا مثل رجال عقلاء أمام انفجار صاخب في بيت للجنون.لم نستطع أن نفهم لأننا كنا بعيدين جدا، ولم نستطع أن نتذكر لأننا كنا نسافر في ليل العصور الأولى ، تلك العصور التي ولّت وبالكاد تركت علامة_ ولا ذكريات."
.