عرض مشاركة واحدة
قديم 11-02-2010, 01:56 PM
المشاركة 47
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي


المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (39)



بغداد الأمس
تخاطب بغداد اليوم والغد

ألقيت في مهرجان الربيع
السادس في حماة


ما لي أرى الطيرَ أسراباً مهاجرةً
ضاقَ المقامُ بها في حضنيَ الحاني

تحومُ تبحثُ عن وكرٍ تلوذُ به
تخشى الهديلَ بأدواحي وأفناني

أراعَها الليلُ والأضواءُ فانتبذَتْ
شرقَ الفراتِ تناجيني بأكفانِ

أم شاقَها دمعُ من يبكي على وطنٍ
أمْ نَوْحُ ثكلى بإعوالٍ وإرنانِ

أم هبَّتِ الرِّيحُ بالنيرانِ لاهبةً
فصوَّحَ الوردُ في روضي وبستاني ؟!

فآثرتْ وحشةَ الصحراءِ واغتنمتْ
صمتَ الرمالِ تحاشى سربَ غربانِ ؟

* * *
يا دوحةً أنكرتْ ظلماً بلابلَها
لينعقَ البومُ في أنقاضِ جُدرانِ

تعلَّمي الشدوَ في الأقفاصِ والتهمي
أفراخَك الزُّغْبَ في سرٍّ وإعلانِ

هيا ادفعي ثمنَ الصاروخِ مِنْ دَمِ مَنْ
ماتوا بقصفِ صواريخِ " الأمِرْكانِ "

وبارِكي لقوى " المارنزِ " صولتَهم
على الترابِِ وفي جوٍّ وشُطآنِ

نامي على الضيمِ لا تستيقظي أبداً
إيَّاكِ أنْ تلجئي يوماً لعِصيانِ

وطأطئي الرأسَ إجلالاً لمن هدَموا
صرحَ الحضارةِ في ذُلٍ وإذعانِ

سيَّانَ إنْ تخلعي ثوبَ العفافِ ضُحىً
أو تخلعيهِ بليلِ القهرِ سيانِ

لقد تحرَّرتِ من صدامَ فالتمسي
من المغولِ مراسيماً لسلطانِ

وهلِّلي لحكوماتٍ مؤمرَكةٍ
جاءتْ على متْنِ حيتانٍ وغيلانِ

واستقبِلي بالرضا والحبِّ من نهبوا
ما خلَّدَ الدَّهرُ من إبداعِ فنانِ

وضمِّدي كلَّ جُرحٍ نازفٍ بيدٍ
تُديفُ سُمَّ الردى من نابِ ثُعبانِ

وأولِمي للأفاعي بعدما هجرتْ
أوكارَها السودَ وانسلَّتْ لأحضاني

وطالِعي صُحُفاً يوميَّةً كُتِبتْ
بريشةِ الحقدِ في زورٍ وبُهتانِ

* * *
لا تقرأي كتُبَ التاريخِ واستمِعي
لمنْ يُزوِّرُ تاريخي وعنواني

أنا التي طرَّزتْ ثوبَ الزمانِ بما
أملتْ على الكونِ من علمٍ وعِرفانِ

وقدَّمتْ من غِذاءِ العلمِ مأدُبةً
للشرقِ والغربِ أغرتْهم بألواني

سلي الأوابدَ عنِّي فهيَ شاهدةٌ
تحدِّثُ الكونَ عن فنِّي وعُمراني

سلي الرشيدَ سلي المأمونَ واستمعي
لما يقولونَ في إرساءِ بُنياني

لا تسأليني لماذا عقَّني زمني
وراحَ يجحدُ إرضاعي وتَحناني

لا تسأليني فما أنفكُّ أحضنُه
رغمَ العُقوقِ وما ينفكُّ يَشْناني

وحدِّثي عن حَمورابي وشرعتِهِ
عنِ السلامِ وإسلامي وقرآني

سلي الحضاراتِ من بثَّ الحياةَ بها
وهل جرى نبضُها إلَّا بشِرياني

حتى تهاوتْ بكفِّ الجهلِ واصطبغتْ
مياهُ دِجلةَ تروي قصَّةَ الجاني

* * *
واليومَ يا دوحةً عادَ المَغولُ لها
ماذا تقولين بالحقدِ " البريطاني "

والخانعون تبارَوْا في دوائرِهم
واستقبلوا الغزوَ إمعاناً بخذلانِ

تمرَّسوا بفنونِ الكيدِ واختَلقوا
شتَّى الذَّرائعِ في تقويضِ أركاني

وهمُّهم واحدٌ بل همُّ سادتِهم
تمكينَ " صُهيونَ " من أهلي وجيراني

ليُبرِزوا للسلامِ المرِّ خارطةً
من رسمِ " دايانَ " صيغَتْ من حُزيرانِ

داسوا الأنوفَ ولم يُبقوا بها شَمَماً
وبارَكوا كلَّ خوارٍ وخوانِ

ونحن عُرْبٌ وإسلامٌ بأدعيةٍ
نشدو بها إنَّما من غيرِ إيمانِ

ونسألُ اللهَ نصراً في مساجدِنا
ونحن نهرُبُ من ساحٍ ومَيدانِ

* * *
يا دوحةَ العِطرِ أسواري مُهدَّمةٌ
والغدرُ يحْطِمُ بالتقليمِ أغصاني

ماذا تقولينَ ؟ هل ناديتِ معتصِماً ؟
أمْ حوصِرتْ خَيْلُهُ في سُوحِ أفغانِ

أو مالتِ الريحُ لم تحمِلْ بذاكَ إلى
أبناءِ طَيءٍ وشيبانٍ وغسَّانِ ؟

أمْ أنَّ صاعقةً صكَّتْ مسامعَهم
حتى تنادَوْا إلى إغلاقِ آذانِ ؟

حالٌ من اليأسِ والإحباطِ تحكمُنا
والحاكمون توارَوْا خلفَ جُثماني

يردِّدونَ أحاديثاً ملفَّقةً
عَبْرَ الفضاءِ بتخطيطٍ وإتقانِ

ويعرِضون على الشاشاتِ أسئلةً
من وضْعِ " شارونَ " بل من وضعِ شيطانِ

ونحن نعتَلِفُ الأخبارَ في نَهَمٍ
حتى نَغَصَّ ونمضي دونَ أرسانِ

أُمنيَّتي أن أرى قومي يحرِّكُهُم
نبْضُ المُحرِّرِ لا أعصابُ سجَّانِ

* * *
يا دوحةَ الأمسِ هذي حالُ أُمَّتِنا
ماذا أقولُ وقد باءتْ بخُسرانِ

ولستُ مُستثنِياً إلَّا الذين قَضَوْا
من الأشاوسِ في تشرينِها الثاني

والصامدين بقُدسِ اللهِ ما هربوا
والثابتينَ على أرزي بلبنانِ

والطفلُ يحملُ صَوَّاناً ومِحفظةً
ليقطفَ النصرَ من عِلمٍ وصوَّانِ

إنِّي لأنظُرُ من خلفِ الدموعِ إلى
جيلٍ بكلِّ شُموخِ المجدِ يلقاني

وبعضُ ما بي من الآلامِ أدفِنُها
في مِهرجانٍ من الآمالِ يغشاني

أُضيءُ فيه على العاصي شُموعَ هدىً
لعلَّ بعضَ جراحِ العُربِ تنساني

لرُبَّ بارقةٍ من زَنْدِ قادحةٍ
تنهلُّ تُروي بعصرِ الزَّيفِ وجداني

أو رُبَّ صادحةٍ من خلفِ مأتمِنا
تشدو بصدْقِ مواويلي وألحاني

لأزرعَ الحلْمَ في عينٍ تنِزُّ دماً
فيزهرُ الحُلْمُ محفوفاً بأجفانِ

وأعقِدَ الغارَ إكليلاً لمن صبَروا
ورابطوا بين أحزاني وأشجاني

هذي طلائعُهم في كلِّ مُنعَطَفٍ
توري القريحةَ في أعماقِ بركاني

لأنظُمَ الشعرَ عَقداً من لآلئه
دموعَ بغدادَ تجري فوقَ عِقيان

لعلَّ ماجدةً تُرخي جدائلَها
أَبثُّها في ضِفافِ الكَرْخِ أحزاني

لأنَّني مؤمنٌ إنْ طالَ بي أجلي
أنِّي سأنشُرُ في الزوراءِ ديواني

عهدٌ عليَّ أمامَ اللهِ أقطعُه
ويشهدُ اللهُ لمْ أحنَثْ بأيَمْاني

سينجلي الليلُ مهما جَنَّ مندحِراً
ويشرقُ الفجرُ في " الأقصى وبغدانِ "

ويورِقُ الغارُ مزهوَّاً تغازِلُه
مساكبُ القدسِ من وردٍ ورَيْحانِ

وسوف أنتعِلُ التيجانَ ما بقيتْ
شرارةٌ تُنذِرُ الباغي بنيراني

فصابِري رابطي يا أمَّتي ودعي
كلَّ السواعدِ تبني مجدَ أوطاني



5/4/2003