عرض مشاركة واحدة
قديم 12-20-2011, 09:25 AM
المشاركة 165
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يوسف إدريس

سيطرت فكرة على كياني بأكمله ولم أنجح في التخلص منها لفترة غير قليلة وانتابني القلق فكلها شهور وتصبح هذه الحياة وتلك الجامعة مجرد ذكريات . اعترف بأن اليأس بكل ما يصاحبه من توابع كان يفرض نفسه في كل لحظة كلما كنت أتذكر أنها ستمر دون أن تتكرر . قررت أن أعرض ما أكتب هذا العام على أحد أساتذتي لأحدد إن كنت سأتزوج من أول شخص أقابله بعد التخرج وأتفرغ لتربية المواشي والأطفال أم أن لدي ما يستحق أن أدافع عنه ؟ وعرفت على يدي أستاذي كيف تكون الكتابة ومن يوسف إدريس؟
وقدر لي أن استمر معه إلى أن يكلفني بكتابة بحث عن المشكلات التربوية في المجتمع المصري من خلال روايات يوسف إدريس.

ولو أنك رأيت الكواكب تنفجر في الفضاء ، والقمر يغادر السماء ، والشمس تعانق المعانق الماء والأرض تقترب من السماء لأدركت شيئا مما دهاني . لم يعد العالم أبدا كما كان من قبل وتوقفت عن الكتابة تماما حتى اتمكن من العودة للكتابة الخالية من أفكاره ولا زلت حتى الآن لا أملك إلا تمزيق الأوراق كلما أرى تلك الأفكار تعود كل مرة لتحرمني من متعة أن أكون ـ ودون تأثير من أحد ـ أنا.

ولادتــــــــــــــه:
ولد يوسفإدريس في 19 مايو 1927 م في محافظة الشرقية بقرية صغيرة تسمى البيروم، وكان والده ثريا نسبيا وينتمي إلى الطبقة الوسطى الريفية وعلى الرغم من أنه درس لثلاث سنوات في جامعة الأزهر بالقاهرة إلا أنه كان رجلا عصاميا في جوهره قام بالعمل وممارسة العديد من الوظائف حيث عمل لفترة مقاولا في حفر القنوات بتعليمات من وزارة الري إلى أن عهدت إليه بمهمة لا ربح واضح فيها وانهارت أعماله ولم يتسلل معها الإحساس بالفشل إليه فعمل وكيلا لضياع كبيرة وسرعان ما أصبحت خسائر الوظيفة الجديدة تلك ملموسة وأصبح خوفه من الطرد يهدد حياته مما جعله يفكر في وظيفة أكثر استقرارا .
وبعد فترة تمكن من تحمل مسئولية ضيعة تبلغ مساحتها ثمانمائة فدان يملكها صاحب مصانع النسيج الثري " صيدناوي"

قد يجعلنا هذا نربط بشكل أو بآخر بين عمل والده ورواية الحرام والتفتيش والضيعة التي يملكها شخص واحد والكل الذين يعملون لصالحه والصداقات التي تقوم بين كبار الموظفين وحياة الترحال والتنقل التي يعيش فيها العاملون بالتفتيش.

" وقد صادق والد يوسف إدريس عائلة مفتش الضيعة اليوناني الذي لقنه مبادئ استصلاح الأراضي وحينما استوعب التقنية تماما أقام من نفسه خبيرا مستقلا ويقدر يوسف إدريس أن أباه قد استصلح ما لا يقل عن خمسة آلاف فدان خلال حياته ".

وكان الارتباط متبادل بين يوسفإدريس وأبيه كل منها مرتبط بالآخر بشكل مرضي فالابن لم يجد الحنان الذي حرمته أمه إياه إلا عند والده.

ويوسف كان الابن الأول الذي يتخطى طفولته بلا موت فقبل أن يولد يوس فكان الأب لديه عدة بنات من ثلاث زوجات سابقات ولكن أبناءه جميعا ماتوا في المهد ، وعندما تزوج (إدريس علي) أم يوسف كان الأمر المؤسف الذي يفقده أبناءه يكاد أن يكرر نفسه .

فقد مات ابنهما الأول وسقط الثاني ـ وكان يوسف ـ مريضا بصورة حادة عقب مولده وظل والداه شهورا وهم خائفين على حياته ولكنه شفي بعد ذلك وكانت تلك هي نقطة التحول في حياة الأسرة بأكملها إذ أعقب شفاء يوسف مولد ستة أبناء آخرين وبنتين مروا بطفولتهم سالمين دون مشاكل.

طفولتــــــــــــــــــــــــه :
عاش يوسفإدريس طفولة غير مستقرة ولأن هذا العمل يتطلب من الأب الانتقال الدائم من مكان إلى مكان فقد ترك إبنه الأكبر يوسف وقد كان عمره خمس سنوات إلى جدته التي كانت تعيش في البيروم .

ولهذا كان يوسفإدريس يسير كل يوم عدة أميال حتى يصل إلى أقرب مدرسة ابتدائية في فاقوس ولم تكن طفولته في بيت أجداد والديه سعيدة .

كان الطفل الوحيد وسط البالغين وكانت تتم معاملته دائما كواحد منهم ، كانوا ينتظرون منه أن يتصرف كشخص ناضج مسئول وكان العقاب ينتظره إذا ما تصرف بغير ذلك وبالاضافة إلى ذلك فقد عاشت العائلة ظروفا متوترة ويتذكر يوسفأن حلمه الأثير كان أن يرى نفسه في غرفة مزودة بالكهرباء والماء الجاري (1)
وبهذا نجد طفولة يوسفإدريس ضائعة وسط جيل من الكبار يرفض معاملته كسائر الأطفال حيث يقول " فأنا من هؤلاء الذين قضوا طفولة جادة تماما لم يعرف المرح طريقه إليها . رجل رهيب في ثوب طفل.

كل ما اعتقد أني أريده أحرمه على نفسي بل وأنظر إليه وكأنه خطيئة ارتكبتها تجاه الآخرين همي الأكبر كله أن أصنع مثلما يصنع الكبار لأكون كبيرا .. فالطفولة كانت في طفولتنا عيبا ، الانطلاق وحتى ارتكاب الخطأ المطالب والهدايا واللعب كل هذه كانت تهمنا نموت حنينا إليها في أعماقنا ولكننا نموت خوفا أيضا أن نطلبها وإلا أصبحنا عيالا " (2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
(1) نبيل فرج ، " يوسفإدريسيتحدث عن تجربته الأدبية " المجلة ، (القاهرة : العدد 169 ، 1971) ص ص 100 ـ 101
(2) ناجي نجيب ، الحلم والحياة في صحبة يوسفإدريس، (القاهرة : دار الهلال ، 1985 ) ص 10

علاقتـــــــــــــه بأمه وجدته :
ويصف يوسفإدريس طفولته بالتعاسة فجدته إمرأة صعبة سلطة اللسان تقرعه على سلوكه بانتظام إذا هفت نفسه إلى مرح الأطفال ، كما يصف والدته بالصلابة وقوة الإرادة والسطوة وإذا ما قارنا بين المرأة الأم والجدة في حياته فإننا نجد أن أمه لم تمنحه الحب فهو يتذكرها كإمرأة عنيدة ذات شخصية مستبدة كتومة فشلت في أن تمنحه اإحساس الأمومي الذي كان يشتاق إليه وبسبب صحتها المعتلة رضع يوسف إدريس من جارة له كانت مسيحية ولم يحظى من أمه بالاهتمام الذي كان يريده ويبدو هذا واضحا في عدد من كتاباته مثل " اليد الكبيرة " (1958) والقديسة حنونة ، (1968) حيث تتم فيهما المقابلة بين قسوة والدة الراوي والحنان الذي تبديه له الجارة وإمرأة مسيحية على التوالي .

" وفي رأي يوسفإدريس أن موقفها المتحفظ والبارد تجاهه كان مسئولا إلى حد كبير عن خرافة خجله واقترابه من النساء بعد ذلك في حياته " (1).

أما إذا اتجهنا لعلاقة يوسفإدريس بجدة أمة التي ربته في البيروم فنجدها خالية أيضا من الإحساس الدافئ فقد كان لها فراخ تلد مثل أمه وكانت تسلخه بلسانها السليط إذا ما أغضبها بأحد تصرفاته الطفولية ولكن تلك المعاملة الخشنة تم تعويضها إلى حد ما بموهبة المرأة العجوز في حكي القصص فقد اعتاد أن يسمع مسلوب الإرادة إلى العديد من القصص المدهشة وحكايات الجنيات المخزونة في ذاكرتها وكانت تلك الخبرة كما يؤكد يوسف إدريس هي التي أججت اهتمامه بالحكايات .

لذا فقد عاش يوسفإدريس طفولة مشتتة قلقة حائرة مليئة بالحرمان والذي كان له بالطبع تأثيره على حياته فيما بعد .

دور الأم فيعلاقته بالمـــــــرأة :
من خلال صورة الأم قد ندرك الكثير عن طبيعة علاقته بالمرأة وكان لذلك تأثيرا كبيرا على كتاباته فيما بعد وأفضل مرجع لذلك هو رواية البيضاء والتي نشرها في سلسلة تحت عنوان الغريب في جريدة الجمهورية في شهري مايو ويونيو عام 1960 ثم نشرها كاملة عام 1970 في بيروت ويشير يوسف إدريس في تقديمه لها بأنه شديد الاعتزاز بهذا الجزء من عمره وعمر بلاده والذاتية هنا تطغى على المحتوى العام ونجد أن المؤلف يتحدث عن نفسه بضمير المنكلم من خلال الراوي . ونرى اهتزاز علاقته بأمه ويظهر حديثه عن نفسه ويؤكد ذاتية الرواية ما يقوله في الروايه على لسان يحيى بطل روايته البيضاء :
" سافرت إلى البلدة إذن وطالعني كل ما أعرف أنه سوف يطالعني ومع هذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
(1) ب . م . كربر شويك ، الإبداع القصصي عند يوسفإدريس، مرجع سابق ص 45

فللقاؤنا بالقرية فرحة كفرحة رؤيتنا لصورنا ونحن أطفال .. وقوبلت بما تعودت أن أقابل به " ص 53
وكالمألوف استقبله أبوه وأخوته بمظاهرة حافلة مرحة ولكن أين الأم من كل هذا ؟

ونجده يبرر غياب ترحيب الأم له بقوله : " دائما افتقد أمي في تلك المظاهرة وأعرف أنها كالعادة غاضبة علي لأي سبب وأنها جالسة متناومة أو متمارضة ولابد لي أن أذهب وأقبل رأسها ، فتنفر مني وأعود فأقبل يدها فتسحبها بوجه صارم تحاول صاحبته أن تمنع أي بادرة انفعال أن ترتسم عليه وأفعل هذا كله بحكم الواجب والعرف والتقاليد وبلا أي رغبة حقيقية في فعله : " فأنا لم أكن حريصا على إرضائها مثلما كانت هي الأخرى غير حريصة على إرضائي ، علاقتنا كانت غريبة في بابها منذ صغري ودونا عن بقية اخوتي فلا هي علاقة حب ولا علاقة كره" ( البيضاء ، ص 53 )