عرض مشاركة واحدة
قديم 09-22-2014, 10:16 PM
المشاركة 136
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الكوفة
وكان من الغريب أن توجد في الكوفة القريبة منها حركة الفقه، فهي مدينة أنصار أمير المؤمنين علي وعبد الله بن مسعود، وناهيك بابن أبي طالب وابن مسعود من صحابين جلالين، وفقيهي هذه الأمة ،وكان لابن مسعود مصحفا دونه بيده وجمعه وتوثيقه ، فتعصب له الكوفيون حتى ظهور المصحف العثماني
وتجمع بالكوفة فحول الفقهاء من شيوخ أبي حنيفة وهم بالعشرات ولم يكن لهم نظير بالبصرة، فآلت على نفسها نصرة علي وعلوم الظاهرمعا، ولم تزل تتداولها الهزاهز حتى أذاقهاالحجاج عذاب الهون نحوا من عشرين عاما، ولم تذق طعم الطمأنينة بعد ذلك ، وذاك قدرها مع الصرة وبغداد الى يومنا هذا..وذاك ثمن التمرد والثورة ضد الطغيان..
وخصت الكوفة نفسها بعلوم أحكام الفقه الظاهر، ودراسة الشعائر الدينية ،وتوسيع دائرة الالتزام بالنصوص ،احتماء من جور بني أمية، وطغيان بني العباس وسرفهم، فذاع صيتها في كل مايرتبط بالعلوم الفقهية والشرعية،
فأخذ المتصوفة انطلاقا من البصرة، في ابتداع طرق غير مطروقة ولا مأمونة، معاكسة للتيارالكوفي، فتكلموا في الأحوال والمقامات والشطح ،وأشاروا الى القبض والبسط والخوف والرجاء وغير ذلك من مصطلحات باعدت بينهم وبين أهل الفتيا بالكوفة، بحيث تآمر الكثير من الفقهاء ضد المتصوفة، لما أشكل عليهم أمرهم ومن لغز مصطلحاتهم، فناصبوهم عداء مريرا أدى بالكثير من الطرفين الى نتائج كارثية –وخاصة من المتصوفة من اعدام وتنكيل ،فتحولوا بسبب جهل بعض الفقهاء الى ضحايا،.مما زاد من اقبال العامة عليهم، فتطورأمرهم الى فرق وطرق منظمة، وأخذ صيتهم يعلوا بسبب تأثيرهم ونفوذهم على العوام والنخب المتمردة ،(كما هو الشأن الآن في معظم الأقطار الاسلامية) فاختصوا فيما بعد باحترام بعض خلفاء بني العباس من العصر العباسي الثاني،مع ضعف واستهثار معظمهم، ثم علا صيتهم في فترة المماليك ، واكتسبوا المزيد من الشعبية في الحروب الصليبية ،مما زاد من حنق الفقهاء عليهم
ثم بدأت مرحلة الصراع اللااخلاقي، الذي أظهره الكثير من الفقهاء (لأسباب سياسية أكثر منها فقهية كما هو الشأن الآن )حيث بدأوا في المبالغات في نقل أقاويل الشطحات وتضخيمها (ومازال الشأن كذلك مما استخلصته مع حوار لي مع بعض ألأقطاب المحسوبة على السلفية على قناة تلفزيونية) لاظهارهم بمظهر الملاحدة والمارقين عن الدين..
ولقد سجل لنا التاريخ مواقف المتصوفة العالية وأخلاقهم السامية ،حتى نهاية القرن الخامس الهجري ،حتى قال فيهم أحد أعمدة السلفية الكبار "ابن القيم ،في كتابه مدارج السالكين ما يلي"...واجتمعت كلمة الناطقين في العلم –يقصد التصوف- على أن التصوف هو الخلق...،وأنه علم مبني على الارادة ،فهي اساسه ومجمع بنائه، وهو يشتمل على تفاصيل ،حكام الارادة، وهي حركة القلب ،ولهذا سمي بعلم الباطن......"
ويمكننا القول على أن المرحلة التي استمرت من بداية التصوف حتى القرن الخامس الهجري ،أطلق عليها "بالمرحلة الأولى" التي كان الغالب الأعم على التصوف فيها، هو تفضيل المجاهدات العملية على الجانب النظري لقول "الامير ابراهين بن ادهم البلخي'161للهجرة) المتصوف المعروف"أطلبوا العلم من أجل العمل" والذي قال عنه الثقاة من العلماء أنه كان أفقه عصره"،ومعروف الكرخي(المتوفى عام 200للهجرة) وأبو سليمان الداراني، وآخرون من الذين ذكرهم صاحب الطبقات "السلمي" ومعظهم جمعوا ما بين الزهد والتصوف والفقه، وان كانت قوال بعضهم في المقامات والأحوال لا تعبر في مجملها عن مذهب صوفي واضح المعالم ،بل كانت أقولهم مثلها مثل أقوال الفقهاء الورعين فجاء كلامهم على مضامين تنطوي على تمام الزهد في الدنيا، وطلب الآخرة، ومقاومة الشهوات ،ومغالبة حطام الدنيا وزيفها ، والترهيب والخلوة والجلوة والعزلة والطاعة والصدق والمجاهدة والمعرفة والمحبة التي تحولت فيما بعد الى علم خاص اسمه "علم الأحوال والمقامات"
وفي الدور الثاني للتصوف، أي بعد القرن الخامس الهجري، انتقل الى مرحلة دقيقة، عندما بدأ يتناول أحكام الدين من حيث آثارها في القلوب، وتحليل النفس لتصفيتها، فكان من الضروري أن يتكلموا عن ترقيهم الروحي، عن طريق مصطلحات"اسمها المقامات والأحوال" لكي يصل المريد الى حال"الجذب "أو "الكشف" فسموا أنفسهم بأصحاب المكاشفات، وأصحاب" المعرفة الذوقية" فتحدد في هذه الفترة عند المتصوفة والفقهاء مصلحي "العالم" و "العارف"، لكون العالم هو الذي ينشد المعرفة عن طريق النظر العقلي، ويتخذ الأسلوب المنطقي وسيلة لتحصيلها ،أما العارف، فهو الطالب ،و الساعي الى" المعرفةالكبرى"بأعمال القلبأ وفضلا ومنة من الله –كما يقولون-و بممارسة الرياضات الروحية ،بخلاف متصوفي الدور الأول الذين كانوا لايطلبون سوى الجنة.،.بينا تحول متصوفة الدورالثاني الى نشدان القرب والانس بالله ومحبته ومشاهدته وتجليه، وطلب السعادة الذاتية، تلك السعادة التي يحصل عليها بالمعرفة الذوقية بالقلب ،والوصول الى لذة روحية غامرة ،وهي لذة مسيطرة تغشى نفس الطالب و مريدي المعرفة لدى متصوفي ما بعد الغزالي، ...................

________________
*موقع رابطة أدباء الشام :
http://www.odabasham.net/show.php?sid=21173

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا