عرض مشاركة واحدة
قديم 08-07-2010, 03:21 PM
المشاركة 35
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: مقتطفات من كتاب ~ لا تحزن ~
إذنْ فما هي السعادةُ ؟!


(( كنْ في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابرُ سبيل )) ، (( فطوبى للغرباءِ )) .
ليسِ السعادةُ قصر عبدِالملك بنِ مروان ، ولا جيوش هارونِ الرشيدِ ولا دُور ابنِ الجصَّاصِ ، ولا كنوز قارون ، ولا في كتابِ الشفاءِ لابنِ سينا ،
ولا في ديوانِ المتنبي ، ولا في حدائقِ قرطبة ، أو بساتينِ الزهراءِ .
السعادةُ عند الصحابِة مع قلَّةِ ذاتِ اليدِ ، وشظفِ المعيشةِ ، وزهادهِ المواردِ ، وشُحِّ النَّفقةِ .
السعادةُ عند ابنِ المسيبِ في تألُّهِه ، وعند البخاري في صحيحِهِ ، وعند الحسنِ البصريِّ في صِدْقِهِ ، ومع الشافعيِّ في استنباطاتِه ،
ومالكٍ في مُراقبتِه ، وأحمد في ورعِهِ ، وثابتٍ البنانيِّ في عبادتهِ ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ و
َلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ﴾ .
ليستِ السعادةُ شيكاً يُصرفُ ، ولا دابةً تُشترَى ، ولا وردةً تُشَمّ ، ولا بُرّاً يُكالُ ، ولا بزّاً يُنشرُ .
السعادةُ سلوةُ خاطرٍ بحقٍّ يحمِلُه ، وانشراحُ صدرٍ لمبدأ يعيشُه، وراحةُ قلبٍ لخيرٍ يكْتنِفُه.
كنّا نظُنُّ أننا إذا أكثْرنا من التوسٌّعِ في الدُّوِر ، وكثْرةِ الأشياءِ ، وجمْعِ المسهِّلاتِ والمرغِّباتِ والمشتهياتِ ، أننا نسعدُ ونفرحُ ونمرحُ ونُسرُّ ،
فإذا هي سببُ الهمِّ والكَدَرِ والتنغيصِ ؛ لأنَّ كلَّ شيءٍ بهمِّه وغمِّه وضريبةِ كدِّهِ وكدْحِهِ
﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ .
إنَّ أكبر مُصلِحٍ في العالمِ رسولُ الهدى محمدٌ  ، عاش فقيراً ، يتلوَّى من الجوعِ ، لا يجدُ دقْلَ التمرِ يسدُّ جوعه ،
ومع ذلك عاش في نعيمٍ لا يعلمُه إلا اللهُ ، وفي انشراحٍ وارتياحٍ ، وانبساطٍ واغتباطٍ ، وفي هدوءٍ وسكينةٍ
﴿ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ{2} الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ ﴾ ، ﴿ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾ ، ﴿ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ .
في الحديثِ الصحيحِ : (( البِرُّ حُسْنُ الخُلُقِ ، والإثم ما حاك في صدرِك وكرهْت أن يطلع عليه الناسُ )) .
إنَّ البرَّ راحةٌ للضميرِ ، وسكونٌ للنفسِ ، حتى قال بعضُهم :
البرُّ أبقى وإنْ طال الزَّمانُ به
والإثمُ أقبحُ ما أوعيت منْ زادِ
وفي الحديث : (( البرُّ طُمأنينةٌ ، والإثم ريبةٌ )) . إنَّ المحسن صراحةً يبقى في هدوءٍ وسكينةٍ ،
وإنَّ المريب يتوجَّسُ من الأحداثِ والخطراتِ ومن الحركاتِ والسَّكناتِ ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ﴾ .
والسببُ أنه أساء فحسْبُ ، فإنَّ المسيء لابدَّ أنْ يقلق وأنْ يرتبِك وأنْ يضطرب ، وأنْ يتوجَّس خِيفةً .
إذا ساءِ فِعْلُ المرءِ ساءتْ ظنونُهُ
وصدَّق ما يعتادُهُ مِنْ تَوَهُّمِ
والحلُّ لمنْ أراد السعادة ، أنْ يُحْسن دائماً ، وأنْ يتجنَّب الإساءة ،
ليكون في أمنٍ ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ .
أقبل راكبٌ يحثُّ السير ، يثورُ الغبارُ منْ على رأسِهِ ، يريدُ سعد بن أبي وقَّاصٍ ،
وقدْ ضرب سعدٌ خيمتهُ في كبِدِ الصحراءِ ، بعيداً عنِ الضجيجِ ، بعيداً عنِ اهتماماتِ الدَّهْماءِ ، منفرداً بنفسِهِ وأهلِهِ في خيمتِهِ ،
معهُ قطيعٌ من الغنمِ ، فاقترب الراكبُ فإذا هو ابنُه عُمَرُ ، فقال ابنُه له : يا أبتاهُ ، الناسُ يتنازعون الملك وأنت ترعى غنمك .
قال : أعوذُ باللهِ منْ شرِّك ، إني أولى بالخلافةِ منِّي بهذا الرداءِ الذي عليَّ ، ولكن سمعتُ الرسول  يقولُ :
(( إنَّ الله يحبُّ العبد الغنيَّ التَّقيَّ الخفيَّ )) .
إن سلامة المسلمِ بدينِه أعْظمُ منْ مُلكِ كسرى وقيصر ؛ لأنَّ الدين هو الذي يبقى معك حتى تستقرَّ في جناتِ النعيمِ ،
وأما الملكُ والمنصبُ فإنَّهُ زائلٌ لا محالة ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ .