عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-2014, 01:05 PM
المشاركة 20
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الاستاذ ياسر المحترم

وفي جوابك على سؤال : هل فصل الدين عن الدولة هو سر التقدم ؟
- الم تكن اوروبا في ظلام العصور الوسطى حينما كانت الكنيسة هي المسيطرة؟
- الم تحكم الكنيسة على المفكرين والمبدعين امثال كوبرنيكس وجاليلو بالاعدام؟

لا أعتقد أن الدين معطل للعلم والتقدم ، فالحضارة الإسلامية تأسست تحت مظلة الدين . فالدين في الأصل ليس ضد العلوم ، كيفما كان نوعها . لكن عندما يسيطر رجال الدين و تكون لهم حظوة في المجتمع ، ويرتقون اجتماعيا ، ينسون وظيفتهم التربوية بالأساس و يسنون بعض القوانين المتحجرة وفق ما وصل إليه العلم في فترة معينة ، كلما جاءت فكرة ما لا توافق تلك القوانين ، اتهم صاحبها بالانحراف و ينفدون فيه حد الخيانة .
لا أعتقد أن رجال الدين بمعنى رجل متفقه في الدين لوحده جدير بوضع القوانين في كل المجالات الأخرى ، وإلا كشف عن ضعفه و قصوره الفكري قبل كل شيء ، فمثلا حينما تم تجريم الاستنساخ كبحث علمي وفق القواعد الأخلاقية ، فهو نوع من الاغتيال الفكري ، لأن البحث في الخريطة الجينية و التعديلات الوراثية ربما كان لها الأثر البالغ مستقبلا في الحد من الكثير الأمراض ، أضف إلى ذلك إن استطاعت العلوم الوصول إلى استنساخ الأعضاء ، فهو مكسب كبير للإنسانية .
فالمشكلة هنا ليست في الدين ، بقدر ما هي استيلاء طبقة معينة على الفكر الديني و احتكار المعرفة ، و عدم الرغبة في التنازل عن المكانة المرتفعة التي تموضع فيها نفسها .

لا أعتقد أن العلمانية نتاج الفكر الغربي ، فربما أن مجمل أسسها جاءت من الفكر الإسلامي عند ابن رشد ، الذي حاول التأسيس ، لفكرة أن الدين فيه ثوابت و فيه متغيرات تتجدد لا يفقهها إلا أهل البرهان . فحتى أمريكا إلى اليوم رغم "علمانيتها "، لا يزال دستورها ينص أن الحاكم يجب أن يكون مسيحيا ، لكن بطبيعة الحال مع نوع من المرونة في الأصول . وهناك الكثير من الأحزاب في أوروبا لا تزال تحتفظ بصفة المسيحي و تتقلد الحكومات . و لا تزال الكنيسة لها موقعها الهام حتى سياسيا.

في كتابي " فلنهدم أصنام القرن الحادي والعشرين" كنت قد وضعت مقال بعنوان "فلنهدم مدارس التجهيل ونشيد مدارس التفكير" وهذا المقال يوضح من منطلق تاريخي اثر ومخاطر سيطرة التفكير الديني اللاهوتي وتغييب العقل على التقدم الحضاري. كما يوضح أسباب دخول أوروبا في عصر الظلام في مقابل ازدهار الحضارة الإسلامية في بداياتها، ومن ثم أسباب عودة أوروبا إلى النهوض مقابل الانحطاط الذي وقع فيه الشرق واستحكم في العالم الشرقي والعربي تحديدا منذ أن حدث تبادل للأدوار حيث هيمن التفكير الديني واستبعدت العقول:

فلنهدم مدارس التجهيل ونشيد مدارس التفكير
المتعمق في التراث الفكري الإنساني يجد أن هناك علاقة بين الوضع الثقافي والفكري السائد، ومناهج التعليم وأساليبه وآلياته ومخرجاته، فحين يكون الجو الفكري متحررًا، ويتم التعامل مع المتلقي على أساس أنه ذلك العنصر المهم والإنسان المتميز، وأن العقل والتفكير صفات مميزة للإنسان عن الحيوان يتوجب احترامها واستثمارها، يكون التعليم مزدهرًا، وهو ما ينعكس بشكل إيجابي على الثقافة والتعليم، وبالتالي على التقدم والنمو والحضارة، ويمكن القول إن العكس صحيح حيث يتأثر التعليم سلبًا في حالة سيطرة الأيديولوجية الأصولية المنغلقة، على نمط الحياة، فتتعطل العقول والتفكير المبدع، وهو ما يؤثر سلبا على النظام التعليمي والفكري، وبالتالي يتأثر الإبداع والإنتاج الحضاري سلبًا.

ذلك ما يظهر جليًا في استعراض الوضع التعليمي منذ إنشاء أول أكاديمية في التاريخ إلى يومنا هذا، مقرونًا بنمط التفكير السائد، ومدى الحرية الفكرية. وهو ما يشير أيضًا إلى أهمية الاستفادة القصوى من تجربة التاريخ، وما يجب عمله من أجل أن يكون التعليم حافزًا مهمًّا للإبداع والتقدم الفكري والحضاري.

وتظهر أي نظرة تحليلية معمقة لهذا الجانب من الحياة الثقافية والفكرية، بأن الفيلسوف الإغريقي الكبير أفلاطون، كان أول من اقترح تأسيس رياض الأطفال والمدارس، وذلك بناء على استنتاجاته الفلسفية المهمة، ومنهاجه الفلسفي الذي يقوم على إعمال العقل وتفعيله بالتفكير، ويعتبر أفلاطون ثاني أكبر الفلاسفة الإغريق العقلانيين، بعد سقراط، الذين اعتبروا العقل العنصر الأهم في الوصول إلى المعرفة.

والعقلانية تعرف على أنها مذهب فكري يزعم أنه يمكن الوصول إلى معرفة طبيعة الكون والوجود عن طريق الاستدلال العقلي، كما يرى هذا المذهب ضرورة إخضاع كل شيء في الوجود للعقل بهدف إثباته، أو نفيه، أو تحديد خصائصه، وقد رأى سقراط الذي يُعتبر المؤسس الحقيقي للمذهب العقلي بأن المعرفة الحقيقية تأتي من الداخل.

وطور سقراط منهاجًا لتفعيل العقل يقوم على أساس إعطائه الانطباع بأنه يريد أن يتعلم من محدثه، ولا يريد تعليمه،كما فعل السفسطائيون الذين كانوا يعتبرون أنهم يمتلكون المعرفة (علماء ومثقفون)، ويعملون على تلقينها للآخرين، وكان سقراط يبدأ بطرح الأسئلة متظاهرًا بأنه لا يعرف شيئًا، ثم يرتب الحوار بشكل يجعل المحاور يكتشف شيئًا فشيئًا ما يفكر فيه. وكان سقراط يتظاهر بعدم المعرفة ليجبر الناس على التفكير، وكأنه كان يلعب دورالجاهل، وكان لا يتوقف عن الاهتمام، وطرح الأسئلة للوصول إلى المعرفة الحقيقية، وكان يعتقد بأن كل الناس قادرون على اكتشاف حقائق فلسفية شرط أن يستعملواعقولهم. وقد مثل منهاج سقراط ثورة حقيقية في التفكير، والتعلم، واستنباط الأفكار، وتوليدها، ورفع من شأن العقل، إلى حد أنه اتهم بإدخال آلهة جديدة، وقد حكم بالإعدام لذلك، حيث قتل بالسم بتهمة إفساد الناشئة.

أما أفلاطون، وهو أحد تلامذة سقراط، فيعود له الفضل في أنه أنشأ أكاديمية خارج أثينا، في حديقة كانت تحمل اسم البطل الإغريقي أكاديموس، ومن هنا أسميت " أكاديمية"، ومن يومها عرف العالم الأكاديميات، والمواضيع الأكاديمية، وقد درست أكاديمية أفلاطون، الرياضيات،والفلسفة، والرياضة البدنية، وكان التدريس يمثل صراعًا بين الأفكار، والجدل، وكان الحوار الأدبي الأسلوب المفضل لدى أفلاطون.

ويرى أفلاطون أن العقل وحده، يمكننا من المعرفة الحقيقية. وأكد أفلاطون على أن الرياضيات يمكن أن تقدم لنا معرفة أزلية حقيقية، وهو يعتقد بأن مشاهداتنا لا تسمح لنا بأن نرى إلا تفسيرات غامضة، لكن ما نراه في داخلنا بفضل العقل يقودنا إلى المعرفة الحقيقية. ويعتقد أفلاطون أن مقر النفس الخالدة هو العقل، وأن النفس ليست مادية، وهي تستطيع أن ترى عالم الأفكار الذي آمن به أفلاطون، حيث يرى أفلاطون أن النفس كانت موجودة في عالم الأفكار قبل أن تأتي لتسكن الجسد، وعنده أن هذه النفس تحاول استذكار الأفكارالأزلية التي تعرفها من عالم الأفكار.

يتبع،،،