عرض مشاركة واحدة
قديم 02-14-2013, 03:52 PM
المشاركة 917
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نعم انه الموت دائما، وابدأ، وفي كل مكان وزمان.


سواء كان ذلك في السهلأو الجبل أو البحر أو ألواد أو حتى في قلب القطب المتجمد وليس فقط في قلب الصحراء الملتهب.


انه الموت دائما وأبدا.

وهو الباعث، والمحرك، والمزلزل، والمسبب، والمفجر، والمؤثر في توليد النصوص الإبداعية خاصة عند أصحاب الأقلام العبقرية والأفكار العظيمة.

هو الموت الذي يفجر براكين الحزن والألم في ثنايا الدماغ على اثر وقوعه، ومن هناك، وكنتيجة لذلك تتولد طاقة البوزيترون اللامتناهية وغير محدودة القوة، فيعمل الدماغ على غير شاكلته، ويصبح قادرا على توليد نصوص عبقرية فذة تكون أحيانا مذهلة ولها وقع السحر.

وما الميل إلى العزلة والتأمل والتقشف والصمت والانطواء الخ...إلا هزات ارتدادية، تأتي في اثر ذلك الزلازل الكارثي الذي يقلب كيان الإنسان رأسا على عقب، فيزداد ارتفاع منسوب الطاقة الدماغية ويزداد نشاطه وقدرته على توليد النصوص.

وهي أيضا مؤشرات لحجم الزلزال الذي أحدثه الموت وقوته.

والموت هو حتما العامل المشترك الأعظم، والوحيد عند كل الذين ولدوا أفكار عظيمة في كل مكان وزمان.

ونجد أن للموت اثرٌ أعظم على ذهن الإنسان إذا ما تكرر، وكلما بَكّرْ.

ولو أننا دققنا في سيرة حياة أصحاب الأفكار العظيمة، والأصيلة وغير المسبوقة، لوجدنا أنهم في معظمهم أيتام في سنوات العمر المبكرة جدا.

ويكون أعظم اثر للموت إذا ما وقع خلال التكوين.

ولا نكاد نجد مبدعا ولد أفكارا عظيمة للإنسانية إلا وكان قد ذاق مرارة اليتم في طفولته المبكرة، وفي الغالب يكون قد فقد الأب قبل الولادة، ثم ما لبث الموت أن أعاد الكرة فخطف الأم بعد ذلك بسنوات قليلة.

ومثلا من الذين يأخذ عنهم إبراهيم الكوني ويبدوانه قد تأثر بأفكارهم العظيمة نجد أن أفلاطون، صاحب نظرية الظلال، يتيم الأب في الطفولة المبكرة.

كما أن الفيلسوف مانويل كانت يتيم الأم في سن الثالثة عشره، ومات أبوه وهو في سن الثانية والعشرين.

أما نيوتن مثلا والذي يلقب بابو العلوم كلها تقريبا فكان يتيم الأب قبل الولادة وفقد الأم لاحقا بعد أن تزوجت من شخص آخر وتركته وحيدا.

كما أن الرسل جميعا بشقيهم الأرضيين والسماويين كانوا اشد الناس ابتلاء، وجاءوا من بين الأيتام وكان يتمهم مبكرا. ومن بينهم كان أولي العزم جميعهم من دون أب منذ التكوين وما قبل الولادة.

وان كان للصحراء كمنطقة جغرافية أثرا واضحا في خلق العبقرية، وامتلاك المعرفة، حسب رأي إبراهيم الكوني، فأن ذلك يعود وينحصر في إنها الوجه الأخر للموت.

فالصحراوي إنسان ميت مع وقف التنفيذ... ولا بد أن إبراهيم الكوني كان قد اختبر الموت وقسوته وسطوته في سنوات عمره المبكرة. تلك السنوات العشرة الأولى التي أمضاها في الصحراء، قبل أن يهاجر إلى صحراء الثلج ويحط رحالة في قمم الجبال يحيطه الثلج من كل مكان.

ولا بد انه كان في كل لحظة من لحظات عمره تلك واحدا من العابرين إلى الموت كما يقول هو في وصفه لحياة سكان الصحراء.

وفي ظل غياب تفاصيل عن طفولته المبكرة وأسباب هجرته إلى بلاد الثلج في تلك السن المبكرة، نقول يبدو أن الموت اختطف والديه في إحدى رحلات العبور تلك..

أوانه شاهد الموت وركام الجثث هناك في أكثر من موقعه وبأم عينيه...فتزلزل كيانه في سن مبكرة، وهو ما فجر في ثنايا دماغه طاقة هائلة جعلته يعمل بصورة استثنائية.

ذلك هو التفسير الوحيد لقدرته الهائلة والاستثنائية على السرد الجميل والغزير.

وما شعوره بأنه يحمل رسالة للإنسانية، ومحاولته لإعادة كتابة التاريخ، وميله إلى الكتابة الاستشرافية، واتقانه لعدة لغات، وغزارة انتاجه، وكل ما إلى ذلك من ملاحم العبقرية، إلا مؤشر على عمق ومرارة تجربته مع الموت...

ولا شك أن تجاربه الحياتية في مثل تلك البيئة القاسية في سنوات عمره العشرة الأولى، والتي أمضاه اإبراهيم الكوني في قلب الصحراء الملتهب عابرا إلى الموت أعظم الأثر عليه.

فقد شكلت تلك التجارب صندوقه الأسود، الذي ظل ينهل منه، كل ما كتب، كل هذه السنوات، وسوف يظل ينهل منه حتى الرمق الأخير. مثله في ذلك مثل غيره من أصحاب الأفكار العظيمة والقدرات العبقرية والذين نجد أن جل ما يكتبوه كان مصدره ذلك الصندوق الأسود الذي يشتمل على تجارب الطفولة المأساوية والتي تترك بصمتها على الشخصية كما يقول علماء النفس، وهي التي تصنع ما يكون عليه الانسان في بلوغه.

ويبقى أن نقول بأن الذي صنع عبقرية إبراهيم الكوني ليس الصحراء بل هو الموت.


انتهى،،