عرض مشاركة واحدة
قديم 06-30-2013, 03:58 PM
المشاركة 7
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


هل نتغير أم تغيرنا الظروف ؟

لا شك أن ثمة علاقة جدلية تحكم شخصياتنا بوسطها ، بل أشك أنها متكافئة بين تأثير وتأثر ، بل أحس أحيانا أننا مجرد نسخ لظرفنا ، إن كانت حرية الفرد منا مرتبطة بقدرته على تغيير الطبيعة ، فتكون الحرية هي مقدار ذلك الاثر الإيجابي الذي يحدثه الشخص في محيطه ، أي أن الفرد يناضل ضد الطبيعة ويغيرها وبذلك يكتسب حريته ، إن كانت هذه المقولة موفقة فقليلا ما نجد بين الأفواج الآدمية أناسا أحرارا ، أو ناجحين في رسالة الحياة .
أعود إلى قدرة الوسط على قمع مشكاة الذوق في حياة الأفراد ، عايشت أناسا قرويين غادروا إلى المدينة ، تمدنت مظاهرهم واكتسبوا نوعا من المدنية في أفكارهم ، ومع أن الهجرة تكون في ربيع العمر ، فطاقة الفرد تكون في أحسن أحوالها ، فيسهل عليه تغيير طباعه واكتساب سلوكات جديدة بيسر ، فعندما يعود زائرا للبادية ، تجده يحاول أن يكون له أثر في حياة البدو و محاولة تغييرها ، نفس الشخص وما أكثرهم ، حين ترغمه الظروف على العودة للعيش في البادية ، تدرجيا يفقد ما اكتسبه من السلوك المدني ، لتبدأ البداوة في اكتساح مظهره ومأكله ومشربه و مسمعه ولسانه ، بل حين يستغرق أمدا في الأرياف تكون عقليته أكثر تحجرا من البدو أنفسهم .
لوكان التغيير سهل المنال لاستطاع كل جيل خلق عالمه الخاص ، التغيير يحصل بشكل تراكمي ، فمهما ادعينا الثقافة والفكر والحضارة ، فبؤر التخلف في أعماقنا لا يسهل كنسها ، كنت يوم في مجلس نناقش فيه المقاربات الجديدة في التنمية ، كلنا استلطفنا الدروس النظرية المستندة على التشخيص وصياغة الأهداف والتخطيط والقيام بدراسات فعلية وغيرها من أدبيات المشروع ، لكن عندما وصلنا إلى تفعيل النشاط التنموي ، وجدنا أن تلك النظريات على أهميتها غير قابلة للتطبيق الأمثل في واقعنا لأنها مبنية أصلا على معطيات الدول المتقدمة ، أما نحن فكل ما نملك في رصيدنا هو تخلف أساليب التنمية ، فبدأنا نسقط نفس الأساليب على أوراش الإصلاح ، فلا نحصل في النهاية إلا على تخلف آخر .
في المدرسة تتناسل المقاربات البيداغوجية المبنية على أسس علمية متينة ، وأساليب واضحة و وتستثمر أموال هائلة على تنزيلها في تكوينات ومناهج جديدة ومقررات منقحة و مواكبة و دعم وغيرها ، لكن عند المخرجات ، لا أثر لكل ذلك الزخم التنويري ، بل لا تزال المدرسة في انكسار مستمر ، لأن التغيير ليس رتوشات على قطاعت بل منظومة مجتمعية متكاملة فمهما غيرت من الأساليب سيبقى التخلف ينتج التخلف .
رجوعا إلى العلاقة الجدلية الغير متكافئة ، فالطبيعة فينا أقوى من أن ينالها التغيير ، لأن كل تغيير يفرض علينا هجر مسببات التخلف التي أحيانا نعتبرها من محاسننا ، لا يستطيع من تقوقع على ذاته أن يكتسب سلوك المدنية ، ولا يستطيع من لم يناضل ضد الطبيعة أن يغيرها ، لذلك سنبقى دائما بلا حرية .