عرض مشاركة واحدة
قديم 05-09-2015, 04:46 AM
المشاركة 5
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أما المضحك المبكى فإن التيارات الدينية والسياسية المتناحرة لم تر من تاريخ الفراعنة إلا جانب التعصب مع أو ضد ,
فصاروا كفرق تشجيع الكرة وتنافسوا فى الجهل والتجهيل وكما بالغ العلمانيون والمتعصبون فى ذكر الفراعنة جاء مناهضوهم بالمبالغة فى رفض هذا التاريخ ,
بل إن الغرب ــ على عادته الأثيرة ــ وجدها فرصة لخلق فتنة طائفية فتجدد القول بين متعصبي المسيحيين والمسلمين
فتارة يخرج بعض المنسوبين للتيارات الإسلامية بشاذ الأقوال الصادمة تجاه المسيحيين , وبالتالى يرد الطرف الآخر التحية بمثلها , ويتوه كلام العقلاء بين الجانبين بالطبع
ويتجدد كل فترة الحديث الممقوت حول حقيقة الفتح الإسلامى وهل هو فتح أم إحتلال عربي !!
وهذا يذكرنى فى الواقع ببعض منسوبي المذاهب الفقهية عندما تقادم الزمن فى العصور الوسيطة , فرغم العلاقة الوثيقة وبالغة المتانة التى ربطت الأئمة الأربعة فى حياتهم , والإجلال الفائق الذى شعر به كل واحد منهم تجاه الآخر , جاء منتسبي المذاهب بعد مئات السنوات ليقلبوها اقتتالا بين أنصار كل فريق , وليس فى هذا أدنى إنتماء لهؤلاء العلماء , بل إن العلماء أنفسهم لو بعثهم الله لتبرءوا من هؤلاء المتاجرين بأسمائهم
فالذى يزعم الدفاع عن الإسلام ويقلب العلاقة بين المواطنين إلى معركة يخالف أول ما يخالف ما تنص عليه آيات القرآن والسنة وينص عليه التاريخ الإسلامى أيضا , ويذهبون إلى النصوص التى وردت فى المحاربين ويجعلونها فى عامة الناس حتى من المسلمين هؤلاء هم منابع الفتنة الحقيقية
ومتعصبي المسيحية يتاجرون أول ما يتاجرون بالمسيحيين أنفسهم , ويتنكرون لتاريخ طويل لم يفلح الغرب فيه فى إثارة النعرة الطائفية فى مصر قط عبر الحملات الصليبية التى رفض المسيحيون مجرد الحوار مع قادتها فضلا على وقوفهم فى مواجهتها جنبا إلى جنب مع سائر المصريين , ولو كان المسيحيون فى عهد الخلافة والإمارة قد لاقوا أدنى عنت عقائدى فى ممارسة شعائرهم ــ كما يزعم المبطلون ــ فلماذا لم يستنجدوا بالصليبيين فى الغرب وقد حاولوا معهم بشتى الطرق بزعم اتفاق الديانة ولم يصلوا معهم لنتيجة ,
وظلت الكنيسة المصرية منذ عهد عمرو بن العاص مستقلة فى عقيدتها وتوجهها عن الكنائس الأوربية وإلى اليوم ..
أما خروج بعض المتاجرين بقضية الفتح الإسلامى لتزوير التاريخ والإعتماد على مصادر مشبوهة , فهذا لا يصادم فقط ما سجله مؤرخو مصر الإسلامية واتفقوا عليه , بل يصادم حتى ما كتبه المؤرخون المسيحيون قديما وحديثا ,
وهذه القضية بالذات إذا تمت إثارتها فستنقلب حجة على هؤلاء المتعصبين لا حجة لهم , وهو ما يشي قطعا بأن إثارتها ليست بنية الدفاع عن المسيحية بل هى تتدثر بهذا لإثارة الفتنة الطائفية حيث سينبري كل فريق ليدافع عن وجهة نظره وينقلب الخلاف لحرب عقائدية !
وهذه القضية كما سبق القول ــ قضية بالغة القدم ــ وليس فيها ما يفيد المسيحيين لأن التاريخ الموثق موجود , وليس موثقا فقط من طرف المسلمين بل من مؤرخى المسيحية أيضا ,
وكل دعاوى الإضطهاد والإحتلال تسقط بالضربة القاضية عندما نعلم أن عدد المسلمين فى مصر ظل بعد الفتح ولمدة قرن كامل بنسبة 20 % فقط , فكيف يقال بعد ذلك أن المسلمين أجبروا المسيحيين على الإسلام !
ثم بعد ذلك ومع تتابع الأجيال وفى عهد هارون الرشيد أصبحت نسبة المسلمين 75 % من المصريين , وظلت النسبة تتزايد حتى اليوم بالدخول الحر فى الإسلام ,
ناهيك عن تهافت هذه الحجة والذى يقدح فى تاريخ نصاري مصر أنفسهم , فالمتواتر فى التاريخ أن الأرثوذكس المصريين صمدوا بعقيدتهم فى وجه الرومان مئات السنين ولم ينجح الرومان فى تحويلهم للعقيدة المضادة رغم أبشع أنواع التعذيب التى استخدموها معهم ,
فكيف يقال بعد ذلك أن الأرثوذكس تركوا ديانتهم غصبا من المسلمين وليس فى التاريخ حادثة اضطهاد واحدة فى زمن الفتح تقول بذلك , بل تاريخ النصاري نفسه يقول بعكسه لأنهم تعاونوا مع عمرو ابن العاص طواعية وشهد بذلك مؤرخوهم بل وشهد بعض المستشرقين بذلك أيضا مثل توماس أرنولد , وقد حكموا مصر فى مراكز متقدمة مع نظام الحكم الإسلامى
أما الحجة المتهافتة التى تـُــصور أن العرب هم الذين استقروا بالإسلام فى مصر
فهذا ينفيه التاريخ والمنطق والعقل أيضا لأن عدد الفاتحين العرب لم يتجاوز خمسة آلاف مقاتل ومن جاء منهم بعد ذلك من القبائل توافدوا بعد مرور سنوات طويلة على الفتح , فضلا على أن دخول المصريين فى الإسلام كان فياضا ويسير بنسبة مرتفعة عاما بعد عام , فالقول بتلك الحجة العنصرية أن مصر للمسيحيين تنفي عن المصريين المسلمين مصريتهم لمجرد اعتناق الإسلام !
أما النكتة الحقيقية أن هذه الحجة تنقلب على رأس قائلها لأنه إذا كان الإسلام طارئا على مصر فالمسيحية أيضا كانت طارئة ــ على حد تعبير الشيخ الغزالى رحمه الله ــ وبالتالى فليس للمسيحيين الإحتجاج بقومية المصريين خاصة لو أننا وضعنا فى الإعتبار أن دخول المصريين فى الإسلام كان أضعافا مضاعفة لدخول المصريين فى المسيحية قبله
لكنها آفة التعصب والتشدق بدعاوى الغرب , ويجدر بنا أن نثبت هنا أن معظم من تصدوا للرد على تلك الأقوال كانوا من مفكرى المسيحيين الوطنيين حيث كفونا مئونة الرد , ناهيكم عن أن إثارة تلك القضايا اعتمادا على جهل الناس بالتاريخ لا يمكن حملها على حسن النية أبدا ! , وعدم إدراك الهدف الحقيقي لهذه الدعاوى هو الذى يستدرج كل متعصب إلى ما لا تحمد عقباه حتى لو كان مدفوعا بحسن النية
الخلاصة ..
أننى لست أناقش هذه القضايا ذاتها بل أضرب المثل فقط عما يمكن أن تفعله جرثومة الفكر بعقول الناس , وعلى نفس المستوى للأسف يضج الإعلام كل يوم بقضايا تسوّد الصفحات وبرامج تملأ الفضاء ويثور فيها الجدل أياما وشهورا وينطبق عليها المثل المصري الشائع ( الجنازة حارة .. والميت كلب ) !
عافانا الله وإياكم
مصادر الدراسة ..
" قصة الحضارة " ـوول ديورانتـ طبعة مكتبة الأسرةبمصر
" مصر القديمة " ـد. سليم حسنـ طبعة مكتبةالأسرة بمصر
" سقوط نظام " ـ محمد حسنين هيكل ـ طبعة دار الشروق
" الهرم المعجزة " ـد. مصطفي محمودـ حلقة تليفزيونية من برنامج العلم والايمان
" الذين عادوا إلى السماء " ـأنيس منصورـ طبعة دار الشروق
" أخبار الأول فيمنتصرف من أخبار الدول " ـإسحاق المنوفيـ طبعة الذخائرـ مصر
" النجوم الزاهرة فى أخبار مصر والقاهرة " ــ ابن تغربردى ــ سلسلة الذخائر ــ مصر
فتوح مصر ــ ابن الحكم ــ الذخائر
قذائف الحق ــ الشيخ محمد الغزالى ــ طبعة دار الشروق
" القرآن والإنجيل والعلم " ـبروفيسور موريس بوكاىـ نسخة الكترونية
" قصص الأنبياء " ـالإمام متولىالشعراوى
" قصص الأنبياء " ـد. أحمد الكبيسي ـ حلقات تليفزيونية ـ قناة دبي الفضائية