عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
33

المشاهدات
13969
 
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي


محمد جاد الزغبي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,179

+التقييم
0.18

تاريخ التسجيل
Jan 2006

الاقامة

رقم العضوية
780
05-09-2015, 04:28 AM
المشاركة 1
05-09-2015, 04:28 AM
المشاركة 1
افتراضي الحضارة الفرعونية المفترى عليها ( بعد التنقيح )
الحضارة الفرعونية المفترى عليها ( بعد التنقيح ) "[1]"
من غرائب ما تواجهه هذه الأمة ويعد من أخطر أسباب تراجعها رغم الماضي العريق .. هو أن الأجيال الحديثة لا علاقة لها بماضيها مطلقا .. على نحو يكفل التخلف المحقق لأى أمة دون شك ..
لأن التاريخ كعلم يعد هو الأساس الأقدر فى الحضارات جميعا وذلك لطبيعة العلوم الحضارية ذاتها من أنها تتكون بالصبغة التراكمية فيجب أن تتواصل الأجيال اللاحقة مع السابقة وإلا فقدت بإرادتها الحرة كل مقومات التراث وبالتالي كل مقومات الحضارة ..
لأن تاريخ أى أمة عظيمة فى لحظات ضعفها يكون هو الشريان الذى يجدد دماء شبابها للنهوض مجددا ولها اتفق المفكرون على أن إحداث أى فصل بين تاريخ شعب وحضارته , يعتبر هو السلاح الأقوى فى تدمير أى دولة تمتلك مقومات النهوض الحضاري بشقيه , التقدم العلمى والتقنى , والعطاء الفكرى والإنسانى , ويحدث هذا بما نسميه الغزو الفكرى وهو يحقق نتائجه الكارثية بأحد أمرين
إما أن يجعل الشعب يجهل أو يتجاهل تاريخه تماما وبالتالى يفتقد إلى ذلك التواصل والعامل المحفز للنهضة فينقلب إلى تابع مقلد , وإما أن يجعل الشعب يتنكر لهذا التاريخ ويحتقره ويزدريه ويقع فى فخ الإنسلاخ التام من قيمه وموروثاته وبالتالى يصبح شعبا مستعمرا ومحتلا لعدوه دونما حاجة إلى حرب أو جيوش !
وسبب الجهل المدوى بتاريخنا كأمة وفى مصر بصفة خاصة ــ ليس كما كنا نظن ــ عن عيب فى الأجيال الجديدة , بل ظهر للعيان مؤخرا أن السبب الرئيسي فى هذه الكارثة هو ذلك الجيل المتـغرّب الذى ظهر فى مصر يقود معركة التغريب ــ نيابة عن الإحتلال البريطانى ــ ليتسبب فى أكبر انقسام فكرى شهدته مصر فى العصر الحديث , وبدأ مع بدايات القرن العشرين , وأعنى بهم أولئك الذين اخترعوا معارك طاحنة من الهواء عندما مدوا أنوفهم فى العمق التاريخى للأمة وبالذات فى الحضارة الإسلامية ليصدر منهم أكبر الاعتداءات السافرة بحق القرآن والسنة والتاريخ , فى الوقت الذى كانت فيه البلاد تحت وطأة الإحتلال وكانت النتيجة أن تجاهل ذلك الجيل معركة التحرير وانشغل بمحاربة بعضه البعض بسبب سياسة الإستدراج التى اتبعها مفكرو التغريب
بل إنهم تميزوا بتبجح منقطع النظير عندما قاموا بسرقة أفكار وكتابات المستشرقين ونسبوها لأنفسهم , والطريف أن المستشرقون سكتوا عن هذا لغرض فى نفس يعقوب !
وهؤلاء الأعلام ممن ارتكبوا هذه الجريمة , للأسف قام بالإعلام بتضخيم صورتهم وتصويرهم على أنهم رعاة الفكر المستنير وأهملوا عمدا سيرة العلماء والمفكرين الحقيقيين الذين تصدوا لهجمات جيلهم , بينما فعل الإعلام الرسمى العكس مع أمثال طه حسين ولطفي السيد وحتى أحمد أمين الذى يشار له بالبنان كمفكر إسلامى مجدد , وهو ــ رغم قدرته العلمية الفائقة ــ إلا أنه جعل من علمه هذا حجة عليه لا له بعد أن جعل من نفسه ومن كتبه الشهيرة ( فجر الإسلام وضحى الإسلام ويوم الإسلام ) نافذة لأقوال المستشرقين !
وقد روى العالم الجليل الدكتور مصطفي السباعى فى كتابه العظيم ( السنة ومكانتها فى التشريع ) واقعة أراها فضيحة حقيقية لدعاة التنوير تبين فى وضوح أنهم كانوا يفعلون ما يفعلونه عن عمد كامل وليس عن جهل أو شبهة , ففي أحد الوقائع التى تصدى فيها الأزهر لأحد دعاة الطعن فى الثوابت روى هذا الرجل أن أحمد أمين نصحه بنصيحة معينة عندما تابع المشكلة بينه وبين علماء الأزهر وقد نقل الرجل تلك النصيحة للسباعى والتى دونها فى كتابه سالف الذكر قائلا :
( ولما ثارالنقاش في الأزهر حول الإمام الزُّهْرِي عام 1360 هـ قال الأستاذ أحمد أمين للدكتورعلي حسن عبدالقادر وهو الذي أثيرت الضجة حوله : إِنَّ الأزهر لاَ يقبل الأراءالعِلْمِيَّةَ الحرة، فخير طريقة لبث ما تراه مناسبًا من أقوال المُسْتَشْرِقِينَألاَّ تنسبها إليهم بصراحة، ولكن ادفعها إلى الأزهريِّين على أنها بحث منك، وألبسهاثوبًا رقيقًا لا يزعجهم مسها، كما فعلتُ أنا في " فجر الإسلام " و" ضُحَاهُ " هذاما سمعته من الدكتور علي حسن يؤمئذٍ نقلاً عن الأستاذ أحمد أمين ) !! "[2]"
وهذا ما يوضح حتى للعميان لماذا وكيف روج هؤلاء المتغربين لمطاعن المستشرقين على أنها تجديد من بنات أفكارهم وكيف شجعهم المستشرقون على ذلك ودعموهم عقب فشلهم فى اختراق الفكر الإسلامى بمؤلفاتهم لكونها كانت واضحة المصدر من أعداء المسلمين الواضحين , فاستعانوا بأولئك الذى بهرهم النمط الأوربي ودفعوهم إلينا جيلا بعد جيل
وهذا الأمر لم يكن أسلوبا شاذا فى طرحهم بل لا يوجد واحد من دعاة التنوير من أيام طه حسين ومحمد خلف الله وأحمد أمين وحتى يومنا هذا إلا واستقي من معين الإستشراق أو لجأ إلى كتب فرق أهل البدع ليأتى منها بالطعون على السنة النبوية ,
وليتهم مثلا لجئوا إلى التعمية فى سرقاتهم بل كانت سرقاتهم واضحة بجرأة غريبة حتى أن العلامة محمود شاكر أحد أئمة العربية فى القرن العشرين قال عن كتاب الشعر الجاهلى لطه حسين أنه لا يمكن اعتبار الكتاب ومتنه هو من طه حسين بأى صورة من الصور بل لا يزيد عن وصفه أنه حاشية للدكتور طه على متن مرجليوث المستشرق اليهودى المعروف "[3]"
القصد ..
تصدى للمتغربين كبار المفكرين المحافظين وشيوخ الأزهر واستمرت المعركة إلى اليوم مع اختلاف مستوى الصراع بالطبع , فالأجيال القديمة من مفكرى التغريب كانوا على درجة عالية من الإحتراف رغم أنهم اتبعوا مبدأ اللصوصية فى نقل الشبهات , لكن الأجيال المعاصرة التى تملأ فضاء الإعلام اليوم لا يمكن بأى حال من الأحوال وصفها بالفكر أو حتى بالعقل ! , بل هى كائنات دقيقة تستحق اهتمام علماء الأجناس
نظرا لأن هذه الأجيال لم تكتف فقط بالجهل بضاعة , والبذاءة فى العرض , بل تميزت بتبجح مضحك للغاية وهو الجرأة اللامعقولة فى إنكار أى شيئ وكل شيئ , ولا شك أن حكمة ( خالف تٌــعرف ) ستعلن اعتزالها الحياة الفكرية بعد أن ساءت سمعتها بسبب أفعال هؤلاء ,
فالمفكرون فى أى مجال لا يعترضون على مبدأ الإبتكار أو التغريد خارج السرب , ولكن لابد لهذا الإختلاف أن يتميز بالحد الأدنى من العقل ولا يخالف ما توافق المتخصصون على ثبوته بالأدلة , أما أن يخرج أحدهم فيفتش فى أثبت الثوابت فى القرآن والسنة ويأخذ منها أمرا مشهورا ويخرج علينا فى فضائية أو جريدة لينفي وجوده من الأساس , فهذا هو الجنون الحقيقي
بل بلغت النكتة والهذيان بأحدهم أن خرج فأنكر أنه يوجد ثوابت فى القرآن والسنة أصلا ثم نافسه مجنون آخر فقال بأن الشريعة ليست علما من الأساس , ونافسه ثالث فقال بأن الفتوحات الإسلامية خرافة !!
وأنا حقيقة لست أدرى كيف تسكت وزارة الصحة عن المسارعة بعلاج هذه الحالات قبل أن يستفحل خطرها !
ولنا أن نأسي والله على المعارك الفكرية فى الزمن القديم ,
فرغم أن أى إنسان مسلم يضيق صدره عندما يستمع إلى افتراءات المستشرقين أو أصحاب الشبهات إلا أنه فى نفس الوقت عندما نطالع المناظرات العميقة التى دارت بينهم وبين مفكرى الإسلام قديما وحديثا فى النصف الأول من القرن العشرين لا يملك إلا الإنبهار الحقيقي بهذا المستوى الرائع الذى ظهر به الخصوم !
مع ملاحظة أن البحث العلمى والكتب ومصادر المعرفة لم تكن متوفرة بهذه السهولة التى نعرفها اليوم , بل إن بعض المصادر المعرفية الأصلية فى الفكر الإسلامى كان فى ذلك الوقت قابعا فى المخطوطات العربية فى بلادنا أو بلاد الغرب ولم يطبع أصلا إلا فى مرحلة تالية
فجاء المحاربون والمدافعون عن السنة والإسلام فتعاملوا بحرفية شديدة تماثل حرفية القدماء وردوا بنفس براعتهم وفى هذا المجال برز عمالقة تم التعمية على جهودهم مثل عبد الرحمن الرافعى ومحمود شاكر وشقيقه العلامة أحمد شاكر والشيخ محب الدين الخطيب والأستاذ أحمد الشايب والعقاد وكل هؤلاء من فطاحل الجيل الأول الذين مزقوا كتب وشبهات طه حسين وأحمد أمين ومحمد خلف الله وسلامة موسي ولويس عوض
واستمر المستوى المرتفع فى الردود والنقاش من الجانبين على حد سواء فى الجيل التالى أيضا فى عصر الغزالى ومصطفي محمود والشعراوى وعبد الصبور شاهين , فى مواجهة شبهات الجيل التالى من العلمانيين والمتغربين أمثال فرج فودة وغالى شكرى ونصر أبو زيد
وكانت هذه البراعة نتيجة طبيعية لأن تلك الأجيال ورثت بعضها بعضا ,
أما فى عصر مبارك وهو عصر الركود العظيم فقد اندحر الفكر وانسحق فى كافة المجالات وليس فقط فى مجال الفكر الدينى لأن عصور الملكية كان لها مفكروها وكذلك عصر عبد الناصر وأيضا عصر السادات , كل هؤلاء ظهرت فيهم أجيال متمكنة من أدواتها وتمتلك الثقافة الموسوعية الجبارة التى جعلت من متابعة مناظراتهم متعة لكل طالب علم ..
أما عصر مبارك فقد جاءت جحافل الجراد الثقافي التى لا تتقن حتى مجرد التعبير بالعربية الفصيحة , وبعد أن كان الصراع السياسي قديما يدور بين هيكل ومصطفي أمين أو بين محمود السعدنى وتوفيق الحكيم , أو بين فؤاد زكريا والناصريين , أصبحت أقلام عصر مبارك فى مستوى سمير رجب وإبراهيم نافع ثم ممتاز القط وسيد على وعبد الله كمال وأحمد موسي !!
وبعد أن تولى وزارة الثقافة أمثال ثروت عكاشة ويوسف السباعى وكان من رموزها يوسف إدريس ونجيب محفوظ والأبنودى وسيد حجاب , أصبح فاروق حسنى هو وزير الثقافة الأطول عمرا فى تاريخها وأصبح من رموزها سيد القمنى وأمثالهم من المتردية والنطيحة وما أكل السبع ..
ولهذا كان طبيعيا أن يكون الجيل الجديد من دعاة التغريب والإنسلاخ أكثر انهيارا , وإن كنت والله ما توقعت انحدار المستوى إلى الدرجة التى نعتبر فيها جيل النكرات الحالى ممثلا للفكر العلمانى أو الإلحادى !!
وكل هذا يحدث رغم أن الميدان الفكرى لا حدود لاتساعه ويشتمل على قضايا بالغة العمق تستحق الإلتفات والإجتهاد , ولا تتطلب إلا التقليب فى صفحات الكتب أو الإبحار فى محيط المعارف
وقضية التجديد ذاتها ــ رغم الحاجة إليها ــ إلا أن غياب المتخصصين أخذها إلى جوانب أخرى شنيعة تنم عن جهل بأبسط الأبجديات فى علوم الشريعة !
فبداية أصبحت الكلمة نفسها سيئة السمعة بعد أن انتحلها كل متكلم , ووجدنا كل من استخدمها يذهب بها إلى مصادمة النصوص الصريحة فى القرآن والسنة , فضلا على جهلهم بأقوال العلماء فى معانى التجديد فى اللغة والإصطلاح , فالتجديد ابتداء إنما يكون فى إعادة العقيدة والأصول لما كانت عليه فى زمن النبي عليه الصلاة والسلام وتخليصها من الشوائب والبدع والخرافات , وهذا هو مدلول معنى التجديد أما ما يطالب به الإعلام فليس تجديدا بل هو هدم وإعادة بناء لدين جديد لا نعرفه ,
وليس هذا بغريب بعد أن خرج أحد دعاة التجديد ليقول بأن الإسلام الحقيقي مختطف منذ عهد الصحابة وحتى اليوم !! "[4]" ولست أدرى ما هو مصدر إسلامه الجديد ومن أين أتى به ؟!
وقد ظهرت أيضا كلمة وتعبير غريب وهى ( التجديد الفقهى ) والغرابة هنا تكمن فى أن الفقه نفسه لا يحتاج لمعنى التجديد لأن هذا المعنى كامن فى مصطلح الفقه نفسه , فالفقه كعلم له أصوله المتعارف عليها منذ أسسه الفقهاء الأوائل لا يعنى العلم بالأحكام فقط , بل يعنى كيفية تطبيق الأحكام على الواقع , ولما كان الواقع يتغير من عصر إلى عصر بل ويتغير من إنسان لإنسان بل يتغير فى الإنسان الواحد باختلاف ظروفه فى سنوات عمره "[5]" , هنا تكون مهمة الفقه مواكبة التطبيق لظروف الواقع ولهذا فالأحكام الفقهية والفتاوى تتناسب مع واقعها وكل هذا تحت ظلال أحكام الشريعة وفى ضوء المقاصد الخمسة للشريعة والتى تمثل الدستور الراعى للفتاوى فى كل عصر
فإذا رأينا أو سمعنا بفقه لا يعالج واقعه فهذا ليس بفقه أصلا , وعليه فالفقه لا يحتاج تجديدا لأنه متناسب مع عصره , وإلا صارت الفتاوى متوارثة من القدم كأحكام العقيدة والأصول القطعية , وهو ما لم يحدث بالطبع , فاختلف الفقهاء على مذاهب متنوعة نظرا لأن الفقه يعالج الفروع وحدها بالإجتهاد ولا يمس العقيدة والأحكام التى اتفق فيها أهل السنة اتفاقا تاما وليس فيها اجتهاد أو رأى شخصي لأنها محصورة بالنصوص
وكمثال بسيط لإيضاح الختلاف بين مفهوم العلم ومفهوم الفقه ..
فالعلم يقول بأن الصلوات المفروضة للمسلم خمس صلوات فى اليوم والليلة وهى فرض أصيل لا يسقط وإدراكنا لذلك وإخبار الناس به هو من علوم الشريعة , أما الحكم على حالة شخص معين له ظرف استثنائي محدد فهذا ما يحكم به الفقيه لا العالم بالأحكام
والإفتاء مهمة الفقيه وحده العالم بالأصول لأنه لا يفتى الناس بالهوى أو الرأى المجرد بل بما يعلمه من كيفية الإستدلال ومراتب الأدلة والتفرقة بين الواجب والمستحب والمندوب والمكروه بل يمتد الفقه إلى وجوب إدراك حالة كل مستفت على حدة ولكل حالة حكمها الخاص الذى لا يجرى على غيره ولهذا يردد العلماء ليل نهار أن الفقه بحر محيط لا ساحل له وخفيف العقل فقط هو من يتصوره بمجرد النظر فى الكتب أو البحث على الإنترنت !
والعالم بالأحكام مهما اتسع علمه , سيظل غير مؤهل للإفتاء بالفقه إذا لم يدرس أصول الفقه , لأن أصول الفقه هى القواعد التى تم استنباطها من مقاصد الشريعة وتمثل المستوى الأعلى من التشريع كالقواعد الدستورية فى الأحكام الوضعية , أما أحكام الفقه ذاتها فتمثل المرتبة الثانية كالقوانين , ولا يجوز إطلاقا أن يخالف الحكم الفقهى أو يتعارض أو يتصادم مع القواعد الأصولية وإلا تم اعتباره حكما غير صحيح
والعلم بهذه المعلومة البسيطة وحدها كفيل بإسقاط نصف الشبهات التى يرددها متخلفي الإعلام اليوم لأنهم يستدلون على مهاجمة الترات بأحكام فقهية فى أزمان ماضية كانت تتناسب مع الأصول ومصلحة المسلمين فى وقتها ويتخيلون أن هذه الفتاوى ملزمة للعصور التالية !
وفقط مثال بسيط على هذه القاعدة ..
فمعلوم من الدين بالضرورة أنه لا تحريم إلا بنص قطعى الثبوت والدلالة , وقد جاء تحريم الخمر فى القرآن الكريم صريحا , وجاءت السنة فأكملت التشريع بتعريف الخمر تعريفا واضحا كقاعدة قانونية يستدل بها الفقيه والقاضي وكان التعريف أن كل مسكر خمر وكل خمر حرام
يأتى الآن بعض المتخلفين عقليا فيقول أن تحريم المخدرات لا يجوز وليس لنا إلا أن نعتبرها مكروهة لعدم وجود نص صريح !!
وهذا جهل شديد بكل أصول الإستدلال والإفتاء لأن المخدرات تماثل الخمر فى الحكم كتفا بكتف وبالنص الصريح أيضا لكن القائل بهذا أخذ ظاهر النص دون أن يتعلم شيئا من الأصول , فالنص لم يحرم الخمر فى صورتها السائلة كمشروب فقط !! , بل جاء النص ليحرم كل مسكر وكل ما يذهب بالوعى والعقل , فضلا على كل ما يلقي بالنفس إلى التهلكة ..
وبالعودة إلى القاعدة الأصولية ( لا ضرر ولا ضرار ) والعودة إلى مناط حكم تحريم الخمر وهو حماية العقل يتضح لنا ببساطة أن المخدرات تنزل حكم الخمر تماما ,
وهذا ــ كما قلت ــ مجرد مثال على مدى تعقيد مسألة الإستدلال وهى مسألة لا تكاد تذكر فى سهولتها إلى جوار النوازل الأصولية التى ترهق عتاة أهل العلم ..
وأهل التطرف وأهل التسيب يتعاملون مع القواعد الأصولية باللهو واللعب ,
فالمغيبون ممن دخلوا إلى الفقه من غير بوابة الأصول تجده يتشدد فى فتاوى لو علم أثرها ما خرج من بيته لأنه أنزل المتغيرات فى مكان الثوابت وألغي من القواعد الأصولية أهم قاعدتين وهما رفع الضرر والمشقة تجلب التيسير , وعلى الجانب الآخر استغل جهلة الإعلام قواعد الأصول التى تنص على أنه حيثما تكون المصلحة فثم شرع الله
فخرجوا علينا لينقضوا الفرائض ويحللوا المحرمات تحت زعم المصلحة , وهؤلاء لم يفرقوا بين المصلحة المجتمعية التى يراعيها الفقه وبين الشهوات التى يطالبون بها تحت زعم التيسير مما ينسف فكرة التدين من أساسها !
ولو أضيف لتلك الكارثة كارثة أخرى وهى التسطيح وعدم التدقيق ينقلب التخلف إلى موت حقيقي لأى شعب .. وهو ما نعانيه بحذافيره سواء كنا كعرب من ورثة الحضارة الإسلامية أو مصريين من ورثة تاريخ الكنانة الأقدم فى الأرض وهو إيماننا ببعض المعارف أو الثقافات التى أخذناها على عواهنها دون تدقيق ودونما بذل الحد الأدنى من الجهد لتحرى الصدق والواقع فيها كما لو كانت مسلمات غير قابلة للنقض أو النقد ..
والمشكلة الحقيقية أن تصحيح تلك الأفكار لا يتطلب ابتكارا أو جهدا لأنها قضايا محسومة أصلا ولكنها وصلت إلينا بصورة خاطئة أو مصنوعة بينما بالعودة إلى المراجع الأصلية فى أى ميدان سنجد أن العلماء السابقين بينوها ومحصوها ولا أدرى إلى اليوم ما هو سر ترويج الأقلام لخرافات تاريخية وروايات باطلة رغم أن المصادر الصحيحة متوافرة ومتضافرة
والأمثلة على ذلك بلا حصر ..
ولعل أخطرها وأهمها انتشار أكاذيب الراوة الكذابين للتاريخ الإسلامى فى كتابات المعاصرين "[6]" وترك الروايات الصحيحة لأن المعاصرون أهملوا دراسة منهج كتابة التاريخ الإسلامى فأخذوا من الروايات ما اشتهر وحسب, فروجوا لأباطيل لم يقع منها شيئ ومثال ذلك ما حوته كتب المعاصرين عن أحداث الفتنة الكبري وواقعة التحكيم والتى تم الترويج فيها لرواية لوط بن يحيي ( أبو مخنف ) أحد أكذب الراوة المشهورين عند علماء الحديث , وهو الذى ابتدع قصة خدعة التحكيم وخداع عمرو بن العاص لأبي موسي الأشعري إلى غير ذلك من الطعون التى اشتهر الرافضة بنشرها فى حق الصحابة ,
فجاء المعاصرون ولم ينقلوا إلا هذه الرواية من تاريخ الطبري وتركوا رواية الإمام الدارقطنى ــ وهو شيخ البخارى ــ والتى أوردها عنه الإمام أبو بكر ابن العربي فى كتابه الهام ( العواصم من القواصم ) " [7] " وأوردها كذلك المؤرخ خليفة ابن خياط صاحب أوثق مصادر التاريخ الإسلامى الأصلية وأثبتها "[8]"
وعندما بين العلماء ما وقع فيه الإعلام من الجهل عاندوا وكابروا وزعموا أنهم وجدوا تلك الروايات فى الكتب !! , وهذا من أعجب العجب , لأنه ليس ذنبنا أن يذهب أحمق إلى كتب التراث الأصلية التى لا يعلم طرقها ومنهجها فيأخذ منها ما يشاء وإلا لذهب الناس إلى كتب الموضوعات والمكذوبات التى جمعها علماء الحديث وحكموا عليها بالوضع , فيأتى أى شخص فيأخذ منها ويطبق !!
والغريب أن لا يكلفون أنفسهم حتى قراءة مقدمات الكتب ,
فالذين ذهبوا إلى أكبر مصادر التاريخ الإسلامى جمعا للروايات هو تاريخ الطبري وأخذوا منه ما وافق هواهم تجاهلوا ما قاله الطبري نفسه فى مقدمة كتابه حيث نبه الرجل إلى أنه وضع كتابا حرص فيه على جمع المادة العلمية بطرقها ورواتها أما مسألة النقد والتمحيص واستخراج الروايات الصحيحة من الضعيفة فقد تركها للمحققين وهذه هى طريقة العلماء قديما فى الكتابة لأنهم كانوا الآباء المؤسسين لعلوم الشريعة والتاريخ فكان يلزمهم أولا الإهتمام بجمع المادة العلمية فى كتب بعد تكاثرت طرق الرواية , وهم فى جمعهم سائر ما وجدوا لم يجمعوه على أنه صحيح أو أنه مسلم به وإلا ما هى فائدة علوم الحديث أصلا !
فعلوم الحديث قامت على إفراد قوعد النقد والتحرى للأسانيد والمتون معا , وأكرر نقد الأسانيد والمتون معا قبل الحكم بالصحة أو الضعف وليس كما يروج الإعلام أنهم اهتموا بالأسانيد فقط
وبعد عصر التدوين الأول ظهر فى مواكبتهم أهل التحقيق والنقد وتتبعوا كل كتاب وكل مخطوط ووضعوا أحكامهم عليه فوصلت إلينا علوم الشريعة والتاريخ والآداب والفنون ممحصة ومدققة "[9]"
يتبع

الهوامش :
[1] ــ قمت بنشر هذا البحث عام 2007 م , ثم استجدت معلومات وأفكار جديدة تخدم نفس الفكرة , ولهذا رأيت إعادة نشره بعد التنقيح ..
[2] ــ السنة ومكانتها فى التشريع ــ مصطفي السباعى ــ ص 266
[3]ــ الشعر الجاهلى كتاب شهير لطه حسين احتوى على كفريات شنيعة وتم تقديم طه حسين للمحاكمة بسببه فتبرأ من أفكاره أمام النيابة كعادة هؤلاء القوم إذا اشتعل غضب الناس حيث يتراجعون عن صريح أفكارهم العلنية , وقد رد الكثير من الأئمة والمفكرين على طه حسين وأشهرهم الرافعى فى كتاب تحت راية القرآن وكذلك الشيخ محمود شاكر فى كتابه الممتع أباطيل وأسمار
وهناك رواية غير موثقة تقول بأن طه حسين تاب عن أفكاره تلك قبل وفاته وشهد بذلك بعض معاصريه ونتمنى أن يكون ذلك قد حدث
[4] ــ قالها ثروت الخرباوى فى حوار له مع جريدة فيتو بالملحق الذى صدر تحت عنوان ( المجددون )
[5] ــ هذا من مبادئ علم الأصول ومنه تم اشتقاق كلمة الفقه بمعنى الفهم والإدراك ويرجى مراجعة نظرية العقد للشيخ محمد أبو زهرة فى باب اختلاف العلماء حول تطور العقود وشروطها عبر التاريخ الإسلامي
[6] ــ يرجى مراجعة البحث الهام ( روايات الكذابين فى التاريخ الإسلامى ) لكاتبه الدكتور خالد كبير علال
[7]ـ حول هذا الموضوع يرجى مراجعة بحث مختصر بعنوان ( الفتنة الكبري بالروايات الصحيحة فقط ) وضعت فيه أقوال علماء الحديث والتاريخ قدامى ومعاصرين حول وقائع الفتنة
http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=392
[8] ــ رغم مكانة وجلالة كتاب تاريخ خليفة ابن خياط هو وكتاب تاريخ المدينة لابن شبه وروايتهم للتاريخ بالسند والمتن الصحيح إلا أن المثقفين والكتاب لا يعرفون عنه شيئا تقريبا ولا يحتجون إلا بتاريخ الطبري , وتاريخ الطبري رغم أنه أحد المصادر الرئيسية إلا أن الطبري نفسه نوه فى مقدمة كتابه على أنه لم يشترط صحة الروايات فى رواياته بل اكتفي بإثبات إسنادها وترك تحقيق الروايات وقبولها أو رفضها للمحققين تطبيقا للقاعدة التى تقول ( من أسند فقد أحال )
[9] ــ لمطالعة المزيد عن جهود علماء الحديث يرجى مراجعة بحث مختصر للكاتب بعنوان ( أعظم عملية مخابرات فى تاريخ الإسلام ) ــ منتديات منابر