عرض مشاركة واحدة
قديم 12-14-2017, 08:06 PM
المشاركة 50
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
القصص المشاركة في مسابقة القصة لمنابر ثقافية اصدار 2017 :

وزر
القاصة مها الالمعي

طابور تتراص فيه أجساد الصغيرات إصغاءً للأوامر، تنتهي الإذاعة الصباحية
وأسير بهن للصف، آمرهن بالجلوس، أتفقد الملامح والهمسات التي تسري بينهن.
من لا يُمضي وقتا طويلا مع الصغار لا يمكنه تخيل إلى أي مدى تستطيع هذه البراءة أن تحيك الأذى لبعضها، شكوت للمديرة كثيرا هذا النشاز الطفولي الذي أتعامل معه، وكانت ترد عليّ في كل مرة "لا أحد يستطيع تعليم طفل بأن ما يفعله جارح"، عندما اكتسبتْ نبرة آلية في نقل حقيقتها المطلقة لي أدركت أن عليّ تولي الأمر وخوضه بنفسي، داليا ببنية أصغر من البقية، شاحبة، وترفع شعرها في هيئة ذيل حصان، أخبرتني والدتها أنها خضعت لعملية زراعة قوقعة قبل سنتين من الآن، ولا زالت اللغة غريبة عليها قالت عليّ أن أكون على قدر عال من الرفق بها، فهي أقل حظا من البقية.
فُتح إدراكي على الصغيرة، لم يعد لعب الأخريات معها محاطا بالطبيعية كما كان. رأيت إحداهن تقف في مواجهتها وتتهجى اسمها بتعمد في إسقاط بعض حروفه، وثانية تشد شعرها بين فينة وأخرى معتمدة على خجل داليا في الشكوى منهن لي.
بعد شهر من وصية أمها تمت ملاحظة تحيزي لها، وانتبه الصف لأنها في حمايتي
كف الأذى عنها وكانت يدها قابضة على طرف قميصي أغلب الوقت، بعد انتهاء الحصص الدراسية لأحد الأيام، وحين كنت أعيد توضيب مكتبي استعدادا للمغادرة، فُجئتُ بصوت بكاء يرتفع تدريجيا لاتجاهه لمكاني، بدوري خرجت أتفقد المكان الذي تفجر سكونه، رأيت داليا مفزوعة، وجهها الشاحب مغتسل بالدموع، وتشد حقيبتها لصدرها، بعد أن عادت لهدوئها وأخذتها لسائق الباص.
كان خطأي قد تجسد بكل فداحته أمامي، أنا لم أهبها الأمان لكني سلبت منها حق أن تكون شجاعة.
فرغتُ غضبي من نفسي في رسالة استدعاء لوالدتها.
أمضيتُ تلك الليلة في محاولة فهم لمن تقع عليه مسؤولية الصغيرة، هل الرسالة التي كتبتها لم تكن أكثر من تنصل من واجبي؟
شروق الشمس أنقذني، ولتسريع الزمن خرجت من المنزل قبل موعدي، كنت قد حددتُ السابعة موعد لقاء أم داليا وأجابتني بالقبول، تجاوزتْ الساعة السابعة بثلاثين دقيقة ولم تحضر بعد، غضبي المزود بانعدام حيلتي جعل نقاط قلم الرصاص تتكاثف على الورقة أمامي، عندما أشار العقرب للثامنة
نهضتُ للاتصال بها وكانت خططي تتزايد في إعادة تعريف الوقت لها، قبل أن أصل للباب طُرق، فتحته، كانت أمامي بأنفاس متلاحقة.
:الساعة الثامنة!
هي منشغلة بالطفل الذي لا يريد الدخول معها كانت تطارد يديه بثقل تسبب به تكور بطنها الذي يوحي بأنها في شهور حملها الأخيرة، أخيرا قبضت على كفه اليسرى وسحبته خلفها.
الأريكة في الغرفة كانت كنجدة رمت ثقلها عليها وسألتني عن سبب وجودها المبكر هنا؟
:اكتشفت أنني لا أستطيع تحمل مسؤولية ابنتك
بملامح مستغربة سألتني
:كيف؟
: هي تحتاج تعليما خاصا وهذا ما لا يمكنني بذله.
:ألستِ معلمة؟
جلبتُ هاتفي من على سطح المكتب لأريها شهادتي المحفوظة فيه كنسخة إلكترونية
:انظري هنا تخصصي للصفوف الأولية وليس له علاقة بالاحتياجات الخاصة.
حملقت قليلا في شاشة هاتفي ثم أعادت نظراتها الجامدة لعيني، وبثقة من يعرف أن نهاية النقاش بيده قالت
:أرسلها للمدرسة لأنها تريد الذهاب مثل أخيها الأكبر وكما ترين ليس لدي متسع لأطالب بشيء مميز لها، ووالدها منشغل بعمله أغلب الوقت ولن يجد يوما للبحث عن مدرسة أخرى.
تأكدتُ من أنني أُحيل الصغيرة للمكان الخطأ، سمعتها تودعني وتعيد عراكها مع ولدها قبل أن تسحبه خلفها.
عدت للجلوس على مكتبي، تقييم الطالبات مفتوح لإجراء بعض التعديلات عليه،
كنتُ أرصد لداليا تقييم ممتاز دائما لكنني لم أعلمها حرفا.
حتى تواصلها معي كان باعتمادٍ على سبابتها التي تشير بها إلى من يزعجها.
أسندتُ رأسي بين كفي، ورأيت الحلول تغوص في الظلام.
أحدها طفى بدرجات داليا الحقيقية، شعرتُ به ناقوس خطر سيوقظ أهلها.
هرعت للتعديل.
بعد عام، سرت بالصغيرات المستجدات لذات الصف، داليا تجلس في نفس المقعد وتبكي، أمها تسترق النظر من خلال الباب الموارب ثم تشير لي بأن أخرج
: عليكم أن تتلطفوا بها، أتعلمين لقد كان لها أخت توأم لكن هي من استطاعت الظفر بالحياة.
عدت للصف، رأيتها منكمشة على كرسيها في مواصلة للبكاء.

بقلم: القاصة مها الالمعي