عرض مشاركة واحدة
قديم 06-04-2016, 08:30 PM
المشاركة 26
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قبل بزوغ النور في يوم رمضاني ، أبي تناول سحوره ركع ما تيسر له أن يركع ، صلّى الفجر و أتبعه الصّبح ، حمل على حماره ما جاد به الحقل من الخضر ، إلى السوق سيتوجه ، انفلق النور ، و نحن في تاركا ، نصف المسافة هو ما تبقّى ليصل أبي إلى سوق تالوين ، بعض الأطفال يرافقون آباءهم يحملون رزمة أوراق بيضاء و مقلمة ، كان الجو حارّا منذ الصّباح ، إنها أيام يونيو الطويلة ، تظهر لي تالوين من بعيد يفصلها عن السوق مجرى مائي كبير ، هو نفسه الوادي الذي تقبع عليه تاركا ، رافد قوي من روافد وادي سوس ينبع من جبال سيروا ، ، يلتقي مع وادي الملت في أساكي ، عذرا نسيت أن أحدثكم أنني أيضا أحمل دفترا و أوراقا و مقلمة ، لست ذاهبا إلى السوق ، بل سأكون في رحاب إعدادية تالوين ، مبنى ضخم تنبعث منه حمرة رمادية ، سبق أن زرت هذا المبنى عندما شاركت مدرستي في احتفالات وطنية ، "شمس العشية غربت ، واستغربت عيني من الفرقة ." هو النشيد الذي اشتركت فيه بنت الحاجّة ، كم تبدو أخّاذة هي و رفيقاتها المنشدات في زيهن التقليديّ ، الحليّ تبرق من نواصيهن و معاصمهن ، شعورهن المنسابة على قفاطينهن المطرّزة . نحن أيضا كنا في زي تقليدي صحراوي ، عصابة زرقاء تطوق رؤوسنا مع درّاع أزرق ، يومها كان الحاصل على المرتبة الأولى يشارك في مسرحية مرتديا زيا عسكريا مع كوفية فلسطينية ، كان فصيح الكلام ، ممستقيم الهيئة ، " أنا الجنديّ الذي ..."
اليوم أنا هنا من أجل شيء آخر غير الاحتفال ، فارقني أبي عندما هممت بعبور الوادي بمعية أطفال تاركا ، وجب عليه الذهاب إلى السوق و وضع الأحمال عن البهيمة ، قبل أن يلتحق بي ليرى إن سارت الأمور على خير. حسنا فعلت يا والدي فعندما دخلت المبنى وجدت إسمي على رأس اللائحة في القاعة الأولى . لكن عندما تحسّست جيبي افتقدت بطاقتي ، ما هذه المصيبة يا نورالدين ، ألم يركز أساتذتك على هذه النقطة بالذات ، حذار أن تأتي إلى مركز الامتحان بدون بطاقة ، لحسن حظي رأيت أبي في الساحة ، قصدته :" أبي ، فقدت بطاقتي .." لولا ذاك الجم الغفير لأشبعني أبي ضربا و سبا ، لكن مالعمل ، بلع غضبه بريقه الرماضني النّاشف ، أخذ بيدي مستفسرا عن مكتب المدير ، بينما رن الجرس معلنا ضرورة اصطفاف التلاميذ أمام القاعات ، المدير في تلك اللحظة مشغول باوراق الامتحانات التي ستوزّع على القاعات ، أطفال تاركا يجرون نحوي ، هذه بطاقتك ، لحسن حظك فتلميذ من مركزية تالوين وجدها في الطريق العام .

الشهادة الابتدائية ، ليست كما كانت من قبل ، فقديما يكفي الحصول عليها لتكون من البجلين ، ربما قد تنال بها وظيفة ، ليس الأمر جيدا كما يفتخر الأقدمون ، بل هي علامة صارخة على تخلف المجتمع و انتشار الأميّة . يتباهى الأقدمون بنجاحهم في المستوى الخامس ، و يظلّون يمدحون في أنفسهم و علو كعبهم و ارتفاع مستواهم الدراسي ، يلوكون جملا بالفرنسية ليعلنوا قوتهم وجبروتهم ، ليست الأمور كما تعتقدون ، بل فقط فئات عريضة لم تتح لهم الفرصة لإظهار نبوغهم . لست أدري لماذا عندما أنهينا الامتحانات انتابني شعور أنني لا أستحق هذه الشهادة ، فأنا لا أضبط العربية بشكل جيد و حدّث ولا حرج عن الفرنسية ، الذي كان يحتل المرتبة الثانية عند المعلمة في تغزوت التقيته قبل الدخول نحو المبنى ، ربع ساعة كافية لأكتشف أنّني هزيل جدّا أمامه ، حظوا هناك بمعلم جبار في المستوى الخامس أيقظ فيهم جذوة التميز التي أخفتها معلم المستوى الرابع فينا ، أكاد ساعتها أصاب بإحباط مرير .
كان امتحان العربية بسيطا وكذلك جاءت الرياضيات، حتى اللغة الفرنسية وجدت النص قرأته في المستوى الرابع بعد مجيئي إلى تاركا ، أما التربية الإسلامية فهي كشرب الماء . لا أذكر إن كنا امتحننا في التاريخ والجغرافيا ، وإن كان الأمر كذلك فكنّا نحفظ عن ظهر قلب كلّ التواريخ والمعالم والسّدود وغيرها ...