عرض مشاركة واحدة
قديم 06-01-2016, 09:49 PM
المشاركة 24
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تتذكرون أختي نعيمة التي كانت آخر مولود في القصبة ، إنها الآن ترافقني إلى المدرسة رجلا برجل ، تتغيأ نقل فتيات القرية من لعنة القفة و تراتيل الجهل ، تريد أن تكون من بنات الجيل كما نوه البلغيثي في إحدى قصائده التي درسناها في الابتدائي : يا ابنة الجيل أفيقي كأخيك المستفيق.... و خذي حظك من العلم لتحظي بحقوق . ستكون أول فتاة في قريتي تتوجه إلى المدرسة ، لا أتحدث هنا عن بنات الأسر اللائي يسكنّ المدينة ، كابنة عمّي ، أقصد فتيات الملت ، في نفس السنة التحقت بها فتاة أخرى فتتشاركان الطريق متى كان توقيتنا مختلفا ، معذرة أختي فهذا العام ، لا أذكر عنك شيئا ، ليس لأنك أبلغت أبي أنني أدخّن ، فما كنت لأكرهك لعمل كهذا ، فأنت لم تتفوهي إلا بما رأيت . لكن معلّمنا المراكشي الجديد سيطر على كل أحاسيسنا ، لو كان كلّ أبناء مراكش مثلك لشكرت أبي على قطع الصلة معها ، من أين جئتنا يا رجل ! و هل في الكون رجل مثلك ؟ عجيب ستة أشهر لا أكاد أذكر فيها شيئا ، سنة بيضاء ،لا... حمراء ، لا... سوداء ، بيضاء لأن صفحتي ما أضافت حرفا ولا نقطة إلى رصيدها ، حمراء لأن الدماء كانت تجري في مجزرتنا أنهارا ، سوداء لأن ما تعلمته سابقا ذهب أدراج الرياح ، سوداء لأن الرعب سكن قلبي ، سوداء لأنها لا تستطيع أن تكون غير ذلك ، رغم أنك ما ضربتني غير مرة واحدة ، لكنها كانت كافية لأغادر مدرستك ، لكمة في بطني الهشّ ، ذهبت بأنفاسي و روحي ، أتبعها صفعة فتحشرجت أذناي مستعيدا وعيي ، ما هذا يارجل ؟ هل قتلت أباك؟ أم اغتصبت أختك ؟ حرام عليك ، ما ذنب أولئك الذين تسلخهم كل يوم ، كل حين ، كل لحظة ، ما هذا المسلخ العجيب الذي نأتي إليه مضطرين ، أتعلم يا أستاذ ، ما فعلت شيئا تشرق به ذكراك ، على رسلك فحتى سي إبراهيم ما وصل من خشونتك حد أصابع قدميك ، أين تلك الكرة الّتي وعدتنا بإحضارها يوم جمعت تلك النقود ، على الأقلّ ستكون بلسما لجراحنا النازفة ، يا رجل أتعرف أن كلبا عضّني من مؤخّرتي و أنا أحاول إنقاذ رغيف الخبز لكي لا تظل بلا غداء ، لم الناس يكرمونك إلاّ لتكون أهلا للكرم ، لم البسطاء يغضون عنك الطرف إلا لتحسن إلى أبنائهم ، لكن أبي حاضر في طفولتي و إن كنت غائبا يا أستاذي ، حملني بعيدا عنك ، بعيدا حتى عن أختي التي تحتاج لمن يرافقها و هي غضة العود ، حسنا أنا الآن في ضيافة منزل غير منزلنا ، في وسط مدرسة مزيّنة حجراتها ، متفتحة زهور حدائقها ، حتى معلمي الذي كان بالأمس القريب يعلمني الفرنسية ، وجدته هناك محبطا متأسفا لإفراغك لإناء معارفي ، وإفسادك لرشاقة ذهني ، و تخدير حيويتي .