الموضوع: O كانوا هنا .. O
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-28-2020, 02:45 AM
المشاركة 623
العنود العلي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: O كانوا هنا .. O
نقدمنهج العقاد من دراسة بعنوان أزمة النقد
للناقد حسام سفان


ولم يكن الخلط في المواقف النقدية سمة العقاد فحسب ، بل تعدى الأمر ذلك إلى إطلاق الكلام جزافاً وعدم التحري في الأحكام التي يطلقا؛ فالعقاد يتكلم في مقدمة ديوان شكري الثاني عن السامي والآري : " والساميون أقوام نشأوا في بلاد صاحية ضاحية ، وليس فيما حولهم ما يخيفهم ويذعرهم . فقويت حواسهم و ضعف خيالهم.ومن ثم كان الآريون أقدر في شعرهم على وصف سرائر النفوس. وكان الساميون أقدر على تشبيه ظواهر الأشياء ، وذلك لأن مرجع الأول إلى الإحساس الباطن ، ومرجع هذا إلى الحس الظاهر ".1
لم أجد تفسيراً لما يقصده بأن الآريين نشؤوا في أقطار طبيعتها هائلة ، وحيواناتها مخوفة ، ومناظرها فخمة رهيبة . و الساميين نشؤوا في بلاد صاحية ضاحية وليس فيما حولهم ما يخيفهم ويذعرهم . فلست أدري أأخْرَجَ العرب من زمرة الساميين أم اعتقدَ أنّ ما من حيوانات في الصحراء سوى الخيل و الجمل ؟ بل كيف يمكنه تفسير الرسوم والمنحوتات والنقوش السامية التي تكثر من تشخيص حيوانات كالأسد و الأفعى كدليل على قوة من تظهر معه؟ . وهل يدرك أن الحيوانات المستأنسة لم تكن كذلك في بادئ أمرها فكل الحيوانات كانت تثير الخوف إلى أن استأنس الساميون بعضها؟.
" السامي يشبه الإنسان بالبدر . ولكن الآري يزيد أنه يمثل للبدر حياة كحياة الإنسان ، ويروي عنه نوادر الحب والمغازلة و الانتقام كأنه بعض الأحياء. وهذا ولا مراء أجمع لمعاني الشعر لأنه يمد في وشائج التعاطف ، ويولد بين الإنسان وبين(2)ظواهر الطبيعة وداً وائتناساً يجعلهما الشعر السامي وقفاً على الأحياء ، بل على الناس دون سواهم من سائر الأحياء ".(3)
فكيف يمكنه أن يفسر بعد هذا القول : إن الساميين ظنوا أن فيضان النهر و أمواج البحر العاتية بسبب هياجهما ، وإن عصف الريح انتقام ، والسيل غضب الجبال ..أو ليس كل ذلك بسبب أنهم يتصورون أن لمظاهر الطبيعة أرواحاً ، فأنسنوها، بل ألهوها، في كثير من الأحيان ، لأنهم كانوا يرون في قدرتها ما يفوق قدرتهم . ومن ألهة الساميين المعبرة عن مظاهر الطبيعة : دينجر- إم " إله الريح .وثمة تشخيص للجبال فقد ورد في أسطورة الإينوما إيليش أسماء أشخاص ؛ نحو : " أبخ ، بيسير " ويعتقد أنهما تشخيص لجبلي " حمرين ، والبِشْري " . إمش ، إنتن : إلها الحر والبرد ، إمدوكود ويشير إلى الغيمة وقدتصوره الساميون على شكل نسر برأس أسد وقد ظهر في بعض المنحوتات ضارباً زرائب الحيوانات الأهلية بمخالبه الحادة ؟!...
أما القمر ، فقد عرف إله القمر في السومرية : نانّا ، وفي الأكادية : سن ، وفي بابل سو إين ، وله زوجة هي الإلهة نينجال ، وأولادهما هما " إنانا - عشتار " و " أوتو – شاماش" و " نوموشدا" وفي حران كانوا يضيفون إلى أبنائه ابناً آخر هو " نوسكو " ، وقد فسر الساميون انتقال القمر من مرحلة الهلال إلى البدر بطور الولادة ، كما فسروا ظاهرة خسوف القمر بخسارته الحروب التي يخوضها مع الآلهة الشريرة السبعة.
فكيف بعد ذلك يقرر العقاد أن الآريين وحدهم شخصوا القمر؟. كان على العقاد، إذن، أن يتحرى الدقة في أحكامه لا سيما أن ملحمة جلجامش بدأت منذ عام 1872 بالظهور إلى الوجود ولما نشر العقاد دراسته تلك كان جزء كبير من تلك الملحمة قد نشر مرات عديدة .
" وهذا الفرق بين الآري و السامي في تصوير الأشياء ، وهو السبب في اتساع الميثولوجي عند الآريين ، وضيقها عند الساميين .." 4.

لو تحرى العقاد الدقة في الموضوع الذي يتكلم عنه لعرف أن الميثولوجيا السامية أغنى من الميثولوجيا الآرية ولن أتحدث هنا سوى عن القسم الذي كان منشوراً قبل كتابة العقاد هذه المقدمة ؛ وهو: " اللوح الثاني ، واللوح الثالث ، واللوح العاشر ، واللوح الحادي عشر " من الرواية البابلية لملحمة جلجامش. ويروي اللوح الثاني من الملحمة كيف أصبح أنكيدو إنساناً، وتخطيطه مع جلجامش لقتل خمبابا . أما اللوح الثالث فيورد نصائح شيوخ أوروك لجلجامش و أنكيدو في رحلتهما ، ووصية جلجامش عن كيفية تسيير شؤون أوروك في غيابه ، أما اللوح العاشر فيروي حزن جلجامش على صديقه أنكيدو الذي يبدو من خلال هذا اللوح أنه مات، أما اللوح الحادي عشر فيروي قصة الطوفان ".
أليست هذه ميثولوجيا ، وفيها من القصص ما يمنع العقاد عن القول:
" وهذا أيضاً هو السبب في افتقار الأدب السامي إلى الشعر القصصي ، ووفرة أساليب هذا النوع من الشعر في الأدب الآري "5.
فالخيال ، إذن ، ليس من خصائص الساميين أو الآريين ، وتشخيص مظاهر الطبيعة أمر له ارتباط بالدين قبل أن يُسبغ على الشعر ، فالآريون - والساميون كذلك- بحثوا عن إجابات لظواهر خارقة للعقل فأبدعوا أساطيرهم التي أنــْسَنَت و ألّهت كل ما لم يتمكنوا من تفسيره بشكل علمي. وتؤكد باربارا بريتنبيرغر في كتابهاAphrodite and Eros أن الأدب " الآري" لم يكن يتمتع بخيال الشاعر بل كان يصف التفاصيل المادية والبصرية فقط لكن رؤياه كانت مشرقة بأجنحة ذهبية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- ديوان عبد الرحمن شكري: 136/2
2- الصواب بين الإنسان وظواهر الطبيعة .
3- ديوان عبد الرحمن شكري: ص 137/2
4- ديوان عبد الرحمن شكري : ص 137/2
5- المرجع السابق:

منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية .

http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=3041

وحيدة كالقمر