عرض مشاركة واحدة
قديم 01-05-2014, 05:25 AM
المشاركة 5
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نادر

جاء العنوان على صيغة اسم الفاعل صرفيا ، مما يوحي بالفاعلية ، كما أنه مقتنص من الندرة ، مما يدل على القلة و صعوبة اصطياده . جاء نكرة لكن إحالته على العلمية يضفى عليه رونقا خاصا ، فهو يجعل القارئ تسكنه الرغبة في التعرف على هذا الشخص و الاستطلاع عنه ، واستكشاف عملته النادرة .
نادر يحيل على الغرابة كما نوادر جحا ، كما يحيل على العبقرية والفصاحة والضلوع في مجال معين . هذا الانفتاح الدلالي يوسع لاشعوريا من انتظارات القارئ من النص ، ويجعل الإثارة سيدة العنوان والنص معا .
كل تلك العوامل تصب في صالح النص ، و تستفز فضول القارئ و تجعله مقبلا على النص بشهية متفتحة .

كان يتسكع فى سوق الخضر والفواكه المزدحم وحين توقف ليكيف نفسه على وضع يطمئن له فؤاده, لمحها تبرز من بين جموع النساء فى السوق, بل راى نجم روعتها الهائل يسطع وضاء فينشر سحره الطاغى على كل النساء. وهيأ كل خيط من اثواب اشواقه المشرعة للقاء. وانتظر طلعتها المتألقة والمضمخة بالعبير المولع. وجعل يتأمل فيها, فى كل مقطع من مقاطع موسيقى خطواتها المتالفة الاصوات. وكان يطمح ان تزداد روحه قربا من روحها وان تكتسى بحلاوتها وان تنهل من سقى سحابتها الولودة فترتوى وتزدهر. قبل الوصول اليه كانت تسبقها الابتسامة المترعة بعبق ازهار الرياض الفاتنة, ولما وصلته ازدان المكان كله وازداد تالقا كتالق حلاوة عينيها الواسعتين الجذابتين. ولم تفارقها البسمة الوضاءة ابدا عندما همت بالتحدث اليه. ولم يفده تمسكه بوقاره المصطنع فى اخفاء لهفته وافتتانه بها. وعندما همت بالحديث ارتبكت وهى تحاول ان تركز بصرها فى عينيه. وارتبك هو كذلك وتمسك برزانة مفتعلة وهو ينصت اليها مستمتعا بكل كلمة من كلماتها الحبلى بالعذوبة. وافقت ان تقابله واقترحت التفاصيل ثم جعلت تشرح له دوافع اختيارها لزمان ومكان اللقاء. وارتبكت مرة اخرى وهى تشاهد ملامح العاشق الطفل المتيم الذى يقف امامها, حيث كانت الفرحة اليافعة تكسو جسمه كله وتمنعه من الحديث المرتب. اومأ لها بالموافقة ولم يبعثر جهده فى الثرثرة حين شاهد سمات الرضا تعلو وجهها المدهون بلون الذهب. ولم تدم وقفتها طويلا فتركته يحتفل بالهناء الطيب ويشد قبضته عليه ثم يدسه فى جوف فؤاد ليحتفظ به كجوهرة صرفة منورة. وفرك يديه وهو غارق فى النشوة, يتذكر تفاصيل المكان واللقاءات السابقة.


لو لم يكن في النص غير هذه التوطئة لكانت كافية لتبوئه مكانة رفيعة في نفس المتلقي .
يتسكع : فعل مضارع فيه حركية جارفة رغم أنه جاء في جملة اسمية جرت في الماضي ، فالتسكع تجوال بمتعة متمردة ، عشوائية التجوال يمنحها التمرد شيئا من القبول والشرعية .
السوق : مكان له حمولة ثقافية غنية ، فيه عرض و طلب و تفاعل ، فالسوق في ثقافتنا رمز للتجمع و الحياة الاجتماعية و هو قديما مسرح للفنون " حكاية ، شعر ، رقص ..إضافة إلى وظيفته الاقتصادية .
توظيف السوق المراد منه إعطاء قوة لانطلاقة النص ، فإن كانت سلبية التسكع قد تؤثر في البعض ، فالسوق جاء ليوازن بهديره وازدحامه ذلك الفتور الذي قد توحي به كلمة التسكع .
توقف : غالبا التوقف تعبير عن الملل من الجو الرتيب ، فهنا السوق رغم فضائه الرحب و ما يحتويه من مثيرات لم تدفع البطل للانشراح والاقدام ، لأن نفسه المتذمرة لم تستطع التعاطي بإيجابية مع الوضع الذي وجدت فيه .
التوقف هو اسدال الستار على عالم السوق ، و الالتفات إلى النفس الجريحة التي لم تستطع حركية التسكع التنفيس عن كل الذي يعتمل في دواخلها ، بل ربما أثقلها ذلك الازدحام ، فضاقت بها الآفاق . وهنا إشارة من نوع ما أن البطل له إحساس مرهف و شاعري و لا تثيره التجمعات ، وكلمة فؤاده هنا لها دلالة على الاحساس ، فالبطل يبحث عن الطمأنينة .
لمحها : كأنها خطفت بصره لحظة وجيزة ، وهنا فجائية الموقف ، ربما توقف البصر عن الرؤية و العينان مفتوحتان ، لاعطاء الفرصة للأحاسيس الجميلة و مؤانستها ، تكييف النفس مع المعطى الجديد ، نقل الروح من درجة متدنية من التفاعل إلى قمة الإيجابية ، وهنا انقلاب حاد جدا في السطر الأول من النص . تبرز فعل مضارع آني وقع في الماضي ، لإحياء اللحظة و تفعيل الموقف ، ظهرت بين جموع النساء في السوق ، لكأنها شمس أطلت من واء الجبل لتضيء حياة البطل الداكنة .

بل راى نجم روعتها الهائل يسطع وضاء فينشر سحره الطاغى على كل النساء ..
أكمل الكاتب جملته الأولى في النص باستعراض باهر لكفاءاته اللغوية و قدراته التعبيرية الغنية بالشعرية ، لينطلق لسانه و بطله في فضاءات رحبة بعد أن كان حبسه في السوق . فظهورها كاف لتتفتح عيناه و تريان ما يريد لنفسه أن يراه .