عرض مشاركة واحدة
قديم 02-04-2013, 07:19 PM
المشاركة 16
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بسم الله الرحمن الرحيم
من حيث الشكل قل ما نجد نصا قصيرا إلى هذا الحد يحترم التقديم والعرض والخاتمة .
ففي مقدمة النص رغم قصرها تحمل جميع عناصر الموضوع من الزمان والمكان و ما ينوي الكاتب مناقشته ، فاتى على ذكر الليل ورمز له بليل داخلي ، وهنا الكاتب يؤكد على حالته الداخلية المظلمة التي تحس بعدم الارتياح ، وطرح باختزالية جميع ما ينوي بسطه في عرض النص وبشكل مختزل لا يزيد عن كلمة واحدة ، وإن أطال أضاف لها صفة .
في عرض النص بدأ بما ختم به المقدمة و هو الأنف الذي له دلالتين أساسيتين ، رمز للعزة من ناحية "الأنفة و الشموخ " وكذا الإذلال " رغم أنفه، مرغ أنفه" ، و قل ما نجد الأنف يرمز للجمال" مثل العين والشفتين والأسنان ومعظم عناصر الوجه " بل غالبا مرتبط بالقرف و الإذلال و الفضول السلبي ، "حشر الأنف" أميل كثيرا إلى أن الكاتب أتى على ذكر الأنف للتعبير عن ذاته هنا في النص وتحولاتها ، من الطفولة حيث العبث بالأنف إلى الشباب حيث المنافسة و العمل والعزة الى وضعه الحالي حيث أنهك بقانون الغاب وغياب الحقوق فوصل إلى الاذلال .
في معرض حديثه عن الأم وما تحمله الأم من رمزية كبيرة ، كالأرض و الحنان والحب و الروابط الخلقية والطاعة ، أظن أن الكاتب أتى على ذكر الأم كناية عن القيم وأشار إلى أننا ننسى قيمنا كلما توغلنا في الفعل و الممارسة المجتمعية و ما تفرضه علينا من أليات لفرض الوجود و تحقيق الذات .
بعد الأنف وما قدمه الكاتب من أفكار حول ذاته أنتقل الى الجانب المضيء وهو جانب الذوق المرتبط أساسا بالجمال ، فاختار المزهرية رمزا له ، بلونها الأصفر النحاسى المزخرف بخطوط سوداء ، و ربطها بالذكريات الجميلة ، وخير ما يدل على أن الكاتب كان يوما مليئا ذوقا وحيوية ، هو تقديمه للجانب الجمالي على الأكل والشراب و المقتنيات الأخرى كالأثاث والأجهزة ، إن كانت المزهرية رمزا للجمال والذوق الرفيع فلم يفته أن يربطها بالصمت الإيجابي عكس صمت الهاتف ، فصمت المزهرية مقرون بالحكمة مما يؤشر أن الكاتب بالإضافة الى رفعة ذوقه يتمتع بقسط من الحكمة أو مولع بها ، حيث كل الاجهزة الغير الصامتة في منزله وصفها بالقصور والدونية ، وفي مقدمتها التلفاز الذي فارقه الكاتب وإن احتفظ به كمؤثث للبيت لا غير . والهاتف ذو الرنات المحتشمة دليل على أنه لا يأتي له بجديد وإن كان أمله في هذه الأجهزة كبيرا ، حيث عبر عن ركضه أثناء سماع الرنات لكن من دون جدوى .
ما أثارني هو صوت بائع الليمون القائد للمظاهرة و هو الوحيد الغير المشفر في النص و إن كان الكاتب لا يعقد أمالا كثيرة لا على الدولة المدنية ولا الدولة المحافظة .، مادامت بنية المجتمع مبنية على قانون الغاب ، وما دام أتى به في عرض الكلام عن المزهرية و عطفه على قنوطه من الإعلام والثورة الإعلامية .
واصل الكاتب موضوعه بالحديث عن الأطباق الجائعة والممتلئة بالأحاديث البالية ، مشيرا إلى مفارقة صارخة ، من جهة جوع وحاجة ، من جهة أخرى ثرثرة وبهرجة إعلامية ومجتمعية بلا فائدة ، و انعدام فكر قوي يستطيع أن يحقق حاجات المواطن الأساسية وفي مقدمتها وجبة غذاء وعشاء . دون أن يتوغل في حديث الثورة رجع الى هاتفه وختم جوابا لتحسسه لأنفه رغم أنه فارق السجائر منذ سنوات لكن احتفاظه بأعقابها لدليل على رغبة ما تنتابه كل لحظة في معانقتها ، لكن أخيرا اهتدى إلى توديعها بصفة نهائية فذهب ليستريح على أريكته الباردة الفارغة ، رغم أنه يحس فيها براحة تامة لأنها تمنحه كل الوقت للعوم في ذكرياته، و توقظ فيه بعضا من الروحانية موجها أحلامه وأنظاره النصف مفتوحة إلى مصباحه مختتما النص برؤية وجوه باسمة بريئة استشهدت من أجل شيء شريف في بؤرة المصباح ولم يقل في قلب المصباح لما تثيره البؤرة من توثر رغم ابتسامة الشهداء .
هذا من حيث الشكل أما المضمون فبحثت عن الرتابة فوجدتها مقرونة بالهاتف الصامت واتلفاز المتسخة أثواب كلماته و الأطباق الجائعة والأريكة الفارغة الباردة ، و الليل شديد الظلمة .
بحثت عن الجمال فوجدته في ذكريات الكاتب والمزهرية .
بحثت عن المروؤة فوجدت البطل مرة يأمل ويتقدم ، ومرات يتملكه القنوط من أي *جديد و قد تملكته الوحدة والوحشة.
بين المروؤة والجمال و حتى يسمة الشهداء أخاف أن يكون الزيف قد وجد ضالته .