عرض مشاركة واحدة
قديم 02-13-2017, 01:10 AM
المشاركة 44
زياد وحيد
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
غربـــة ..

وقف أمام النافذة يحدق نحو الفضاء في تلك الغرفة المنفردة في الطابق الثالث من إحدى المصحات النفسية في العاصمة الألمانية برلين، لم يكن ينظر إلى الطبيعة الخلابة التي تحيط بالمشفى بل كانت مخيلته ترسم ذلك الحادث المشؤوم الذي أحال أيامه من رجل مرموق في عالم الأعمال إلى شخص معتوه يصارع العاهة يجلس على كرسي متحرك بعد أنْ أودى بحياةِ زوجته وأقعده بِرِجْلٍ مشلولة تاركا الدنيا وراءه و ابنة رمتها الأقدار في ملجأ للأيتام تصارع الألم و العزلة، إنها عائلته التي كانت ترافقه في فسحة نحو مدينة جنيف السويسرية.
تشرق الشمس كل يوم على نافذته لكنه كان يرى العتمة في وضح النهار، كل الأشياء أمامه دكناء تُثقل عليه رأسه، تتدحرج أفكاره السوداوية ككرة ثلج، يقف مشدوها بصور قاتمة تتلاحق مقلوبة ببصره و على ملامح وجهه المصفر يتداخل الحاضر بالماضي و البداية بالنهاية ..
تنقطع تلك الصور من رأسه بصراخ مريض في غرفة مجاوره...
فيسأل أين أنا ؟
أيُ قدر ذاك الذي رمى بي إلى هنا ؟
ها أنا أعيش بنصف ذاكرة.. بلا قلب ... بلا أمل
يشدني إليك الظمأ القاحل يا فاتن
يعذبني وجعك القاتل ....
يصرخ بأعلى صوته فاتن ...فاتن
هل أستطيع أن أعيش من دونك ؟
لا مجيب .. يرتد صدى ذلك الصوت في غياهب روحه المسلوبة ليقول له مستحيل.. مستحيل ..
إنه صراخ زوجته قبل أن تفارق الحياة..
لقد تركته وحيدا دافنا رأسه بين يديه المرتعشتين الباردتين مسجونا في ذكرياته السعيدة التي لم تعد كذلك.
يهدأ بعد صراخ هستيري، يقترب ثانية من الشباك منفذه للعالم الخارجي، في هذه اللحظة من السكينة راح يستمع إليها كأنها تلتصق به، كان كلامها يرن في أذنه محدثا إيقاعا كإيقاع الأمطار المتساقطة على قرميد المباني المحيطة محدثة عزفا موسيقيا حالما يعبث بأحاسيسه الميتة يبعث لحظات من الماضي تأبى أن تقتلع من ذاكرته، يستيقظ من تلك الغفوة ليجد نفسه غريقا في متاهات الغربة النفسية
في سجن يسمى مستشفى الإمراض العقلية