عرض مشاركة واحدة
قديم 06-27-2016, 09:06 PM
المشاركة 58
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عمر صديقي الرابع ، متوسط القامة ، نحيف ، فنان في كرة القدم ، صلب في وقفته ، وسيم تغلّف وجهه سمرة خفيفة ، أنيق في ملبسه ، تحسّ به منظما ، "أوطّالب" هو فنّانه المفضّل ، يحفظ الكثير من إبدعات هذا "الرايس" ، هم سلسة روايس نقلوا الأغنية السّوسية من الطبيعة التقليدية على نمط الدمسيري و وهروش ، إلى إبداعات جديدة مع الحفاظ على الأصول و الإيقاعات والرّباب ، أمراكشي ، الباز ، أرسموك ، و أوطالب ، كلهم يغنّون الأغنية العاطفية ، أوطّالب يختلف عنهم ، ينسّمها بالأغنية الاجتماعية والسياسية سيرا على خطوات الدمسيري ، جميل عالم الفن ، أختي أمينة أيضا تحب أغاني أمراشي ، وأرسموك ، و أيضا الباز . عمر يشاركني حبّ الظاهرة الغيوانية ، و كذا ظاهرة تازنزات ، نتفاعل أيضا مع مجوعة إرشاش و مجموعة أودادن وإنضامن . عمر محبّ ، حبيبته في دواره ، عمر تريد منه حبيبته أن يتقدم لخطبتها ، أعرفه ، ربما سيفعلها يوما ، أحيانا كنت أصاحبه عند إبراهيم و إلى بيتي أيضا في الملت ، لكن هذا العام سيكون رفيقي الأول أيضا ، في غرفة اكتراها مع بعض رفاقه كنا نمضي الكثير من الوقت ، أحيانا نقضي الليل هناك كلّه ، ذات ليلة ممطرة جاءنا الورزازي عند الحادية عشر ليلا ، فقيه ، كان إمام مسجد أيضا في وقت ما ، الآن سائح في أرض الله ، يسترزق من الكتابة ، يكتب الأحراز ، يرسم الجداول ، يكتب بالزعفران ، تعجبني تموجات حروف يده اليسرى حين يكتب بها بقلم قصبي و التميمة تتدلى على ظهرها ، كان أيضا فتى ودودا جدّا ، يحبّ كرة القدم ، إن تخلّص من الجلباب أصبح فتى عصريا ، يعرف انتقاء ملابسه ، عينه عين فنان ، يمضي في هذه الغرفة عدة أيام ثم يغيب ، متى همّ بالخروج إلى عمله ، لبس جلبابه و الوقار يشع من عينيه ، متى رجع ، تخفّف من جلبابه ، و أوقد سيجارته بعد أن يعطرها بالحشيش ، إذا جاء الورزازي ، اطلب ما تشاء ، هو من يتولّى المصاريف حتّى يغادر ، كريم جدّا ، اليوم جاء رفقة شابّ آخر ، هو أيضا يرتدي جلبابا ، وجهه يوحي بأنه يفوت الورزازي سنّا ، أوقدنا الشمعة ، هيّأنا الشاي ، الورزازي أحضر معه لحما وخضرا و فواكه ، نصبنا الطنجرة ، أشعل الورزازي سيجارة ، منح أخرى لرفيقه ، بعد أن تخلصا من ثيابهما المبللة ، استبدلاها بملابس النوم ، استمرّ سمرنا حتّى وقت متأخر من اللّيل ، نتحدث من حديث إلى حديث ، لم أر رجلا يجلّ رفيقه كما رأيت الورزازي يفعل مع هذا الأطلسي ، مجرد أن يرفع الرجل كفه يصمت الورزازي ، رغم أنّهما يبدوان كصديقين ، لكن لا عجب ، فالورزازي قال لنا منذ البداية هذا شيخي ، هو من علّمه الكتابة ، هو من علمه جغارفية الخطوط ، هو من علّمه أنواع السحر ، هو من علّمه الشعوذة أيضا و بعض فنون التضليل ، منذ أن سلّمت على الشيخ وجدته اختطف نظرة إلى يدي ، عندما قدّمت له عود الثقاب فتحها قائلا ، أنت تستطيع أن تتحدث إلى الجنّ بسهولة ، قلت له لماذا ، قال هذا الخط يساعد على ذلك ، قلت له ، كيف ؟ قال إذا أردت أن تجرّب فالأمر لا يحتاج أكثر من نقطة صمغ وسط راحة يدك ، فتراهم رأي العين وتحدثهم بأريحية ، قلت له بارك الله فيك يا شيخ ، لا أريد أن أضيف عالم الجنّ إلى عالم الإنس ، يكفيني هذا العالم ، ربما هو الخوف ، و ربما هو عدم الإيمان بعلوم الشيخ و خطوط طوله و عرضه .

قريب عبد المومن ، واحد من رفاقي ، واحد من الذين هزمناهم في المسابقة الثقافية ، هو الآن معي في القسم ، هو صديق الورزازي ، و هو أيضا يشارك عمر في غرفة تابيا ، اقترحت عليه أن نتغيب حصّة الاجتماعيات ، يمتنع ، أجرّه ، يرضخ أخيرا ، نعم يا رفيقي أريد أن أتغيّب ، لكن أحتاج إلى رفقة ، أتريدني أن أكلّم نفسي ، يجب أن يكون هناك مؤنس ، ذهبنا إلى الغرفة ذاتها ، شربنا الشاي و أشعلنا المذياع ، أخبارالعراق لا تزال تغلي ، لا صوت يعلو على صوت الحرب . عندما دخلت عند أستاذ الاجتماعيات قال و قد فتح التلاميذ كتب التّاريخ ، اقرأ النصّ التاريخي يا نورالدين ، قبل أن أرمّش أردف ، آه ، لم تحضر الكتاب ، هناك بدأ يدخل و يخرج في الكلام ، عرفت أنه لمحني حين حرّضت قريب عبد المومن على الغياب في الحصّة الماضية ، يلقّب بروبير و الكل يعرف هذا الاسم على الأقل في بلادنا ، هذا واحد من المعاجم الفرنسية الأكثر شهرة ، هذا الأستاذ يحمل هذا اللّقب ، يقولون إنه يحفظ " بوتي روبير" عن ظهر قلب ، و قد يرشدك إلى الصفحة التّي توجد فيها الكلمة ، لم أختبر الرّجل لأعرف إن كان الإدعاء صحيحا، لكن هذا ممكن و ليس شيئا مستحيلا ، فطالب في تالوين احتفل في عامه الأخير بقراءة ألف كتاب ، من يريد القراءة فمكتبة الثانوية مفتوحة على الدّوام ، لا أذكر أن رجلي وطأتها يوما ، باستثناء بداية العام ونهايته ، حيث آخذ كتب المقرر و أعيدها في نهاية الموسم . لا أحبّ القراءة ، ماذا ؟ أن أقرأ الكتاب حرفا حرفا ، كم حرفا في الكتاب ، كم مدّة يستغرق ذلك ، أنا لا أملك وقتا إلا لنفسي ، لا أشبع من نفسي ، من ذاتي ، هنا أقرأ ، هنا أتعلم الكثير ممّا لا يعرفه الآخرون حتّى و لو قرأوا ألف كتاب ، يقولون أن روبير ينفق إلى ربع راتبه على الكتب ، نحن نحبّ أن نؤسطر النّاس ، هي الأسطورة في داخنا تعيش ، نحبّ أن نذيع الأخبار ، نزيدها ، نزوقها ، نلبسها هالة ، يقولون أيضا أنه كان أستاذا في العراق ، العراق شعب ثقافة وشعب أدب ، العراق مهد الحضارة ، العراق أمّة لوحده ، حاولت أن أقرأ الأسطورة في وجه الأستاذ ففشلت ، حتّى دروسه تكون عادية ، نعم تحسّ في كلامه بعض نفخة قد تقترب من أستاذ الرياضيات و أستاذ الفزياء يوم أكرهاني في التّعلم ، هو قصير أيضا مثلهم ، أتكون عقدة القصير هي التعالي ، أصحيح أن كلّ قصير فتنة ، لا أومن بهذا ، كما لا أعتقد بجنيّ شيخ الورزازي في كفّي ، روبير أعطاني في الدورة الأولى سبع نقاط من عشرين ، هو الوحيد الذي لم أصل عنده المعدّل ، حتى الفرنسية حصلت فيها على المعدل ، أحسّ روبير بفعلته ، جاءني بعد العطلة مشجعا ، آه.. كنت بارعا جدا. لماذا استسلمت يا روبير ، أنا أحبّ أن تكون معاندا ، تبقى في طريقك التي اخترتها ، أنا لا أحب أن تمدحني ، ذمّني يا روبير ، كما فعل زميل عمر في الغرفة ، ربما أصابه بعض غيرة ، فهو من الذين لا يفارقون الكناش صبحا و مساء ، ليلا و نهارا ، رغم ذلك نتائجه متوسطة ، هو فتى محبوب ، لكنه حدودي ، ليس اجتماعيا ، وصلني أنه يقول أصبح نورالدين يسكن في هذه الغرفة أكثر من أهلها ، مذ سمعت ذلك الكلام وأنا أبتعد ، أرواغ عمر و أراوغ قريب عبد المومن كما كنت أراوغ سعيدة والمعلّمة ، يا صديقي لا تخف ، أنا أستطيع الاعتماد على نفسي أكثر ممّا تظن ، أحسّ بكامل نشوتي وأنا وحيد في مكان خال جدّا ، تغنيني نفسي عن الجميع ، أنت لا تعرف نور الدين ، هذا كله الذي تراه لا يمثل منّي شيئا ، ذلك الضحك ، تلك الحيويّة ، حين أجدك تصدّع رأسك مع تمرين شيّب عزمك وأرشدك إلى الحلّ برشاقة ، هذا كلّه يا صديقي ، لا يقول لي شيئا ، ارتح ، و نم على جانب الراحة ، نورالدين لا يأمل شيئا في الدّنيا ، خذها أنت ، تمتع بالغرفة ، وتمتع ، فأنا مجرّد عابر، إنسان يسير فقط ، البداية يعلمها كما يعلم النهاية ، لكن يسير بغير هدى .
عمر اغتاظ وقد وصله نبأ زميله فأقسم بأغلظ أيمانه أن أصاحبه كلّ يوم إلى الغرفة ، ومن ضاق صدره فليشرب البحر.