عرض مشاركة واحدة
قديم 06-27-2016, 04:35 AM
المشاركة 57
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
حرب الثمان سنوات أعطته شعبية جارفة ، لكن ما هذا الذي تفعله يا رجل ، أمر عجيب حقاّ أن تصل بك الجرأة إلى هذا الحدّ ، تحشد الفيالق على تخوم الأخ الجار، تريد أن تجدع أنفك ، لماذا ؟ فقط ، لأنّه لا يستطيع تلبية طلبك ، فقط لأنّه دفع و دفع و لاتزال تريد منه الدّفع ، أي منطق هذا يا رجل بغداد ، قد يكون تعاطفنا ذات يوم مع عقيد ليبيا مبرّرا ، لأنه يسلخ بدون جريرة من قبل ريغان ، رغم أن العقيد ليس دائما أهلا للشفقة وأهلا للتعاطف ، فجنودنا يقتلون كل يوم بواسطة أسلحته في الصحراء ، يخيّل إليه أنه قادر على بسط سيطرته على بلاد المغرب كلها ، أحلام العصافير هذه يا معمر ، نراك تسبح في رحاب الهبل يا بطل ليبيا ، لم أكن أعرف أنك كذلك يا حسين ، جميل أن نكتشف أن رموزنا مجرّد مجانين ، هل كنت كذلك يا عبد الناصر ، من يدري ، ربما كنت تحمل مشروعا محترما ، أعطاك شعبية هائلة ، التقدمية ، الاشتراكية ، العدالة الاجتماعية ، لكن لماذا يا جمال كنت تقاتل ضدنا في حرب الرمال ، ألم يجدر بك أن تكون عاقلا رزينا ، تآلف بين الإخوة ، و لا تساهم في زرع السموم و الأحقاد ، كثيرة هي الأحلام الجميلة التي تسكن العقول ، لكن أين فن الوصول ، العبقيرية ليست بقدر الأحلام بل بما تم إعداده من السّبل لإنجاحها دون الوقوع في المحظور .
لا أخفيكم أنّني كنت أستبعد ما سمعته أذني ، فنحن تآلفنا والرّجل ، قلنا أن الشّهامة والمجد يصنعان رجلا عادلا ، كدنا نؤمن أنه على حق ّ و قد انطلقت الدعاية المحرّضة ، و تحرك الأطلسي كلّه لينقضّ على غنيمة ما حلم يوما بها ، صيد ثمين جاء إلى باب خيمته ، ما أتعسنا نخرب بيوتنا بأيدينا ، أعطيت المبرر الأخلاقي لهؤلاء يا حسين ، أتعرف كم يدرسون من الخطط و من المكائد و لا ينقصهم غير هذا المبرّر الأخلاقي ، سأسألك يا سليل العروبة ، ما هو مبررك الأخلاقي لغزو جيرانك ، فقط سطعت فيك أحلام الجاهلية ذات ليلة ، فرأيت نفسك تحمل سيفك و تجندل النيام وتسبي نساءهم ، ما هكذا تصنع السياسات يا رجل بغداد .
لندن ، إذاعة حوض البحر الأبيض المتوسط ، راديو الجزائر ، راديو الرباط ، نبحث عن أمواج أخرى تقربنا من الحدث ، نريد أن نعرف ماذا يجري ، الكلّ ينتظر الحرب ، نعرف أن الأمر دعاية كبرى ، لكن ماذا سنفعل ، نحبّ أن نصدّق بعضا من الكذب أيضا ، ألم أفرح بما فعله تلبورين ، سأكذب هذه المرة على نفسي و أصدّق كذبتي ، و رغم ذلك أعرف أن العراق لن يصمد في وجه أمريكا أكثر من ثانيتين ، أبتسم ابتسامة سخرية كلما سمعت متحمّسا في مجلس يتباهى بجيش العراق ، و أسلحته الجبارة ، حتى السوفيات ، منذ لقاءات ريغان وغورباتشوف ، و ظهور ملامح البيروستريكا ، كنت أعلم أنّهم أصبحوا في مهب الرّيح ، كثيرون هم الذين قالوا لك يا صدّام عد إلى رشدك و اسحب عرباتك و مدرّعاتك ، ماذا تنتظر ، تريد أم تقدّم العراق و أهله قربانا لعظمتك ، لعنفوانك ، لطيشك ، لجبنك .

نتركهم يقرورون مصيرهم ، يكفي أنهم يسرقون منّا وقتنا ، و جهد عقولنا لنفهم ماذا يفعلون ، يكفي أن الميزانيات ، تبعثر في الصحاري و تخرج من فوهات المدافع ، ونحن في تالوين نناضل ، نبحث عن وجود حقيقي ، عن وجود كريم ، عن صنع ذواتنا ، عن الإنسان فينا ، نبحث عن هوية تليق بنا ، بعد إفلاس كل المشاريع .
لم أقل لكم أنه في هذه السنة استرجعت المركز الثالث ، إبراهيم غادر إلى أكادير إنه اختار العلوم الاقتصادية ، أنا اخترت العلوم الرياضية ، نالها طاب آخر غيري ، لذلك سأبقى هنا في تالوين و سأدرس العلوم التجريبية ، لن يتغير شيء ، نفس المواد نفس المعاملات ، هكذا انطلق الموسم على إيقاعات حرب الخليج الجديدة ، و على إيقاع المظاهرات التي تعمّ الشرق والغرب ، و الجرائد لا تكفّ عن التحريض، عن التحليل ، آه منك أيها الكاركاتوري ، ماذا تفعل يا فنان ، أنت أيضا تزيد النار زيتا ، ملامح العالم الجديد تظهر ، القوّة الأولى الإعلام ، ثم ماذا ، توظيف الحدث من أجل الربح ، بيع الجرائد ، الإقبال على المحطات الإذاعية و التطلع إلى التليفزيون ، نهاية مرحلة ، بداية أخرى ، بوش يقود العالم، إلى أين ؟ من يدري ، أهي العودة إلى زمن الاستعمار ، و ماذا ننتظر ، ربما فوّتنا فرصة الاستقلال ، و لم ننعم به كاملا حتى عاد هؤلاء وقد تعافوا من كمدات الحروب العالمية ، دون أن نعرف نحن أي شيء سنختار ، يضرب فينا الاشتراكي الليبرالي ، و التقدمي المحافظ ، نحن هنا فقدنا السيطرة ، يلعبون بآمالنا ، بطموحاتنا ، يسلطون بعضنا على بعض ، أليست صورة لبنان خير مثال عنّا ، يا بيروت ، ماذا فعل بك أهلك ، يعزّ علي أن أرى أرض الأدب و الفن تحولت إلى أنقاض ، أيها الشام ماذا فعلت في دنياك ، لكي تمزق شر ممزق ، الآن جاء دورك يا بابل مهد الحضارة الإنسانية ، مهد الحق والقانون ، منذ زمن حمورابي .
السياسة ليست عشوائية ، السياسة ليست انتحارا ، السياسة مناورة ، السياسة فن وجود ، متى تختار وجودا بالقوة ، متى تختار وجودا حقيقيا ، متى تختار المهادنة ، السياسة ابتكار ، السياسة إبداع لأنماط جديدة من التفاعل ، دون نسيان البعد الإنساني ، دون المجازفة بالبعد الحضاري ، ميس فراي ، جاءتنا من بلاد العمّ سام تعلمنا الأدب الأنجليزي ، لطيفة ودودة ، منذ العام الماضي وهي تحفّزنا على اكتساب لسان قومها ، لا نخفي إعجابنا بها ، ولا نخفي إعجابنا ببلاد الغرب ، "بزيز" يقول ، تخيلوا لو فتحت الأبواب إلى الغرب ، من سيبقى في هذه البلاد ، ماذا فعلتم بنا ، ماذا فعلنا بأنفسنا ، أي مصير هذا ، لا الوطن استطاع أن يحافظ علينا ،لا نحن استطعنا أن نحافظ عليه ، اختلطت المفاهيم ، من المذنب ، من الخائن ، من الذي يقول الحق ، من يكذب ، ما هذه العماية ، إنها بوادر الفوضى ، لا نستقر على رأي ، إنه الجنون . فراي تحاول الابتعاد بنا قدر الإمكان عن الخوض في السياسة ، لكنها فعلا لن تنجح ، تبكي و قد طالت ألسننا بلادها ، لكن هؤلاء لا يلعبون ، اقتربت ساعة الحسم ، ذهبت فراي إلى بلادها ، هؤلاء لا يفرطون في أبنائهم ، الفرد عندهم هو الأمة ، الأمة هي الفرد ، أما نحن ، فالغيوان ينشدون حالنا " حسبت عشرة وعشرة عارفت شحال تساوي ، القرن العشرين هذا وحنا عايشين عيشة الدبانة في البطانة ، مهمومة واخيي مهمومة ، مهمومة و هاد الدنيا مهمومة "