عرض مشاركة واحدة
قديم 06-25-2016, 12:41 AM
المشاركة 52
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
إبراهيم ، صديقي الثالث غالبا أرافقه إلى بيته ، يسكن بمحاذاة الثانوية ، بيت واسع فسيح ، يسكنه و أمه فقط ، أسرته بعضهم في المهجر، آخرون في وارزازات ، متفتح للغاية ، أمّه أحلى أمّ في الدّنيا ، امرأة بحقّ ، حالهم ميسورة ، نلعب الورق و الضّاما ، عندما تقترب الامتاحانات نراجع سويّا في بيته . أصاحب العديد من رفاقي إلى بيته ، منهم حسن و لمودن و إحسان ، أجد في منزله أيضا بعضا من رفاقه و أصدقائه أولاد " تابيا "، أمضينا معا أياما جميلة ، ربما تكون أحسن ما مضى في عمري ، إن لم أتراجع فأقول في تالوين ، أزور بيت أخته أيضا ، صرت صديق عائلته ، اندمجت كلية معهم ، لا أعتقد أنّني وجدت عائلة من قبل و من بعد يمكن أن تعاملك بهذا الأسلوب ، إبراهيم ، إنسان حقّا ، يدخن مثلي ، رياضي عكسي تماما ، فلتلك اللّحظة لم أغرم بعد بالرياضة ، يتعامل مع الحياة بكثير من الأريحية و حتى بكثير من التفاؤل .
إحسان ، أحيانا يصعب أن تلقّب شخصا برفيق أو صديق أو صاحب ، كان إحسان في هذا الموسم ملازما لي أكثر ، لكنّه مايزال طريّ العود ، بل فيه بعض صبيانية ، حتّى الفتيات لا يشعرن معي بالرّاحة حين يكون برفقتي بل يفضلن اختصار الموعد ، ابراهيم روحه واسعة جدّا ، يقبل كلّ من صاحبته ، و يكرمه أيضا في غيابي ، في الحقيقة كنت رفيقا جيّدا للكثيرين ، يحبّ إحسان أن يلقبني بهيتش و يلقب نفسه بستارسكي ، ظروفه قاسية ، أعلم أن والده في السجن ، لكنّنا لم نحدثه عن الأمر يوما، نعامله لكأن شيئا لم يحدث ، بل نعامله بكثير من الرّقة ، حتى أنّنا نتجاوز عن هفواته ، و أيضا نحسّسه أنه الأفضل . لست أدري إن كان محبّا حقيقيا أم أنه مجرّد ممثّل ماهر ، يكتب زجلا غريب الأطوار كشخصه تماما ، يحدّثني عن محبوبته كثيرا ، مجرد حب من بعيد حسب ما بدا لي إن كان صادقا ، كانت ترتدي نظارتين ، أعرفها جيّدا ، حين نريد أن نغضبه بعض الشّيء ، تحدثنا عن العمياء . قوته هي الجرأة ، أنا خجول و هو جريء إلى أقصى الحدود .
حسن و لمودن ابنا تغزوت ، أحس أنهما في مرتبة أبناء بلادي الأوفياء ، في بيت لمودن أقضي الكثير من الوقت أيام العطل أنا و حسن ، كلنا ندخّن ، في الحقيقة ، عندما كنت في تغزوت ، كانوا يفوتونني سنّا ومستوى دراسيّا ، لكن مسيرتهم التعليمية تتعثر أكثر منّي ، لذلك أجدهم هذا العام التحقوا بي ، لم تتوطّد رفقتنا إلا في هذا العام ، لمودن يسكن غرفة اكتراها في السوق مع أخيه ، عنده أمضي أيضا الكثير من الوقت ، هناك صاحبت أيضا العديد من أبناء عائلته ، كنت قريبا إلى نفوسهم ، بعضهم كنت أدرس معه عند المعلمة ، يشتغلون في دكاكين الجزارة في السوق كما في مركزتالوين . أرواح نبيلة ، أرواح طاهرة ، أبناء بلادي الأوفياء .

لم أحدثكم عن أمي ، لم أنسها ، و لن أنساها ، هي فقط مجرّد فسحة خارجية ، لأعود إليها ، فهي وحدها تستطيع ملء صفحات هذه الذكريات ، أمّي عندما أريد أن أتحدث عنك ، يجب أن أطهّر فمي ، أطهّر عقلي ، أطهّر قلبي أيضا ، لا يجب أن أتحدث عنك و في نفسي انقباض ما ، فذكرك يكفي لجعل الدنيا نورا ، أمّي يا امرأة طاهرة ، أمّي يا مدرسة شامخة ، أمّي يا لؤلؤة دنياي ، لولاك لتهت في الأرض بحثا عن الحقيقة ، لولاك لما ارتعشت فرائصي يوما ، لولاك لتساوى عندي الضحك والبكاء ، لولاك ما غرّدت روحي بفجر الأمل . يا أمّي أنت الحقيقة الماثلة أمام عيناي ، من أين تأتين بهذا الكم الهائل من الصبر ، بهذه الروح المثابرة الفيّاضة ، بهذه المشاعر الرقيقة ، يا أمي شقيّ أنا لأنّني لم أستطع أن أبني لك برجا يعانق السماء ، لم أستطع أن أجعلك أميرة تأمرين فيجيب العالم ، شقيّ لأنّني ما خدمتك كفاية ، ما رسمت البهجة على ملامحك العصماء بالقدر الذي توده نفسي ، أمّي يا روحا نبيلة تبلسم جراح الكون ، يا شريفة القدر والمنزلة ، هل قلت شيئا ، لا لم أقل شيئا ، و أعرف أنّني لا أستطيع أن أقول ، فمن أنا لأقول عنها ، هذه أمّي أيها الإخوة ، قاصر أنا عن جرد محاسنها ، وهل لها مساوئ لأحصي محاسنها ، إن سألك شخص عن الجمال فقل أمّي و لن تخيب ، إن حدّثك رجل عن عفة فقل أمّي فأنت المصيب ، ما كنت سأعرف معاني الخير لولا أني عاشرت الخير فيها ، ما كنت لأعترف بوجود القيمة لولاك أمّي ، أمّي فلسفتي ، أمّي من أنا لأتحدث عنها ، لولا أنّني من صلبك ما تجرّأت على تلويث مهابتك بكلماتي ، لولا أنّي ثمرة منك لأغلقت فمي خشية أن أنال من مكانتك . يا أمّي هل تسمحين يا حبيبتي أن أحدث عنك هؤلاء ، لولا أنّك ما رفضت لي طلبا يوما لما تجرأت على فعل هذا ، لماذا تأخرت يا أمّي إلاّ لأستطيع أن أكون على قدر المقام .