عرض مشاركة واحدة
قديم 08-10-2010, 06:37 AM
المشاركة 2
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: محاورات اليأس والمقاومة
العلم والفلسفة
" ما هو الفارق بين العالم والفيلسوف وإن كان العلم فضله وأهميته معروفة .. فما الفائدة من الفلسفة وهى مجرد كلام ؟! "
قال الكاتب ..
" فى كتاب شهير للروائي المصري إحسان عبد القدوس عبارة جميلة تقول أَن العـَالم هو الذى يسأل بكيف .. بينما الفيلسوف هو الذى يسأل بلماذا .. وهذا يعنى أن العالم يبحث خلف الأسباب والنتائج بينما الفيلسوف يبحث عن الهدف والفائدة .. هدف العالم هو الوسيلة وهدف الفيلسوف هو الغاية .. ولو جئنا بعالم وفيلسوف ووضعنا أمامهما اختراعا كالطائرة فسينصب اهتمام العالم على كيفية طيرانها ومكوناتها بينما الفيلسوف سيبحث خلف هدف صنعها وما الذى تضيفه للإنسان .. وكلاهما وسيلته العقل .. لكن العالم يستخدم عقله فى المعرفة بينما الفيلسوف يستخدم عقله فى الإدراك "
فقال الشاب ..
لكن البشرية استفادت من العلماء فى اختراعاتهم وما قدموه من تيسير لسبل الحياة فما الذى جنيناه من الفلسفة .. ؟!
عقب الكاتب ..
" قبل أن تحكم على أى شيئ يجدر بك أن تسأل عن مفهومه أولا .. والفلسفة هى حب الحكمة كما عرفها الأقدمون والحكمة يا صاحبي هى الخير الكثير كما أخبرنا القرءان الكريم .. ورأس الحكمة مخافة الله وأساسها الايمان به وبالتالى فالفلسفة هى التطبيق المباشر للعلم فلا يوجد تناقض لنقارن بينهما .. فالعلم تأتى بعده الفلسفة التى تفسر وتنشئ أهدافه ..
والفارق بين الفلسفة والعلم ليس فارق تناقض بل فارق تكامل .. والإختلاف بينهما إختلاف فى طبيعة نشاط كل منهما .. فكما يقول الدكتور فؤاد زكريا المفكر وأستاذ الفلسفة الشهير فى كتابه " التفكير العلمى " ـ إن العلم بطبيعته تراكمى فكل عالم يأتى فيضع لبنة على بناء من قبله وهكذا .. وبهذا المعنى فليس متصورا فى العلم أن ينكر كل عالم نتائج من سبقه ويبدأ من النقطة الأولى بل كان لزاما أن يبدأ من حيث انتهى سابقوه لأن انتشار بناء العلم يكون رأسيا .. أما الفلسفة فهى تختلف عن هذا فكل فيلسوف يبدأ من النقطة الأولى ولا شأن له برؤي بقية الفلاسفة من سابقيه أو معاصريه إلا ما يطابق فكره الفلسفي المستقل وعليه يكون بناء الفلسفة أفقيا ..
كما أن العالم يجب أن يكون مكتسبا لكمية معلومات مختزنة وهائلة فى فرع العلم الذى يعالجه لكى يتمكن من ممارسة مهمته بينما الفيلسوف لا يحتاج إلى حصيلة مسبقة ليمارس الفلسفة لأنها بطبيعتها فكر والفكر يتطلب عقلا موهوبا قادرا على الإستنباط
وكل عالم جاد فى أعماقه بعض الفلسفة العلمية وتواجد الفلسفة بعقله هو الذى يصنع الفارق بين العالم الحقيقي والعالم المغرض ولتوضيح هذا بمثال بسيط .. فلنفترض أن هناك اكتشافا جديدا .. قواعد العلم هنا تقتضي البحث خلف الاكتشاف تحت أى ظرف بينما الفلسفة تقتضي بالبحث خلف الفائدة منه قبل الشروع فى البحث خلفه فربما كانت نتائجه خرابا على البشرية وهو ما حدث بالفعل نتيجة قصور الفكر عند بعض علماء الجينات فسعوا لتخليق مخلوقات جديدة بدمج جينات من كائنات مختلفة وهو الأمر الذى أدى إلى كوارث ما زال العالم يعانى منها إلى الآن مع الغرور البشري الذى استبد بالعلماء ومع غياب الحكمة التى كانت لابد أن توجههم إلى أن العبث فى الخلق والطبيعة الإلهية لا يؤدى إلا إلى دمار البيئة وأيضا كما حدث عند اكتشاف الطاقة النووية فقد ندم أينشتين على ما فعله واعترف بقصور إدراكه عندما أسلم للساسة تلك المعجزة العلمية .. وعليه فالفلسفة هى التى تجعل للعلم نظاما وبغيرها تكون الفوضي ..
والفلسفة ليست مجرد كلمات بليغة نستمتع ببلاغتها بل هى نتاج وعصارة فكر نتأمل ما فيه ونستفيد منه بالتطبيق ونضيف عليه إن استطعنا "
فعقب الشاب
" ما الذى يشغل الفيلسوف وما الذى يشغل العالم .. ؟ "
أجاب الكاتب
" يكون الانشغال بتوجه كل منهما وعليه فالفكر والتأمل مهمة الفيلسوف والتفكير والتجربة مهمة العالم .. ولكل منهما معضلة تثير جنونه .. فالعالم أكثر ما يثير أعصابه هى المسببات والفيلسوف أكبر ما يشقيه هى المسلمات .. "
الشاب
" وما الفارق بين المسببات والمسلمات ؟ "
قال الكاتب
" بشرح بسيط للعبارة السابقة فإن الذى يثير العالم ولا يجد نفسه قادرا على استيعابه أو قبوله هى المسببات الخافية لما يراه من ظواهر فالعالم يقتله فضوله العلمى للمعرفة مثلا كالألغاز العلمية المنتشرة من مثلث برمودا إلى عجائب الدنيا المختلفة .. بينما الفيلسوف يـُشقيه أن يستمع إلى حقيقة دون تبرير ومناقشة كما فى المسلمات التى يمكن تعريفها بأنها حقائق بسطت حقيقتها على الحياة دون مبررات فيجب قبولها كما هى بغموضها مثلا عن هدف الخلق وبداية الكون ونهايته وإرادة الحياة بأعماق كل كائن وما إلى ذلك "
فتساءل الشاب قائلا ..
ولكن الجدليات الفلسفية التى نسمع عنها ما موقفها ونحن نعرف أن الجدل مكروه
فقال الكاتب ..
" أرح نفسك وضع مقياسا بسيطا لتعرف الفارق بين الجدل والمناقشة .. فكل حوار يوصلك إلى تأمل فى قدرة الله وإقرار بربوبيته سبحانه وتعالى أو يوصلك إلى إجابات لا تعرفها بشأن أمر ما والمعرفة هى هدفك الوحيد من البحث فهو فلسفة وحكمة لا غبار عليها وكل حوار لا ينتج شيئا من هذا فهو جدل "
فقال الشاب مبتسما ..
" أعطنى مثالا للجدل الفلسفي .."
قال الكاتب
" مثلا عندما يضيع الوقت فى مناقشة أمور ليس لها هدف إلا استعراض القدرة على التناطح تماما مثل صراع الديكة استعراض قوة لا ينتج أثرا .. ومثال لتلك المناقشات .. مثلا تعال نخترع قضية لا هدف منها .. مثلا هناك حكمة تقول " لكل قاعدة شواذ .. " فما رأيك أنت فى هذه القاعدة التى ثبتت صحتها .. لو أننا نظرنا إليها كقاعدة سنجد أنها تعنى أن كل قاعدة لها استثناء .. والسؤال هنا ما دامت القاعدة صحيحة إذا لنفس هذه القاعدة استثناء وهذا يعنى أن هناك قاعدة ليس لها شواذ وهذا يثبت عدم صحة القاعدة الأصلية .. وهكذا تظل تلف وتدور حول نفسك لتعرف حلا لتلك القضية فلا تدرك حلها إلا بمستشفي الأمراض العقلية "
فأكمل الشاب استفساراته قائلا ..
" إذا كانت للعلم ميادين واضحة فأين هو ميدان الفلسفة وتخصصها ؟! "
أجابه الكاتب ..
" الفلسفة منهج لتقرير الأهداف من وراء الأفعال وبهذا التعريف فهى داخلة فى حنايا كل نشاط يخص الإنسان وكل تصرف يأتى به .. وعليه فهى تعالج كل الميادين فهناك الفلسفة العلمية للعلوم بأنواعها النظرية والتطبيقية وهناك فلسفة الآداب والفنون وفلسفة الجهاد وفلسفة التضحية ... الخ .. "
فسأل الشاب
" وما هو تأثير غيابها عن كل تلك الأشياء ..؟ "
قال الكاتب
" كارثة .. لأنها تعنى ضياع معرفة الهدف من وراء الفعل .. وهو ما يتحقق أمامنا كل يوم .. وطبق هذا الأمر على نفسك .. وأراهنك أنك لو حاولت فلسفة تصرفاتك ونشاطاتك لتوقفت عن ثلاثة أرباعها على الأقل لأنك ستكتشف أنها تصرفات آلية لا تمثل هدفا ولا تجلب نفعا .. ولأعدت النظر فى الربع المتبقي لتصحح مسارك فيه "
قال الشاب فى اهتمام ..
" أعطنى مثالا .. "
قال الكاتب
" تأمل معى المجتمع من حولك وتخيل لو أنهم جميعا سألوا أنفسهم سؤالا واحدا .. لماذا يعيشون ؟! وهو سؤال لو سأله الإنسان لنفسه مرة واحدة فقط فى حياته وأدرك حقيقة إجابته لما دخل أحد النار لأنهم سيدركون أن المعيشة ليست مجرد تصرفات ميكانيكية تنام وتستيقظ لتقضي يوما فى عملك وتـُضيَع الباقي فى أى شيئ ثم تنام لتعود فى اليوم التالى إلى نفس الوتيرة .. عندئذ سينتبه العاقل فيهم إلى أن حياته تتسرب دون أن يدرى كيف ومتى عاش أحداثها وسيدرك أنه مسئول حتما فى وقت الحساب عن تلك الحياة التى ضاعت بشكل ميكانيكى حتى فى العبادات فمعظم من يؤديها يؤديها كعادة وهى كارثة الكوارث أن تصبح الصلاة والصوم مجرد إجراءات يفعلها الإنسان لأنه اعتاد عليها .. فقبل أن تصلي سل نفسك لماذا تصلي ؟ .. والإجابة بسيطة أصلى لله عز وجل .. ولكن هل تفيد الصلاة لله عز وجل وأنت غير مستحضر لعظمة هذا الخالق الذى تقف أمامه .. تقضي الوقت بين يديه ثم تطوى سجادة الصلاة وتنصرف دون أدنى ذرة من تأثر أو رهبة لهذا الوقت الذى قضيته فى حضرته سبحانه .. ؟!
وهكذا يا صاحبي على نفس الوتيرة سؤال بين نفسك وجواب فى أعماقك يوجهك إلى الاتجاه الصحيح لتصبح الحياة عندك ذات روح وكل سؤال وكل جواب إما أنه سيجلب لك خيرا بفعل حسن كنت تتركه بلا سبب منطقي أو يدفع عنك معصية كنت تفعلها وسألت نفسك عن مبررها ومنطقها وبالتالى عندما اكتشفت خطأ هذا المنطق كان حتميا أن تتركها لأن المعاصي بلا فوائد .. "
وما زال نهر الحوار جاريا