عرض مشاركة واحدة
قديم 09-26-2010, 01:48 PM
المشاركة 7
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

عزاء ..

كان الجو مختنقا بالعبرات ..
والكاتب فى صمت كعادته يتأمل فى الغرفة الضيقة التى احتوت الرجل المسن ووالد الفقيدة .. وبعضٌ من أقاربها .. وتنازعته نفسه وهو يتأمل دموع الرجل الكبير وهو يرد بلهجة عاطفية على مواساة المعزين فيصمت كل منهم ولا يجد ردا مناسبا
والتفت الكاتب إلى شيخ المسجد الجالس إلى جواره وكأنه يدعوه الى الحديث كى يخفف عن الرجل مصابه بشيئ من روحانية الوعظ ولكنه فوجئ بالشيخ يقلب كفيه حائرا أمام دموع الرجل
فالدموع والحزن النبيل ليس عليهم من حرج دينى ..!
فاخذ الكاتب نفسا عميقا وتأمل الرجل الكبير الذى يبلغ ثلاثة أمثال عمره وقال له فجأة ..
" سيدى .. بواقع خبرتك فى الحياة .. ما رأيك لو استشرتك فى أمر يحيرنى .. "
التفت إليه الحاضرون وكأنهم أدركوا أن الكاتب يريد أخذ الرجل بعيدا عن همومه بتغيير مجرى الحديث
وقال الرجل الكبير .. " تفضل يا بنى .. "
فقال الكاتب ..
" هناك أمر أختلف فيه مع أبي وأريد مشورتك .. فأنا أعيش مغتربا بالقاهرة لأن عملى هنا ولا توجد فرصة أخرى لعمل مناسب بقريتى البعيدة عن العاصمة كما أن الكتابة والنشر ومستقبلي فيهما متعلقان بوجودى هنا بعيدا عن أبي وهو رجل مسن ومفكر لا يتحدث مع أحد تقريبا سواى ..
ولذا أريد العودة والاستقرار معه فى القرية مهما كان الثمن لأنه لا يحتمل غيابي "
مسح الرجل الكبير دموعه بأطراف أصابعه قائلا ..
" يا بنى .. أنت بهذا تشقي والدك ولا تنعمه كما تتصور .. لأن عودتك تعنى ضياع مستقبلك مستقبلك المستقر هو ما يريده والدك من الدنيا وأن يراك نعما ومستقرا وسعيدا فى حياتك .. فما الذى سيجنيه من عودتك طالما كانت فى شقائك .. الغياب يا ولدى أهون كثيرا من ضياعك عنده .. "
فاستطرد الكاتب ..
" ولكن هب أن مستقبلي بخارج مصر .. هل أسافر وأترك البلاد سعيا للكسب والشهرة تاركا أبي خلفي ؟! "
فقال الرجل ..
" أنت لن تستطيع فهم هذا الا عندما يكون لك ولد تخشي عليه .. وكن واثقا أن أباك سيتمنى بعدك ولو فى الصين وسيشجعك عليه طالما كان هذا فى صالح مستقبلك وسعادتك .. "
فابتسم الكاتب .. وقال
" اذا أنت ترى أن الأب سعادته الحقيقية فى استقرار أبنائه وسعادتهم لا فى قربهم منه ؟ !"
فقال الشيخ الكبير قاطعا
" بدون شك يا ولدى .. بدون شك "
فاتسعت ابتسامة الكاتب وهو يميل على الرجل قائلا
" فعلام حزنك ودموعك إذا ..؟!
ما دمت تهتم بسعادة واستقرار ابنتك التى اختارها الله الى جواره وشهد لها كل من عرفها بالتقوى والصلاح .. أتبكى لفراقها وهى منعمة ومستقرة بأعظم مكسب فى الآخرة وتعيب علىَ أنا اهتمامى بحزن والدى وتطلب الى تجاهله لأجل سعادة الدنيا ؟!! "
ساد الصمت .. وامتد لخمس دقائق .. واذا بالشيخ الكبير يطلب معونة من جواره للنهوض وهو يمسك بيد الكاتب ويقول له بحرارة ..
" والله ما عزانى أحد بمثل هذا العزاء من قبل .. اذهب يا ولدى بارك الله لك فى أبيك وبارك له فيك "

،،