عرض مشاركة واحدة
قديم 10-19-2012, 01:57 PM
المشاركة 2
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الأخ الكريم ..

إن تفسير القرآن الكريم والتفكر فيه هو من ضروريات العلم فى هذه الأمة بلا شك ..
ولكن الخوض فيه محدد بضوابط وشروط تليق بجلال وكمال آيات الذكر الحكيم ..

فالقرآن الكريم يتكون من قسمين ,
محكم .. ومتشابه ..
المتشابه : أمر حكمه واضح ومقطوع به أنها آيات وأحرف لا تفسير لها وستظل كذلك بلا انكشاف وأمرنا الله ورسوله عليه الصلاة والسلام بألا نتحراه أو نتحرى تأويله واتهم من يحاول ذلك بالزيغ والضلال المبين
يقول تعالى :
[هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ] {آل عمران:7}

أما المحكم : فينقسم إلى نوعين ,
محكم مطلق , وهى الآيات التى يعرفها الناس من لغة العرب واضحة وضوح الشمس لا تأويل فيها ولا تفسير , مثل قوله تعالى ( قل هو الله أحد )
ومحكم نسبي : وهى آيات القرآن الكريم التى يجوز فيها التفكر والتفسير وهى التى حث النبي عليه الصلاة والسلام بالتدبر فيها فقال فى الحديث الصحيح عن القرآن
( لا تنتهى عجائبه , ولا يخلق من كثرة الرد , ولا يشبع منه العلماء )

والإجتهاد فيه مفتوح إلى يوم القيامة ولا مشكلة , ولكن بضابطين هامين لا غنى عنهما أبدا :
الأول : ألا يكون التفسير الجديد معارضا لتفسير آخر ورد فى القرآن نفسه أو ورد فى حديث للنبي عليه الصلاة والسلام أو فى قول وتفسير لأحد الصحابة رضي الله عنهم باعتبار أن مقالة الصحابة فى حكم المرفوع لأن علمهم موصول بعلم النبي عليه الصلاة والسلام فإذا ورد تفسير لآية من هذه المصادر فلا اعتبار هنا لأى قول بعده
الثانى : ألا يكون التفسير بالرأى المطلق , ذلك أن الأمة اتفقت على أن من قال فى القرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب ..
والإجتهاد يختلف عن الرأى
فالرأى المجرد يكون رأيا جديدا ليس له مستند علمى من أى وجه
أما الإجتهاد فى التفسير فهو الإتيان بتفسير جديد مبنيا على علم صحيح أيا كان نوع هذا العلم ..
كأن يكون علم اللغة , مثل اجتهادات الشعراوى والكبيسي والسامرائي مثلا
أو العلم الكسبي مثل تفسيرات الإعجاز العلمى بالقرآن
وهلم جرا ..

نأتى الآن لتطبيق هذه القواعد على التفسير الجديد الذى أتيت به أخى الكريم فى قولك :
وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْى الْمَوْتَى، قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن، قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى، قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً، وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {البقرة : 260 }
يقولُ تعالى:

يأيُّها الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُواْ لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ... {الأنفال : 24 }
فالحَياةُ والموتُ تعنيانِ الهُدَى والضَلالَ كما هو مصرح به في مواضعَ عدةٍ من المُصحفِ الشريفِ. فيُتَحَوَّرُ سؤالُ سيِّدِنا إبراهيمَ إلى: ربِّ أرني كيف تَهدي الضَّالينَ؟ هكذا وبكُلِّ وضوح ...
فكان جوابُ الله تعالى بأنْ خُذْ أربعةَ طيورٍ (أو أرْبَعَ مجْمُوعاتٍ أوْ أنواعٍ منها). ثمَّ قُمْ بالاعتناءِ بها وأظهر لها المودةَ والحبَّ لفترةٍ كافيَّةٍ من الزمنِ حتى يأتلفوكَ ويعرِفوكَ ... وعلِّمها الأصواتِ أو الإشاراتِ التي ستعرِفُك وتُمَيزُكَ بها ... ثُمَّ أطلقهم بعيداً عنك على رؤوسِ الجبالِ ثُمَّ ناديهم بما علَّمْتهم، فستجدُهم يأتونك وما ذلك إلَّا لمعرفتِهم بك ولِحَنِينِهم وشَوقِهم إليك ...

وهذا كلام مغلوط وفهم متعسف للآية لا يؤيده أى مستند من أى علم مع الأسف الشديد ..
نعم إن القرآن الكريم ورد يه لفظ الإحياء والإماتة بمعنى الهداية والضلال ..
ولكن فى المقابل ورد أيضا بالمعنى الحرفي وهو مقصود الموت والحياة ..
والذى يحدد المعنى المقصود هو سياق الآية بلا شك ..
فقوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام :
( رب أرنى كيف تحيي الموتى )
ثم إتباع ذلك باستنكار من الله عز وجل فى قوله ( قال أولم تؤمن )
يقطع ويجزم أن المعنى هنا هو الموت والحياة والبعث , وهى القضية الكبري التى تستحق الشك والتساؤل ,
وليس معنى هذا أن إبراهيم عليه السلام شك فهذا محال على الأنبياء ولكن كما قررها المفسرون أن المقصود العبور إلى الإطمئنان اليقينى

أما تفسيرك هذا بأنه الهداية وبأن الطيور كانت مجموعات وأنها لم تكن ميتة فأحياها الله لإبراهيم , عليه السلام ..
فهذا يخالف التفسير الصحيح من ثلاثة وجوه :
أولها : أن سياق الآية لغويا لا يسمح بذلك فالآية محكمة وصريحة ,
ثانيها : أنها تخالف أقوال الصحابة رضي الله عنهم وعلى رأسهم قول بن عباس الذى نقله القرطبي وبن كثير وغيرهم من أن المقصود كان إحياء الموتى وأن إبراهيم ذبح تلك الطيور وقطعها ومزجها ثم عادت إليه حية
ثالثها : تفاسير أهل السنة المعتمدة كالطبري وبن كثير والقرطبي وأقوال التابعين جميعا أطبقوا على هذا التفسير ..

هذا بالإضافة طبعا إلى أنك قلت برأيك ثم صنعت منه سيناريو كامل لأسراب طيور يربيها إبراهيم ثم تتبعه ثم تأتيه مع الألفة ,
وهو فوق أنه تفسير برأى محض بلا مستند , أنه تفسير لا يفيد أى إعجاز من أى نوع لأن تربية الطيور وتآلفها مع صاحبها واستجابتها له هى أمر عادى وطبيعى فأين هى المعجزة التى حققها الله عز وجل بعزته وحكمته لنبيه إبراهيم عليه السلام كما هو واضح من سياق الآيات ..

ولك الشكر