عرض مشاركة واحدة
قديم 03-08-2011, 08:39 PM
المشاركة 173
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي

المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (9)




لا تُنْكرينِي




أُلقيت بمناسبةِ عيدِ المعلِّم العربيِّ
في المِهرجان المركزي بدمشق
عام 1987




قُصِّيَّ عليَّ حديثَ الحبِّ والتهِبي
وعلِّليني بصافٍ منْ دمِ العِنَبِ


قُصِّي عليَّ حديثاً لستُ أجهلُهُ
لقَّنتُهُ لصغاري في خُشوعِ نبي


فكم تَلوتُ على أسماعِهمْ سُوراً
وكم طبعتُ على أفكارهِمْ كُتُبي ؟!


قُصِّي عليَّ وخلِّي العتبَ واتَّئدي
لا تُكثري اللَّومَ ما للحبِّ منْ سببِ


حملتُ في القلبِ سرَّاً كادَ يفضحُهُ
لولا بقية تَهطالٍ من السُّحُبِ


وجئتُ لاجَعْبتي مَلأى ولا قلمي
ولا لساني يصبُّ الشَّهدَ في خُطبي


أنا المعلمُ لا حالي بخافيةٍ
على الزمانِ ولا سِرِّي بمُحتجِبِ


أعيشُ في عتماتِ اللَّيلِ يقتلُني
من راحَ يرفُلُ في أثوابِهِ القُشُبِ


لولا المعلمُ لم يظفرْ ببارقةٍ
ولمْ يَفُزْ بوسامِ المجدِ والرُّتَبِ


نقشتُ في الشمسِ آياتٍ أنَرْتُ بها
دنيا الطفولةِ في جِدٍّ وفي لَعِبِ


وسرْتُ في موكبِ الأجيالِ أحفزُها
كيما تجدَّ إلى العلياءِ بالطَّلبِ


حتى رأيتُ صغارَ الأمسِ كوكبةً
فرسانَ ملحمةٍ في عارمٍ لَجِبِ


هذا يجولُ بساحِ الطِّبِّ مِبْضَعُهُ
وذاكَ في حومةِ الجلَّى أَغرُّ أَبي


مَهَرتُ كلَّ شهاداتِ العُلى بدمي
فأَيْنَعتْ بثمارِ العلمِ والأدبِ


* * *

لا تُنكريني بلادي أنتِ في كَبِدي
بردٌ وأنتِ لعينيْ رفَّةُ الهُدُبِ


غنَّيتُ باسمكِ آياتِ القريضِ ولم
أبخلْ بمنسجمِ منها ومُضطربِ


لَئِنْ تَهدَّجَ صوتي في تلاوتِها
حقِّي عليكِ فكمْ أعطيتُ لم تَهبي


حقِّي عليكِ إذا أنشدتُ قافيةً
وبلبلُ الدَّوحِ لم يسمعُ ولم يُجِبِ


* * *

أنا النَّدى والهُدى في خافقي ويدي
أنا مطيَّةُ قومي للعُلى فثِبي


لا أسأمُ العيشَ مهما ضاقَ بي وطني
ولستُ أُنْكِرُ لو جارَ الحِمى نَسبي


أمِّي الشَّآمُ وأهلي العُرْبُ قاطبةً
وكلُّ حرٍّ على دربِ النِّضالِ أبي


* * *

لا تُنكريني إذا حمَّلتُ أَمتعتي
على يَراعي ولم أَحضرْ ولم أَغِبِ


فما غِنائي سوى حُبِّي وعاطفتي
وأدمعي وفؤادٍ مُشفقٍ حَدِبِ


لا تُنكريني فما تنفكُّ في كَبِدي
نارٌ تضيءُ لياليْ الهمِّ والنَّصبِ


أَتبخلينَ على حرٍّ يغالبُهُ
جَورُ الزمانِ ولا يَقوى على الغَلَبِ


* * *

عفواً نجيَّ همومي إنْ بكيتُ أسىً
وجاءَ شِعريَ بُركاناً من الغضبِ


أحرقتُ دمعةَ أحزاني على كبدي
فاعجبْ لإحراقِ دمعي أيَّما عَجَبِ


وليسَ مِنْ مُحرقٍ دمعاً بلا سببٍ
لكنَّني لم أزلْ أحنو على السَّببِ


واليومَ أُشفقُ من دمعي على كبدي
حَسْبُ الدُّموعِ فقد أوفتْ على العطبِ


* * *

لا تُنكريني أنا الرَّوضُ الذي رتعتْ
فيه الظِّباءُ وغنَّى الطَّيرُ من طَربِ


قد خابَ سعيُ العِدا للنيلِ من أدبي
لكنَّني في قِراعِ الغدْرِ لم أَخِبِ


أَشُقُّ صَدرَ ظلامِ الكونِ عن وَهَجٍ
كماردٍ من ملوكِ الجِّنِّ مُنتصِبِ


مداهنونَ لهم في كلِّ مُفْتَرَقٍ
وكرٌ تسوَّرَ بالبُهتانِ والشَّغبِ


إنِّي خلعتُ وقاري واستعرتُ لهم
وجهاً تساءلَ عنهُ الناسُ من قُرُبِ


فلا يَغُرَّنْكَ رأسٌ خلفهُ ذَنبٌ
جِحْرٌ الصِّلالِ يلُفُّ الرَّأسَ بالذَّنبِ


* * *

أفدي التي ألهبتْ رُوحي سلافتُها
فأسْكَرتني بخمرِ الحُسنِ والأدبِ


عذراءُ لمَّا تَزَلْ في ثوبِ عفَّتِها
لم تغفُ يوماً على الأرزاءِ والنُّوبِ


تشدو النواعيرُ في أحيائها طَرباً
تُسَلْسِلُ الماءَ للجناتِ كالضَّرَبِ


أحببتُها وبودِّي أنْ أموتَ بها
وتلكَ أُمنيَّتي بل مُنتهى أَربي


فالعيشُ مهما صفا في غيرِ ساحتِها
لو كانَ في جنَّةِ الفردوس لم يَطِبِ


* * *

آذارُ يا عيدنا الغالي وثورتَنا
يا فجرَ مجدٍ على التَّاريخِ والحِقبِ


أَدِرْ على العُرْبِ أكواباً مُعتَّقةً
من خمرةِ الحبِّ لا من خمرةِ العِنَبِ


واحرقْ بخورَ الأماني في مجامرِنا
النصرُ للحقِّ والإيمانِ والعَرَبِ





15-3-1987