عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
6

المشاهدات
3106
 
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية

خالدة بنت أحمد باجنيد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
322

+التقييم
0.05

تاريخ التسجيل
Jan 2008

الاقامة

رقم العضوية
4365
10-31-2010, 07:43 PM
المشاركة 1
10-31-2010, 07:43 PM
المشاركة 1
افتراضي أبراج عاجيّة / نقديّة..
أبراج عاجيّة/نقديّة..!
لن أبعث بمقدّمة عن السهولة والتيسير وما لهما من مرقدها، فمثل تلك المقدّمات التي تعالج القيم وفلسفاتها لن تضيف شيئًا إلى قلبٍ يؤمن بتلك القيم- لأنّ القيم محلّها القلب قبل العقل- كما أنّها لن توفي قدرها-ولو تمهيدًا-، فالأولى ألاّ أشعّب الموضوع بالوقوف على مسلّمة، ومن ذا يفكّر يومًا بأنّ يستدلّ على طلوع الشمس في وضح النهار.. إلاّ مكابر لا محاور..!

هذه الأيّام وقع بين يدي- وأنا أبحث- كتاب في مناهج النقد الأدبي، وبحكم التخصّص طبعًا فإنّ دارس الأدب لا يملك أن يستغنيَ عن قراءة جادّة تحاول أن تلمّ شتات النقد وتؤلّف بين اتّجاهاته بشكل يكفل له استيعابها ورسوخها، ليبني عليها ما يهمّ به من مشروع بحثي، وينطلق من معطياتها في سبيله؛ ولعلّي حظيت بهذا الكتاب فيما كنت أشدّ على قلبي وعقلي وأعزيهما في الخوض في ذلك الميدان الذي لا يعرف وعورته إلا من مضى فيه، ونذر نفسه لفهمه، لا التقوّل عليه.

هذا الكتاب، كتاب صغير الحجم، ثريّ المضمون، وافر الأمثلة والاستشهادات، سلس الأسلوب حتّى إنّه أشبه بمحاضرة تتابع من مقدّمات فعرضٍ يستفيض بالشرح والتوضيح والتعقيبات –المرحة حينًا-، إلى موازنة ونقد، وهذه الفعاليات كلّها لا تجدُ في قراءتك لها أيّ تعنّت أو تمحّل، بل تمضي بك الفقرة تلو الفقرة، والمبحث تلو المبحث دون مشقّة أو كلفة.

هذا الكتاب مترجم عن الأسبانيّة لمؤلّفه: إنريك أندرسون إمبرت، ترجمه: د. الطاهر أحمد مكّي، الذي سبقني في مقدّمته إلى الإعجاب بأسلوب المؤلّف الذي كان يتلاعب باللغة، وجاءت لغته نمطًا فريدًا تتلاحق فتوحي بأنّها حديثٌ تلقائي، لا كتابة فاحصة، ولعلّ د. الطاهر كان له الحظّ الأوفر من لذّته لأنّه عايشه في لغته الأم/ الأسبانيّة، وإن كان –كما صرّح- في ترجمته حريصًا على عدم المساس بالتراكيب الأصليّة ونمطها إلا في حالة تعذّر نقلها للعربيّة، ساعيًا بذلك إلى أدنى قدر من التصرّف والتأويل.

وعودًا على بدء، فإنّ هذه المقالة التي ضربت صفحًا عن تمهيدٍ يناقش مبدأ السهولة والتيسير، لا تهدف إلا له في سؤال أكاد أجزم بأنّه عرضَ لكثيرين قرّاء أو دارسين: ما مبرّر الصعوبة والتعقيدِ في كثير من مؤلّفاتنا النقديّة؟ وإلام تظلّ قراءتها رهن إلزام واحتياجٍ لولاهما لما مضينا إليها سبيلاً؟

مؤلّفاتنا النقديّة تتكاثر في أبراجها العاجيّة، وفي عالمٍ غير العالم، فلا غرو أن يفجع قارئ أو طالب بدوّامه تتلقّفه بلا توقّعات أو خلفيّات سابقة، ليجده يترّدد في معمعتها بين منهج ومنهج علّه يحظى بأقلّ قليل يكفل له قدرًا من المعرفة-المعلومات السريعة- اغتنامًا لوقتٍ يتفلّتُ بين هذه وتلك، وليتنا نتمكّن بعدها من هذه أو تلك!

وفي زخم تلك المؤلّفات المستعصية، أو المتعبة، تبادرنا موجة عالية من مؤلّفات التبسيط، تسحبنا معها اغترارًا بالوقوف على الأسس والمعطيات المصفّاة من الجدل الشائك المحيّر، فإذا بنا نقف على بترٍ وتحوير وانتقاءات لامبرّرة.. وما الضير؟! أليست الغاية تبرّر الوسيلة؟!

النقد الحديث مناهج موقوتة، تلاحقت غربيًّا ضمن بيئة متغيّرة منحتها الاحتواء وملابسة الواقع، لتصل إلينا معلّبة جاهزة، ومع ذلك فإنّها لا تلبث أن تخضع لإعادة التصنيع، وليته تطويرًا، بل زيادة إنتاج يتراكم بتفاوتٍ وفوضى، فكيفَ نهتدي حينئذٍ للأجدر والأنفع؟!

إنّ ما نعانيه –لاسيّما طلابًا وطالباتٍ- هو ذلك الانفصام عن الواقع النقدي، وهو انفصام مردّه إلى غربته، بل-إنصافًا- غربتنا عنه، ومن ثمّ طلبه دون وعي بفلسفته وظروفه، ممّا يفضي إلى الالتباس، حتّى ليبدو لنا مناهج عائمة لا متواترة، وتبدو أدواته هلاميّة يتعذّر الإمساك بها، وبعدُ.. أيّ ضياعٍ هو أن ندفع بنا في آراءٍ ووجهات نظرٍ لم نبلغ مبلغ الناقد الفاحص لها، المدرك لما لها وعليها!، وأيّ قنوط هو عندما يحول بيننا وبين ذلك الواقع –على علاّته- تعنّت وتشدّق.. وتفنّن في تشظّي الفكرة وتبعثرها فتغييبها كليًّا أو جزئيًّا!.

رفقًا بدارسي النقد.. لا بل رفقًا بالنقد الذي أضحى زمورًا هيروغلوفيّة نحتفي بقيمتها وآثارها، ولا نعي إلا نزرًا منها، وليت شعري ما تُرى نزرٌ تتربّص بك إزاءه خلافاتٌ تشكّكك في أهميّته وجدواه..!
التوقيع:
طالبة (غلباااانة)!
.
.
.
خالدة..

20/11/1431هـ
28/10/2010م