عرض مشاركة واحدة
قديم 12-05-2019, 09:49 PM
المشاركة 5
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: المناظرة الأدبية وأشهر المناظرات عبر التاريخ
من أشهر المناظرات الأدبية : بديع الزمان يتحدى الخوارزمي بكل ما أوتي من حيلة ودهاء لغوي
من المناظرات المشهورة التي عرفها الأدب العربي وشهد عليها تاريخه ، جمعت بين أديبين عريقين ، ولهما من المكانة الأدبية المرموقة وزنا كبيرا .

الشيخ الأديب محمد بن العباس الخوارزمي ، وهو أديب وشاعر وكاتب رسائل معروف في زمانه وعصره ، وهو ليس بالخوارزمي عالم الرياضيات المعروف .

أما الشخصية الثانية فهو داهية عصره وزمانه ، الرجل الذي يأمر الكلمات فتطيعه ، ويلاعبها فترقص له كما يشاء ، صاحب المقامات المعروفة بديع الزمان الهمذاني ،
كان بديع الزمان آنذاك في بداية مسيرته الأدبية ، وكان يسعى بكل عزم وجد ليثبت نفسه أمام كبار أدباء عصره ، في حين كان الخوارزمي علما في عصره ، وشيخ أدبائهم ، فاستغل بديع الزمان أي فرصة للتعرف عليه ومناظرته ، وهذا ما تأتى له بعد أن تعرف على كبار القوم وعليتهم ، وكان من بينهم السيد الشريف أبا علي ، وهو الذي جمعهما في المناظرة ، بحضور مجموعة من الشخصيات الأدبية الرفيعة ، وخيرة من القوم .
أهلا أهلا بضيوفنا الأفاضل ، لقد حللتم أهلا ونزلتم سهلا ، يسعدنا أن نسمع منكما ما يمتع عقولنا ، ويأسر أذهاننا .

بديع الزمان ( يبتسم بثقة ) : سيسعدنا أن نسمع منك شيخنا ما تحفظه من شوارد الأبيات ، وحكم الأمثال ، وعجائب القصص والأخبار ، فتسألني وأسألك ، وتباحثني وأباحثك ، فتعم الفائدة علينا جميعا ، وإن شئت بدأنا بأكثر شيء برعت فيه شيخنا ، وهو الحفظ .

أحجم الخوارزمي عن الحفظ لكبر سنه ، وقال : سأبادهك ( أي سرعة البديهة في الرد ) .

إذن فلتنسجا على منوال المتنبي :

أرق على أرق ومثلي يأرق

الخوارزمي :

فإذا ابتدهت بديهة يا سيدي * فآراك عند بديهتي تتقلّق

مالي أراك ولست مثلي في الورى * متموها بالترهات تُمخرق

بديع الزمان ( بكل ثقة ) : أراك قد وقفت بين قافات خشنة كل قاف كجبل قاف ، فخذ الآن جزاء عن قرضك وأداء لفرضك :

مهلا أبا بكر فزندك أضيق * وأخرس فإن أخاك حي يرزق

يا أحمقاً وكفاك تلك مصيبة * جربت نار معرتي هل تحرق

الخوارزمي : لقد أخطأت في قولك أحمقاً فهو اسم لا ينصرف !

بديع الزمان : لا نزال نصفعك حتى ينصرف وتنصرف معه ، وللشاعر أن يرد ما لا ينصرف ، وإن شئت قلت : يا كودناً ، ثم قولك في البيت يا سيدي ، ثم قلت تتقلق مدحت أم قدحت ؟ فإن اللفظين لا يركضان في حلبة !

حسن حسن ..الآن قولا على منوال المتنبي :

أهلا بدار سباك أغيدها




بديع الزمان :

يا نعمة لا تزال تجحدها * ومنة لا تزال تكندها

الخوارزمي : هيه الكنود قلة الخير ولا تعني الكفر به .

الشهود الحاضرون : لقد صدق بديع يا أبا بكر ، ألم تقرأ لقوله تعالى : ‘ إن الإنسان لربه لكنود ‘ ( العاديات 6 ) أي لكفور .

الخوارزمي ( وقد بدأت تظهر عليه علامات العصبية ) : اكتسبتُ بعقلي وعلمي احترام وثناء أهل همذان ، فما الذي اكتسبته أنت ؟

بديع الزمان : أنت في حرفة الكدية ( التسول ) أحذق ، وبالاستماحة أحرى وأخلق ـ

/ وكأن بديع يقول للخوارزمي بأن ما وصل إليه لا يعدو تسولا للأمراء وطلب عطفهم .

وأنشد بديع الزمان قول ابن الرومي :

رأيت شيخا سفيها * يفوق كل سفيه

وقد أصاب شبيها * له وفوق الشبيه

أنشدا الآن على منوال أبي الشيص :

أبقى الزمان به ندوب عضاض * ورمى سواد قرونه ببياض

الخوارزمي :

يا قاضيا ما مثله من قاض * أنا بالذي تقضي عليه راض

ولقد بليت بشاعر متهتك * لا بل بليت بناب ذئب غاض

بديع الزمان : ما معنى قولك ذئب غاض ؟

/الغضا : نبات تأكل منه الإبل .

الخوارزمي ( منحرجا ) : أقلت ذلك ؟ اممم الذئب الغاضي الذي يأكل الغضا .

بديع الزمان ( مندهشا ) : استنوق الذئب وصار جملا يأكل الغضا ؟!!!

الخوارزمي ( وقد أخذت منه الغضب مأخذه ) : لأتركنك بين الميمات .

بديع الزمان : ما معنى الميمات ؟

الخوارزمي : بين مهدوم ، ومهزوم ، ومغموم ، ومحموم ، ومرجوم ، ومحرو م .

بديع الزمان : لأتركنك بين الهيام والسقام والسام والبرسام والجذام والسرسام .

وبين السينات :

بين منحوس ، ومنخوس ، ومنكوس ، ومعكوس .

وبين الخاءات :

من مطبوخ ، ومسلوخ ، ومشدوخ ، ، ومفسوخ وممسوخ .

وبين الباءات :

بين مغلوب ، ومسلوب ، ومصلوب ، ومنكوب .

فتجمع الناس حول بديع الزمان وأعظموا عليه بالثناء والمديح والإكرام ، وعاد الخوارزمي إلى داره يجر أذيال الهزيمة ، وقد انكسر انكسارا شديدا لذلك ، وقد بلغت شهرة بديع الزمان الآفاق بعد هذه المناظرة ، والتي استعمل فيها كل ما أوتي من مكر ودهاء لغوي للإطاحة بغريمه ، والمناظرة لا شك كانت طويلة وعلى أشواط متفرقة ، لكن آثرنا أن نذكر أبرز ما جاء فيها نقلا عن المؤرخين والرواة .