عرض مشاركة واحدة
قديم 01-18-2021, 12:37 PM
المشاركة 27
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: الفائز بالمركز الأول بمسابقة القصة القصيرة2020
إضاءة مختصرة للنص


تناولت القاصة في متنها الحكائي معاناة أرملة سورية شابة في ليلة باردة إذ حاولت الحصول على رغيف خبز لأبنائها الثلاثة لكن بدون جدوى، إذ تعرضت خلال الزحام أمام المخبزة لسرقة هاتفها بعد أن مزق النشال رداءها في موضع حساس يظهر بعض مفاتنها مما عمق من ألمها وأمعن في إحراجها باحثة عن ظلال تقيها شرور الضياء، لكنها ما لبثت أن أضحت فريسة تتلاعب بها ذئاب الليل، إذ بعد إغرائها وإغوائها مورست عليها سلوكيات شاذة وعند انبلاج الفجر تمكنت أخيرا من الهروب.*

الجمالية الفنية في النص*

العنوان جاء حاملا للتناقض الذي يحاول النص بسطه فالخبز هو شعار الحياة والحياة عادة هي السيطرة على الموقف والتحكم في المصير ودلالتها هي التوازن بين الأخذ والعطاء فأول كلمة في العنوان توحي بالإجابية لكن سرعان ما تتلاشى عندما تمسح المرارة هذا الأثر الإجابي وهي إشارة ظل النص مخلصا لها، حيث كل تلك الإيجابيات سرعان ما تذوب في محيط السلبية و هنا مربط فرس الواقعية في النص من حيث الظاهر. فالبطلة، كانت تريد خبزا فلم تتمكن منه بل فقدت هاتفها في إشارة بارعة إلى فقدان إمكانية التواصل مع المحيط، ولأنها تود أن تواري سوأتها هربت من الضياء إلى العتمة، من مكان مأهول إلى مكان مهجور، وهذا مكمن التناقض. فالقاصة أبدعت بحشر البطلة في مواقف مربكة. السيارة تعني الحركة و عودة الأمل بعد الوحشة والغربة والبرد، شطب الحاضر المؤلم وفتح الأفق على الجديد لكن لعنة السلبية تلاحق كل بارقة أمل تبدو في الأفق، مما جعل البطلة تستسلم لقدرها على أمل أن تحصل على شيء، فانصاعت بغير مقاومة، ليس لأن القاصة لا تستطيع جعل بطلتها تنتفض لكن فسحا للمجال، وذلك لإظهار ما تكابده النفوس الطيبة و إبرازا للتناقض الاجتماعي والاستغلال البشع الذي يمارسه البعض على الفئات الهشة.

اختارت القاصة الملهى وأراه اختيارا موفقا لأنه في ثقافتنا مكان خاص بطبقة بعينها ولكونه هروبا من جهة أخرى وقفزا على الأوجاع، وبشكل أدق هو حالة انهيار التعقل والاستسلام المطلق للغريزة. ولكون البطلة لم تستطع الإنسلاخ عن انسانيتها فقد أمضت في المكان لحظات بالغة القسوة فرغم أنها حصلت على ثوب يقيها شر ثوبها القديم فلم يستطع إيقاظ القيم الجمالية في نفسها بل أحست بالغبن ولم تتحمس لمستحضرات التجميل وحين كان الجمع منخرطا في دوامة اللهو ظلت تعيش انفصاما قاهرا فذهنها هناك مع أمها و أولادها و مع الجوع.

في الآخر وجدت جسدها مسرحا لجريمة الرغبات المنحرفة التي تنم عن فقدان الغريزة لنمطيتها عند هؤلاء الذئاب البشرية.*

في النهاية تخلصت من الكابوس بالهروب، لكن أين المفر؟

النهاية المفتوحة تجعل المتلقي راغبا في المشاركة لكن يبدو جليا انسداد الأفق أمام البطلة فربما تلك السيارات عجلت لها الخلاص.

هناك نقط مضيئة كثيرة في النص. كلمة البداية "قذف" وكلمة النهاية "الجنون" تلخصان النص فهناك قذف للبطلة من الدور "النظام" إلى الجنون و الضياع. القاصة بارعة في اللغة و تقوم بالتطويل بسهولة حين تريد وضع الحدث تحت المجهر. و تملك قدرة كبيرة على التكثيف حين تريد الاختزال وتسريع المشهد.

إن كان ظاهر النص مغريا فكيف بما وراء السطور، حين نستعير من يونغ اللاشعور الجمعي و نحاول استنطاق هذا النص وتملس أسباب ولادته. سنجد سوريا الاعتبارية، كثقافة ووجود حضاري، مجسدة بالبطلة *وأمها هي الأرض المعطاءة و أبناؤها هم الشعب السوري بمختلف مشاربه. حين تعرف ما أصاب هذا البلد الذي كان ذات يوم رمزا ومفخرة عند العرب تعرف مبرر هذا الانكسار الذي تحمله البطلة في وجدانها.

كل هؤلاء الأغراب الذين يجوعون هذا الوطن ويكسرون هيبته ويمزقون وحدته هم من يستحقون أن يسألوا أين عقولكم بل أين غريزتكم السوية، فالنص صرخة عميقة تقول أنا سوريا الأبية لا أستحق هذا المآل.