عرض مشاركة واحدة
قديم 04-21-2014, 09:13 PM
المشاركة 104
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عبد الحميد الديب
ترجم له الأستاذ أحمد بن عبداللطيف الجدع في رابطة أدباء الشام بقوله:

( ... ولد الشاعر عبد الحميد السيد الديب عام 1898 م بقرية كمشيش في محافظة المنوفية بمصر لأسرة فقيرة لا تكاد توفر متطلبات العيش الأولية لأفرادها ، ومع ذلك دفع به أبوه وهو في الخامسة أو نحوها إلى شيخ القرية ليعلمه القرآن وشيئاً من الكتابة ، ثم أرسل به إلى الأزهر آملاً أن يكون من علمائه الأجلاء ، إلا أن حياة الأزهر لم ترق له، فلم يطل به المقام فيه حتى تحول إلى دار العلوم بالجامعة المصرية، ويبدو أنه لم يتم دراسته فيها إلى نهايتها ، فخرج إلى الشارع متسكعاً باحثاً عن مأوى يؤويه ووظيفة تغنيه ، ولكنه كان يعاني الأمرين في سبيل ذلك ، وفي الغالب كان الاخفاق حليفه ، فعاش في أحياء القاهرة الفقيرة يلتمس غذاءً وفراشاً ووطاء ، فكان يعاني في سبيل ذلك الشيء الكثير ، وكثيراً ما كان يلجأ إلى معارفه فيغيثونه ببعض ما عندهم، وكان جل معارفه من محدودي الرزق بسيطي الكسب ، واندفع الشاعر إلى المخدرات فأدمنها ، وعانى من ذلك الآلام المبرحة والتشرد الطويل، وزجَّ به المسؤولون في السجن بغية العلاج ، ففرح بالسجن لأنه وجد فيه المأوى والزاد، وعندما قدر الله له الشفاء من إدمانه رموا به خارج السجن ليعاود مآسيه في الجوع والتشرد .
هذه الحياة أفرخت عنده حزناً وضيقاً وتمرداً تجده في شعره واضحاً ظاهراً ، كما أفرخت عنده معرفة تامة بما يعانيه بسطاء الناس من شقاء وعناء ، فظهر ذلك جلياً في شعره ، وأنتج لنا بسببه قصائد فريدة .
اما شقاؤه وحزنه وضيقه فإن لنا عليه فيضاً من النماذج من شعره ، لعل الأبيات الأربعة المتقدمة واحدة من هذه النماذج ، وعندما نظر إلى الناس يقدمون بين يدي عيد الأضحى ذبائحهم صرخَ قائلاً :
يا معشر الديب وافى كل مغتربٍ
ذبحتهم الشاة قرباناً لعيدكم


إلا غريبكم في مصر ما بانا
والدهر قدمني للبؤس قربانا
وكثيراً ما كان يضيق بالناس لانصرافهم عن نجدته وإساءتهم معاملته ، ويعبر عن ذلك بشعره، ففضل الكلاب على سائر البشر :
ليت العباد كلاب ، إن كلبتنا لما تزل لحفاظ الودّ عنوانا
وهذا يذكرنا بأبي بكر محمد بن خلف المرزبان (ت309هـ) الذي ألف كتاباً يفضل فيه الكلاب على كثير من البشر ، وكان كتابه بعنوان "تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب" .
وبالذي فضل مصاحبة الذئب على مصاحبة البشر :
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى وصوّت إنسانٌ فكدتُ أطيرُ
وبالشفنرى الأزدي الذي فضل الحيوانات مثل الذئب والنمر والضبع على قومه ، فقال :
أقيموا بني أمي صدور مطيكم
ولي دونكم أهلون سيد عملسُ

فإني إلى قوم سواكم لأميلُ
وأرقطُ ذهلولٌ وعرفاءُ جيألُ
إلى آخر مافي الشعر العربي من هذه النماذج ...
ولم يكف عبد الحميد الديب عن الشكوى والأسى ، ومن ذلك قوله :
وداعاً شبابي في ربيع شبابي وأهلاً حسابي فبل يوم حسابي
وينعي حظه في هذه القصيدة بقوله :
ولكن حظي بدل النور ظلمةً
وبؤت من الأيام وهي هوامع
أمانيّ تغريها الخطوب رأيتها
ولو أن وهاب الحظوظ أراد لي
ولكنها ماتت بليلة عرسها




وبدل ما أشدو نعيب غراب
بحظ العطاش من جهام سحاب
كأشلاء قتلى في رؤوس حراب
سلامة إحداها لخفف ما بي
ومن دمها الغالي تخذت خضابي
وهو من شدة شعوره بالحزن يقول :
لم يخلق الحزن إلا في جوانحنا
لو ذاق هذا الورى معشار محنتنا

ولا المدامع إلا في مآقينا
ما فارقوا عيشهم دنيا ولا دينا
وهو في شكواه يقول :
رضيت ومن يمرن على حزنه يرضى
ويا سامر الدنيا وموكب يُسرها


فيا ظلَّ أحلام تقلص وانقضا
تجافيت بي نفلاً وأنكرتني فرضا
الواقع أن الديب كان يائساً من مساعدة من حوله ، بل كان يتهمهم بالتآمر عليه لأنه أفضل منهم فكراً وخلقاً وشعراً ، فنراه يقول :
حظي ومصرعه في لين أخلاقي
بين النجوم أناس قد رفعتهمُ
وكنت نوح سفين أرسلت حرماً
وليس لي من حبيب في دياركم
لم أدر ماذا طعمتم في موائدكم




وفيض عطفي على قومي وإشفاقي
إلى السماء ، فسدوا باب أرزاقي
للعالمين ، فجازوني بإغراقي
إلا الحبيبين أقلامي وأوراقي
لحم الذبيحة أم لحمي وأخلاقي
وللشاعر قصيدة رائية مشهورة ، يتداولها عارفوه ومحبو شعره ، ولكنها غير قابلة للنشر ، وهذه القصيدة تذكرنا في وجه من الوجوه بقصيدة إبراهيم طوقان "يا شهر أيار" وهي أيضاً متداولة وغير قابلة للنشر .
وفي رائية الديب أبيات عن بؤسه وسوء حظه لا نستطيع أن نذكر منها سوى هذا البيت :
كأني عبلة والبؤس عنتر

وهام بي الأسى والبؤس حتى
وسأورد بيتاً آخر من القصيدة يدل على السبب في عدم النشر :
هنا يأيها المزنوق طرطر !!
كأني حائط كتبوا عليه
إذا هممت أن تختار من شعر الديب وقعت في حيرة ، فهو شاعر مقتدر ومتفوق وتود لو أكثرت من عرض إبداعاته ، وكلما تركت قصيدة أسفت لأنك كنت تود لو عرضتها .
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
قلنا إن حياة الديب هي حياة هذه الطبقة الفقيرة البائسة من الشعب المصري ، لهذا كان الديب إذا تحدث عن فقير وبائس أبدع في حديثه وحلق ، وله مقطوعات في غاية الجودة والتقدم لا يستطيع الكاتب أن يقتبس منها بل لابد من عرضها كلها لأنها تمثل وحدة عضوية لا تنفصم عراها .
والديب فلاح من عائلة ريفية فقيرة ، لهذا فهو إذا تحدث عن الفلاح أجاد وأبدع :
كل الحياة بهذه الفأس
حَسْب ابن بَجْدَتِها وحاملها
بين المروج عروسها تُجْلى
كم أنبتت في قاحِلٍ ذهباً
هي فرحة ، إلا إذا حُمِلَتْ
في يومها غَرْسٌ .. وفي غدها
وتُرَى على كَتِفٍ مجرحة






من أخمص الدنيا إلى الرأس
بين البرية عِزَّة النفس
وتُزَفُّ من عُرْسٍ إلى عرس
وجَرَتْ على الأزهار كالكأس
لِتَشُقَّ مَثْوَى المَيْتِ بالرمس
جنى لما أجدته في أمس
كالتاج مُلْتَمِعاً على الرأس !
وعندما رأى الشاعر فقيراً يتلذذ الناس في تعذيبه وازدرائه ، هاجت شاعريته وأبدع هذه المقطوعة :
سجنوا عليكَ الكون ، أم سَجَنُوكا
تَخِذوا عذابك ، أو نعيمك شهوة
نَمْ يا ضرير ، ففي عماكَ سعادة
ألاّ ترى أثَرَ الطغاة وجورهم
ألا ترى الدنيا شخوص رواية
صادوك ، فاتخذوك لعبة ملجإ
لم يرحموك على عماك ، كأنهم
في "الغرب" كل اللاجئين تخالهم
وهم بمصر معذبون أذلة
يَحْيَوْنَ في ظل الإسار وضيقه
ثاروا وثاروا .. والحكومة لَمْ تَزِدْ
وهم كباقي الشعب في بأسائه











لو أنصفوا في ظلمهم قتلوكا
وتقاسموك ، كأنَّهُم خلقوكا !
ألاّ ترى عيناك مَنْ ظَلموكا
عرضاً ذبيحاً ، أو دماً مسفوكا
ضَلَّت .. وضَلُّوا شرعة وسلوكا
كم عذَّبوكَ به وكم ضربوكا
حسبوا العذاب على العمى يهنيكا
بين النعيم المستقر ملوكا
ملكوا مِنَ الرِّقِّ المهين صُكوكا
بأشد من عيش السجون حُلوكا
إلاّ ظنوناً حولهم وشكوكا .. !
ظِلُّ الحُنوِّ به غدا متروكا

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا