الموضوع
:
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية
عرض مشاركة واحدة
09-07-2010, 02:21 PM
المشاركة
325
ايوب صابر
مراقب عام سابقا
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 4
تاريخ الإنضمام :
Sep 2009
رقم العضوية :
7857
المشاركات:
12,766
يوهان سترندبرج
(1849 ـ 1912) عبقرية المسرح التجريبي ـــ نضال القاسم
يعتبر أوجست سترندبرج واحداً
من ألمع المشاهير في تاريخ الكتابة المسرحية في العالم، فهو يقف جنباً إلى جنب مع
أعلام المسرح الكبار في العالم، وهو مؤلف مسرحي ورسام ومصور فوتوغرافي وهاوي
كيمياء، وروائي ذو ثقافة غنية، وعلى الرغم من أنه يعتبر إلى حد كبير "أبا الدراما
التعبيرية" و"أبا مسرح العبث"، فإنه يبقى بشكل عام مسرحياً
تجريبياً.
ولد سترندبرج في ستوكهولم، وكان أبوه يعمل
وكيلاً لإحدى شركات الملاحة، وهو من بقايا عائلة أرستقراطية قديمة لا يقوى على
إعالة أسرته الكبيرة التي تضم عدداً من الأطفال الجائعين،
ولقد أوجدت قسوة الوالد في توجيه أطفاله عقدة كبيرة في نفس الطفل العبقري
(
سترندبرج) الذي أصبح عصبي المزاج، حاد الطباع، لا يقوى على كبح جماح غضبه، فلقد
كره الدراسة الكنسية التي فرضها والده عليه وقرر أن يكون كافراً بالعقيدة المسيحية،
أما أمه فكانت من الطبقة العاملة، وكانت تعمل في محل لبيع المسكرات، وقد ساعد الوسط
الوضيع الذي نشأت فيه أمه، وشعوره بأن مجيئه إلى العالم لم يكن مرغوباً فيه، على
خلق مركب النقص والشعور بالاضطهاد اللذين لازماه طوال حياته، فقد عرف الفقر والعوز
والخوف، وكان خجولاً متردداً مسرفاً في الحساسية، واضطرته ظروفه المادية إلى التنقل
من مدرسة إلى أخرى، ولم تكن حياته العائلية سعيدة،
إذ توفيت أمه وهو في الثالثةعشرة، بعد أن أنجبت لأبيه (12 طفلاً)، وتزوج أبوه مرة ثانية، مما دفع الابن إلىالوحدة والانطواء
،
ثم اتجه لدراسة الطب فوجد نفسه أبعد ما يكون عنها، ثم تقلب في
القيام بعدة أعمال منها التدريس ومكتب البرقيات والصحافة، واضطرته الفاقة إلى قطع
دراسته بالجامعة مرتين، وبعد خرجه شغل عدة وظائف، فعمل مدرساً، ومساعداً لطبيب،
وممثلاً، وصحفياً، وناقداً مسرحياً، وناقداً فنياً، وكان يترك كل وظيفة منها إثْرَ
شجار مع رؤسائه، وذلك لصعوبة مزاجه وتعقد شخصيته، ثم مارس التمثيل فترة إلى أن عين
في المكتبة الملكية بستوكهولم في الفترة من 1874 إلى 1882م وهي الفترة التي أحس
فيها بشيء من الاستقرار، وفي السادسة والعشرين من عمره، أي في عام 1877 تم زواجه
الأول من الممثلة (سيريفون إيسين) التي طلّقت زوجها من أجله، لكن رواسب القهر
والحرمان والشك في أعماق سترندبرج جعلت من هذا الزواج عاصفة هوجاء تدمر كل شيء فكان
هذا بداية حياة زوجية شقية، وقد أثمر زواجه الأول مجموعة من القصص هاجم فيها جنس
النساء وحركة المرأة فصدرت في كتاب بعنوان (متزوج) من مجلدين الأول صدر سنة 1884م
والثاني سنة 1886م، وتصور هذه القصص المرأة بأنها طاغية وكائن شرس لا يندم، وأنها
خلقت لتستغل الرجل وتعبث به، وفي هذه المرحلة كتب سترندبرج مسرحية (الفرقة الحمراء
)
والتي وضعها في العام 1879، وحققت نجاحاً كبيراً.
وجدد
سترندبرج التجربة المريرة ثانية حين تزوج من صحفية فينيسية تدعى (فريد أوهل)، وتحول
هذا الزواج إلى تجربة مريرة ثانية وانتهى بالفشل وأصيب سترندبرج بعدها بانهيار عصبي
وأزمة روحية أدت به إلى الجنون تقريباً في الفترة من 1892 إلى 1898 وبقي خمسة أعوام
بعيداً عن الحياة الأدبية، وخرج من جديد ليتزوج مرة ثالثة واقترن اسمه باسم الممثلة
الشابة (هاريت بوس) سنة 1901 فعاشت بعده نصف قرن وماتت سنة 1962م، وبعدها بدأ
سترندبرج مرحلة جديدة في حياته الأدبية فأصبح من أوائل وأهم الأدباء العالميين
الذين وظفوا طاقات العقل الباطن في أعمالهم الفنية والدرامية على وجه الخصوص،
واتجهت اهتماماته من الطبيعة والنظريات العلمية المادية إلى دراسة الأديان الشرقية،
وفلسفة شوبنهور ونيتشه، وهكذا نجده في سنة 1898 يعود إلى الحياة الأدبية بطاقة
مبدعة فيكتب في أقل من اثني عشر عاماً ما يزيد عن ثلاثين مسرحية جديدة، ولقد اكتسب
ستوندبرج شهرة واسعة في مسرحياته التي كتبها بعد مرحلة الجنون وأصبح رائد الاتجاه
النفسي في المسرح بمسرحيات مثل (الحلم والعقل الباطن) وتأثر بهذه المرحلة بمسرحيات
موريس ميترلنك (1849 ـ 1861) رائد المدرسة الرمزية في المسرح وتأثر كذلك بنظريات
سيجموند فرويد فوجد في أعمال مترلنك وفرويد أساساً يقيم عليه تفسير سلوك أبطاله،
ومن هنا انطلق لكتابة مسرحياته (التعبيرية) وهي التي تسمى (مسرحيات الحلم
)
و(مسرحيات الغرف الصغيرة أو الخاصة) وأصبحت رؤيته للمسرح تقول بأن كلاً من صالة
الجمهور وخشبة المسرح يجب أن تكون صغيرة الحجم ومختصرة وخالية من المبالغة وكان أول
ما كتب من هذا الاتجاه ثلاثيته المشهورة (الطريق إلى دمشق) والتي أصدر منها ثلاثة
أجزاء، حيث صدر الجزء الأول والثاني عام 1898 والجزء الثالث عام 1901، وهي مستمدة
من حياته الشخصية، فالبطل يتخلى شيئاً فشيئاً عن حياته الدنيوية من ضمنها الشهرة
والنساء، وعندما لم يبق هناك شيء يتجه إلى دير غير طائفي ولا متعصب للعقيدة
المسيحية فيكرس حياته لخدمة الإنسانية جمعاء، ومن حوارات المسرحية أن شخصية من
الشخصيات تقول لـه "لقد بدأت حياتك بقبول كل شيء ثم مضيت فأنكرت كل شيء والآن تنتهي
حياتك بمحاولة استيعاب كل شيء" ومما لا شك فيه أن هذه المسرحية تصور أحلام وطموحات
سترندبرج من معانقة الإنسانية ومحاولته الخروج من الموضوعات المحدودة كموضوع الصراع
بين الجنسين.
وقد بدأ سترندبرج إنتاجه بكتابة روايات
واقعية، تحوي نقداً للمجتمع السويدي، مثل (الفرقة الحمراء و 187 ) ومسرحيات
تاريخية، مثل (السيد أولوف 1881) و(المتزوج 1884 ـ 1885)، و(ابن الخادم) (1886 ـ
1887)
، و(الرفاق 1886 ـ 1887)، فذاع صيته نوعاً ما، ولكنه قضى على مستقبله في بلده،
حينما نشر كتابه "الشعب السويدي"، الذي هاجم فيه شعبه، فاضطره الشعب إلى مغادرة
السويد، والتجوال في فرنسا وإيطاليا وألمانيا وسويسرا (1886)، وكتب في أثناء إقامته
في باريس مسرحية (الأب 1887) و(الآنسة جوليا 1888)، و(الدائنون 1889) و(الرابطة
1892)
و(جرائم وجرائم 1899) وهي تعبر عن فلسفة كيركجرد في كتابه (أما/ أو) و(شبح
سونتانتا) و(رقصة الموت 1901) و(عيد الفصح 1901) و(البجعة 1907) و(عاصفة مناخ
1907)
، فاتخذ لنفسه مكانة مرموقة بين أعظم كتاب المسرح الأوروبي، وتتميز مسرحياته
بالعنصر الشخصي الذي استمده من حياته الخاصة، كالصعوبات التي واجهته في حياته
الزوجية، ونواحي الضعف في شخصيته التي كان مردها شعوره بضعة أصله، وسعيه النهم وراء
الحقيقة.
رد مع الإقتباس