عرض مشاركة واحدة
قديم 09-07-2010, 02:21 PM
المشاركة 325
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
يوهان سترندبرج

(1849 ـ 1912) عبقرية المسرح التجريبي ـــ نضال القاسم‏

يعتبر أوجست سترندبرج واحداًمن ألمع المشاهير في تاريخ الكتابة المسرحية في العالم، فهو يقف جنباً إلى جنب معأعلام المسرح الكبار في العالم، وهو مؤلف مسرحي ورسام ومصور فوتوغرافي وهاويكيمياء، وروائي ذو ثقافة غنية، وعلى الرغم من أنه يعتبر إلى حد كبير "أبا الدراماالتعبيرية" و"أبا مسرح العبث"، فإنه يبقى بشكل عام مسرحياًتجريبياً.‏

ولد سترندبرج في ستوكهولم، وكان أبوه يعملوكيلاً لإحدى شركات الملاحة، وهو من بقايا عائلة أرستقراطية قديمة لا يقوى علىإعالة أسرته الكبيرة التي تضم عدداً من الأطفال الجائعين،‏

ولقد أوجدت قسوة الوالد في توجيه أطفاله عقدة كبيرة في نفس الطفل العبقري (سترندبرج) الذي أصبح عصبي المزاج، حاد الطباع، لا يقوى على كبح جماح غضبه، فلقدكره الدراسة الكنسية التي فرضها والده عليه وقرر أن يكون كافراً بالعقيدة المسيحية،أما أمه فكانت من الطبقة العاملة، وكانت تعمل في محل لبيع المسكرات، وقد ساعد الوسطالوضيع الذي نشأت فيه أمه، وشعوره بأن مجيئه إلى العالم لم يكن مرغوباً فيه، علىخلق مركب النقص والشعور بالاضطهاد اللذين لازماه طوال حياته، فقد عرف الفقر والعوزوالخوف، وكان خجولاً متردداً مسرفاً في الحساسية، واضطرته ظروفه المادية إلى التنقلمن مدرسة إلى أخرى، ولم تكن حياته العائلية سعيدة،

إذ توفيت أمه وهو في الثالثةعشرة، بعد أن أنجبت لأبيه (12 طفلاً)، وتزوج أبوه مرة ثانية، مما دفع الابن إلىالوحدة والانطواء،

ثم اتجه لدراسة الطب فوجد نفسه أبعد ما يكون عنها، ثم تقلب فيالقيام بعدة أعمال منها التدريس ومكتب البرقيات والصحافة، واضطرته الفاقة إلى قطعدراسته بالجامعة مرتين، وبعد خرجه شغل عدة وظائف، فعمل مدرساً، ومساعداً لطبيب،وممثلاً، وصحفياً، وناقداً مسرحياً، وناقداً فنياً، وكان يترك كل وظيفة منها إثْرَشجار مع رؤسائه، وذلك لصعوبة مزاجه وتعقد شخصيته، ثم مارس التمثيل فترة إلى أن عينفي المكتبة الملكية بستوكهولم في الفترة من 1874 إلى 1882م وهي الفترة التي أحسفيها بشيء من الاستقرار، وفي السادسة والعشرين من عمره، أي في عام 1877 تم زواجهالأول من الممثلة (سيريفون إيسين) التي طلّقت زوجها من أجله، لكن رواسب القهروالحرمان والشك في أعماق سترندبرج جعلت من هذا الزواج عاصفة هوجاء تدمر كل شيء فكانهذا بداية حياة زوجية شقية، وقد أثمر زواجه الأول مجموعة من القصص هاجم فيها جنسالنساء وحركة المرأة فصدرت في كتاب بعنوان (متزوج) من مجلدين الأول صدر سنة 1884موالثاني سنة 1886م، وتصور هذه القصص المرأة بأنها طاغية وكائن شرس لا يندم، وأنهاخلقت لتستغل الرجل وتعبث به، وفي هذه المرحلة كتب سترندبرج مسرحية (الفرقة الحمراء) والتي وضعها في العام 1879، وحققت نجاحاً كبيراً.‏

وجددسترندبرج التجربة المريرة ثانية حين تزوج من صحفية فينيسية تدعى (فريد أوهل)، وتحولهذا الزواج إلى تجربة مريرة ثانية وانتهى بالفشل وأصيب سترندبرج بعدها بانهيار عصبيوأزمة روحية أدت به إلى الجنون تقريباً في الفترة من 1892 إلى 1898 وبقي خمسة أعوامبعيداً عن الحياة الأدبية، وخرج من جديد ليتزوج مرة ثالثة واقترن اسمه باسم الممثلةالشابة (هاريت بوس) سنة 1901 فعاشت بعده نصف قرن وماتت سنة 1962م، وبعدها بدأسترندبرج مرحلة جديدة في حياته الأدبية فأصبح من أوائل وأهم الأدباء العالميينالذين وظفوا طاقات العقل الباطن في أعمالهم الفنية والدرامية على وجه الخصوص،واتجهت اهتماماته من الطبيعة والنظريات العلمية المادية إلى دراسة الأديان الشرقية،وفلسفة شوبنهور ونيتشه، وهكذا نجده في سنة 1898 يعود إلى الحياة الأدبية بطاقةمبدعة فيكتب في أقل من اثني عشر عاماً ما يزيد عن ثلاثين مسرحية جديدة، ولقد اكتسبستوندبرج شهرة واسعة في مسرحياته التي كتبها بعد مرحلة الجنون وأصبح رائد الاتجاهالنفسي في المسرح بمسرحيات مثل (الحلم والعقل الباطن) وتأثر بهذه المرحلة بمسرحياتموريس ميترلنك (1849 ـ 1861) رائد المدرسة الرمزية في المسرح وتأثر كذلك بنظرياتسيجموند فرويد فوجد في أعمال مترلنك وفرويد أساساً يقيم عليه تفسير سلوك أبطاله،ومن هنا انطلق لكتابة مسرحياته (التعبيرية) وهي التي تسمى (مسرحيات الحلم) و(مسرحيات الغرف الصغيرة أو الخاصة) وأصبحت رؤيته للمسرح تقول بأن كلاً من صالةالجمهور وخشبة المسرح يجب أن تكون صغيرة الحجم ومختصرة وخالية من المبالغة وكان أولما كتب من هذا الاتجاه ثلاثيته المشهورة (الطريق إلى دمشق) والتي أصدر منها ثلاثةأجزاء، حيث صدر الجزء الأول والثاني عام 1898 والجزء الثالث عام 1901، وهي مستمدةمن حياته الشخصية، فالبطل يتخلى شيئاً فشيئاً عن حياته الدنيوية من ضمنها الشهرةوالنساء، وعندما لم يبق هناك شيء يتجه إلى دير غير طائفي ولا متعصب للعقيدةالمسيحية فيكرس حياته لخدمة الإنسانية جمعاء، ومن حوارات المسرحية أن شخصية منالشخصيات تقول لـه "لقد بدأت حياتك بقبول كل شيء ثم مضيت فأنكرت كل شيء والآن تنتهيحياتك بمحاولة استيعاب كل شيء" ومما لا شك فيه أن هذه المسرحية تصور أحلام وطموحاتسترندبرج من معانقة الإنسانية ومحاولته الخروج من الموضوعات المحدودة كموضوع الصراعبين الجنسين.‏

وقد بدأ سترندبرج إنتاجه بكتابة رواياتواقعية، تحوي نقداً للمجتمع السويدي، مثل (الفرقة الحمراء و 187 ) ومسرحياتتاريخية، مثل (السيد أولوف 1881) و(المتزوج 1884 ـ 1885)، و(ابن الخادم) (1886 ـ 1887)، و(الرفاق 1886 ـ 1887)، فذاع صيته نوعاً ما، ولكنه قضى على مستقبله في بلده،حينما نشر كتابه "الشعب السويدي"، الذي هاجم فيه شعبه، فاضطره الشعب إلى مغادرةالسويد، والتجوال في فرنسا وإيطاليا وألمانيا وسويسرا (1886)، وكتب في أثناء إقامتهفي باريس مسرحية (الأب 1887) و(الآنسة جوليا 1888)، و(الدائنون 1889) و(الرابطة 1892) و(جرائم وجرائم 1899) وهي تعبر عن فلسفة كيركجرد في كتابه (أما/ أو) و(شبحسونتانتا) و(رقصة الموت 1901) و(عيد الفصح 1901) و(البجعة 1907) و(عاصفة مناخ 1907)، فاتخذ لنفسه مكانة مرموقة بين أعظم كتاب المسرح الأوروبي، وتتميز مسرحياتهبالعنصر الشخصي الذي استمده من حياته الخاصة، كالصعوبات التي واجهته في حياتهالزوجية، ونواحي الضعف في شخصيته التي كان مردها شعوره بضعة أصله، وسعيه النهم وراءالحقيقة.‏