عرض مشاركة واحدة
قديم 03-20-2013, 05:59 PM
المشاركة 114
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الشاطر4
نظر نظرة إلى النجوم فلم تعاف سقما أصابه ولم تبلسم جراحا شلت حركيته ، ولم تخفف أثقالا على كتفيه الغضتين ، انزوى متقرفصا دافنا رأسه بين ركبتيه ، لم يكن الأب بعيدا عن هذا المشهد الخفي المحزن ، أرسل إليه همسة فغمزة لكن الطفل أبى الاستجابة فرشاقة أحلامه ضاعت ، و رحابة نزقه تبخرت ، واستوطنت غصة في حجم بيضة حلقه خانقة أنفاسه، وسرعان ما ذهبت بآخر حركاته فسقط مغشيا عليه ، حاول الأب إعادته إلى الحياة بقرصة فصفعة ، رشه بحفنة ماء فسرت رعشة جسده المحموم و توالى سعاله فحضنته أمه فغاب عن الوجود سابحة روحه هناك ، طوال الليل يسمعون منه شهقات وزفرات و يغنغن بكلام غير مفهوم يتكرر فيه غين فراء فباء ، باتوا الليل كله يسلون تعبهم بحكايات لا تمسح كوابيس أحلام يقظة لا تفارقهم ، ينتظرون استفاقة من نوع ما ، لكن الليل يدوم و يدوم فربما تكون عقارب الزمان توقفت عن الدوران ، كما استبد النكد بنفوسهم فلا يتزحزح قيد أنملة .
كانت طلقته إلى الغزالة دقيقة موزونة ، أصابت قرنها الأيمن فسقطت يسارا ، انتفضت بسرعة البرق وهي تنط قفزات متوالية تزداد خلالها وثباتها اتساعا ، سوسو وراءها تطوي المسافات طيا برشاقة فهد وهمة لبؤة ، تخلص من قميص الكشافة و رمى بجرابه ملتحقا بالمتسابقتين ، تعرقله بندقيته فخبأها بين أغصان شجرة مواصلا عدوه ، حذاءه يعيق سرعته فهو ممتد نحو الركبة لكن يعطيه انطباع الجندي المقاتل ، رمى القبعة بعيدا عندما بدأ العياء يستبد به ، لايزال يجري في مسالك ملتوية بين التلال حتى تفطن أنه يطارد السراب فلا الغزالة بادية ولا الكلبة ظاهرة ، أنهكت قوته فركع ساعلا ، نافثا عوالق جفاف حلقه ، اشتعلت نار التعب في صدره ، قام من ركوعه فاخضر المكان و رقرقت مياه الجداول ، فشرب و انتشى ، و فتنته طبيعة البساتين ، زهور من كل الألوان ، أعشاب مخضرة تكبره طولا وعرضا ، وصلته هبات نسمات استدار فوجدها فراشة عملاقة تؤدي حوله رقصات ، ما إن أحس بالفزع حتى سمع نغمة ناي صديق الأطفال ، محارب الأشرار ، زارع الأمل ، ماسح الكوابيس ، راعي الأحلام وإذا بصوته البطولي يقول :" أهلا بك عزيزي و صديقي " نظر الشاطر إلى قدوته فقدم له تحية مجند لرئيسه قائلا : " أنا في خدمتك عقيدي ، أرجو أن تقبلني جنديا مع فريقك الماهر ، أريد أن أشارك في محاربة الأوهام و الوساويس ." تبسم العقيد قائلا : " ربما تحتاج إلى الراحة فقد أتيت من أرض بعيدة إلى هذه الجزيرة الخضراء ، مرتع الخير و الأفكار الجميلة ، هيا معي فنحن نكرم الضيوف أولا ، و بعد ذلك ندرس طلبك ، سرعان ما تلقى العقيد ضربة قوية رمته على بعد أمتار من الشاطر ، فظهر في الأفق البعيد من واء الجبل وحش في هيئة وطواط برأس بومة ، فأرسل بعينيه أطيافا رمادية تصحر الحديقة الغناء ، وتقضي على الفراشات ففترت عزائم علي قائلا : " عذرا أيها العقيد أنا الغراب أينما قدمت يحل به الدمار ."*