عرض مشاركة واحدة
قديم 01-08-2016, 07:56 AM
المشاركة 3
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
وقد اختلفوا في اللغة أََمُتواطَأ عليها أم مُلهَمٌ إليها وهذا موضع يُحتاج إلى فضل تأمل غير أن أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة إنما هو تَواضُعٌ واصطلاح لا وحي ولا توقيف إلا أن أبا علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن سليمان الفارسي النحوي قال هي من عند الله واحتَجَّ بقوله سبحانه وعَلَّمَ آدمَ الأسماءَ كُلَّها وهذا ليس باحتجاجٍ قاطعٍ وذلك أنه قد يجوز أن يكون تأويله أقدر آدم على أن واضَعَ عليها وهذا المعنى من عند الله سبحانه لا محالة فإذا كان ذلك محتملاً غير مستنكر سقط الاستدلال به وعلى أنه قد فسر هذا بأن قيل إن الله عز وجل عَلَّمَ آدمَ أسماءَ جميعِ المخلوقاتِ بجميع اللغات العربية والفارسية والسريانية والعبرانية والرومية وغير ذلك من سائر اللغات فكان آدم صلى الله عليه وولده يتكلمون بها ثم إن ولده تفرقوا في الدنيا وعلق كل واحد منهم بلغة من تلك اللغات فغلبت عليه واضمحلَّ عنه ما سواها لبعدهم بها وإذا الخبر الصحيح قد ورد بهذا فقد وجب تلقيه باعتقاده والانطواءِ على القول به.
فإن قيل فاللغة فيها أسماءٌ وأفعالٌ وحروفٌ وليس يجوز أن يكون المُعَلِّمُ من ذلك الأسماءَ دون هذين النوعين الباقيين فكيف خصَّ الأسماءَ وحدها قيل اعتمد ذلك من حيث كانت الأسماء أقوى الأنواع الثلاثة ألا ترى أنه لابد لكل كلام مفيد من الاسم وقد تَستَغني الجملة المستقلة عن كل واحد من الفعل والحرف فلما كانت الأسماء من القوة والأوَّلية في النفس والرتبة بحيث لا خفاء به جاز أن تكتفي بها مما هو تال لها ومحمول في الاحتياج إليه عليها وهذا كقول المخزومي:
اللهُ يعلمُ ما تَرَكتُ قتالَهُم ... حتّى عَلَوا فَرسِي بأَشقَرَ مُزبِدِ.
أي وإذا كان الله يعلمه فلا أبالي بغيره أَذَكَرتُه واستَشهدتُه أم لم أذكره ولم أستشهد به ولا نريد بذلك أن هذا أمر خفي فلا يعلمه إلا الله عز وجل وحده بل إنما نحيل فيه على أمر واضح وحال مشهورة حينئذ متعالمة وإنما الغرض في مثل هذا عموم معرفة الناس لفشوه وكثرة جريانه على ألسنتهم.
وأما الذين قالوا إن اللغة لا تكون وحياً فإنهم ذهبوا إلى أن أصل اللغة لابد فيه من المواضعة وذلك أنه كان يجتمع حكيمان أو ثلاثة فصاعداً يريدون أن يبينوا الأشياء المعلومات فيضعوا لكل واحد منها سمةً ولفظاً إذا ذكر عرف به ما مسماه ليمتاز به من غيره وليغني بذكره عن إحضاره وإظهاره إلى مرآة العين فيكون ذلك أسهل من إحضاره لبلوغ الغرض في إبانة حاله بل قد نحتاج في كثير من الأحوال إلى ذكر ما لا يمكن إحضاره ولا إدناؤه كالفاني وحال اجتماع الضدين على المحل الواحد فكأنهم جاءوا إلى واحد من بني آدم فأومؤا إليه فقالوا إنسان فأي وقت سمع هذا اللفظ علم أن المراد به هذا النوع من الجنس المخلوق.
وإن أرادوا تسمية جزء منه أشاروا إلى ذلك الجزء فقالوا عينٌ أنفٌ فمٌ ونحو ذلك من أجزائه التي تتحلل جملته إليها وتتركب عنها فمتى سمعت اللفظة من هذه كلها علم معناها وصارت له كالسمة المميزة للموسوم والرسم المحتاز لما تحته من المرسوم وكالحد المميز لما تحته من المحدود وإن كانت تلك الإبانة طبيعيةً وهذه تواضعية غير طبيعية ثم هلم جراً فيما سوى ذلك من الأسماء والأفعال والحروف ثم لك من بعد ذلك أن تنقل هذه المواضعة إلى غيرها فتقول الذي اسمه إنسان فليجعل مرد والذي اسمه رأس أو دماغ فليجعل سر وكذلك لو بدئت اللغة الفارسية فوقعت المواضعة عليها جاز أن تنقل وتتولد منها عدة لغات من الرومية أو الزنجية وغيرهما وعلى هذا ما نشاهد الآن من اختراعات الصناع لآلات صنائعهم من الأسماء كالنجار والصائغ والحائك والملاح قالوا ولكن لابد لأولها أن يكون متواضعها بالمشاهدة والإيماءِ قالوا والقديم سبحانه لا يجوز أن يوصف بأن يواضع أحداً من عباده لأن المواضعة بالإشارةِ والإيماءِ وذلك إنما يكون بالجارحةِ المحدودةِ كأنهم يذهبون إلى أنه لا جارحةَ له.

يتبع ...4