عرض مشاركة واحدة
قديم 06-30-2016, 09:33 PM
المشاركة 62
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
كانت نتائج الدورة الأولى غير مشجعة ، لم أصل إلى المعدّل و هذا نادر الحدوث في حياتي التعليمية و أطلق ناقوس إنذار يصعب تجاهله ، رغم أنّني غنمت خلال أعوام الثانوي بعض النقاط التي ستساعدني على الارتقاء بمعدلي ، وحالي أفضل من البعض الذين يرزحون تحت تأثير القروض ، إذ يجب عليهم استدراك وتعويض مافاتهم خلال الموسمين الماضيين ، إلا أن ذلك لا يمنع غصّة من الجثوم على صدري ، لا أحب الهزيمة ، وهذه المرة لا أستطيع حتّى تحديد مصدرها ، أين الخلل ، لا أعرف ، الأساتذة ممتازون ، الدروس لا تحسّ فيها صعوبة ظاهرة ، هذه النتيجة لا تمثّلني و لا أمثّلها ، هي غريبة عنّي .
الفلسفة ، هذا العام وجدتها في طريقي ، تصوّروا أن تجد الفسفة ذات يوم في طريقك ، تسامرها ، تغازلها ، تشاغب بين يديك كفتاة بريّة ، تخيّل أن تجد الكثير ممّا يبعثرك من محاسن هذه الّشقية ، رغم أنه مجرّد مدخل إلى الفلسفة ، لكنه كان عميق الأثر في نفسي ، تناول المقرر الفلسفة كموضوع ثم انتقل إلى موضوع العقل والنقل ، عرج على الشخصية و وقف عند الملكية . تصوروا مثل هذا المقرر ، الشخصية وعالم فرويد و وجودية سارتر ، الشغل والملكية و صراع البرغماتية الأمريكية مع الماركسية ، و نظرة على الفلاسفة المسلمين ، و قبل هذا كله تعرّف الفلسفة ، أظنه برنامج موفق جدّا ، و الفضل أيضا يعود لأستاذ الفلسفة في جعل حصصه نابضة بالحياة ، أعطت هذه المليحة الشقية مزيدا من الجاذبية .
لم تكن الفلسفة ببعيدة عنّي ، فربمّا تقام حلقات بين الطلبة على مر الأعوام الماضية تناقش الإشكالات الفلسفية ، و نتحاور انطلاقا من تصوراتنا ، و يغني البعض تلك النقاشات التي قد تكون حادّة أحيانا ، باستشهادات فلسفية و آثار الفلاسفة ، لكن أن تلامس الشيء كما هو ليس دائما كما لو أنك تلمحه من بعيد .
في مارس ، قصدت أكادير ربما لتعبئة ملف المنحة الجامعية ، في أيت ملول وعندما انشغلت بعبور الطريق ، كانت هناك سيّارة يقودها شخص أعرفه ، بل أ ريد أن أعرفه أكثر ، غفلتني سيّارته ، تسير بسرعة ، تبتعد منعرجة عبر حيّ سكني ، لا أزال أجري وراء السيّارة لعلّني أعرف أين ستقف ، لكن لا أعلم كيف هربت منّي ، لكن يكفيني هذا ، أنت تكون هنا في الجوار ، سأجدك ، إن عاجلا أو آجلا . ستجدني في طريقك ، ما كان عليك أن تعلنها حربا ، خمس نقاط من عشرين في المواظبة والسلوك ، تصوروا أن تصل بك الأيام أن تجد من ينقّط سلوكك ، هذه هي السنة الأولى التي أجد فيها المادّة في ورقة النتائج ، مادّة بلا مقرّر و لا أستاذ و لا امتحان ، مادّة تعطى فيها الصلاحية لشخص كهذا ليقرّر مصيرك ، ليقوّم سلوكك ، قلت لرفيق يوما و أنا أمازحه ، ما التقينا هذا العام إلا لألقّنك الأدب ، غضب غضبا عارما و ردّ عليّ : "أدّبني ربي و أحسن تأديبي" .

ثلاثة أشهر فقط أو أقلّ بقليل و تنتهي هذه الأعوام الثامنية ، الطويلة جدّا ، التي أتعبت خاطري ، فالصمود أمر مرهق جدّا ، ذات سبت من شهر أبريل جئت لزيارةعائلتي ، سألني أبي إن كانت الأمور بخير ، قلت نعم يا أبي ، كل شيء بخير وعلى ما يرام ، أضاف أبي ، دراستك ، مواظبتك ، أساتذتك ، أكّدت لأبي :" كلّ شيء عاد جدّا يا أبي ، لكن لماذا تسأل ." نظر أبي نحوي والخيبة تعلو ملامحه: " لماذا أسأل ، لأنك لا تصارحني ، لأنّك تغيرت يا نورالدين ، لأنك لم تعد أهلا للثقة ." فاجأني أبي بهذه الحدّة و قلت :" أنا لا أعرف ماذا تقصد يا أبي ، و ماتقوله غريب ." أفحمني أبي قائلا : " وتكذبني أيضا ، خذ هذا الاستدعاء ، واقرأه جيدا ، و عند ذاك ستعرف ما الذي أقوله ." حاولت أن أشرح لأبي ، لكنه غضب غضبا شديدا و أرعبه ما تحمله الرسالة . " السيد لعوطار محمد ، يؤسفني أن أخبركم أن ابنكم نورالدين لعوطار لايحترم المؤسسة وقوانينها ........... لذلك أدعوكم للحضور إلى المؤسسة للاطلاع على ملفه ، قبل أن تتخذ الإدارة الإجراء المناسب في حقّه . "
كان أبي محقّا في غضبه و كان محقّا في إصراره على مرافقتي إلى الثّانوية ، لكن قاومته بشدّة ، هذه حريرتي يا أبي ، أنا سأتصدّى لمشاكلي ، يدور و يدور ، و يعود مرة أخرى : " لا سأصطحبك لأعرف ماذا يجري ." طوال تلك الليلة والدموع تنزل من عيني بلا توقف ، أحسست بالغبن ، أحسست بالظّلم ، أحسست بأن الرجل مهما حاولت أن أبتعد عنه فهو لا يزال يحفر ، ستة أشهر وأنا أتفادى الصّدام معه لأنهي هذه السنة بخير ، لكنه لا يفتأ يحفر ." رغم ذلك يجب أن تتعقل ، إن الكيس من يتحكم في أعصابه يا نورالدين ، لا تنجرف إلى ما يريد ، لا تساعده على نفسك ، أخيرا اهتديت إلى الديبلوماسية ، لعلها تمضي ما بقي من العام في سلام ، سأفاتح ثلاثة من الأساتذة في الموضوع ، من جهة ليحاولوا ثنيه عن الاستمرار في مسطرته التأديبية و إن فشلوا و ردّها في وجوههم ، كانوا لي عونا على استمالة أعضاء المجلس التأديبي عند انعقاده ، ليقفوا في وجه أي قرار جائر.
دخلت مبنى الثانوية مفتعلا أعصابا باردة ، كعادتي أضحك مع هذا ، أرفع يدي لتحية ذاك ، وهكذا مضى اليوم الأول دون أقدم على خطوة ، لكنّني استفسر عن القوانين ، لأتموضع في الصورة كاملة . في اليوم الثّاني مساء ، وبينما كنت عند الفرنسية ، طرق طارق الباب ، خرج إليه الأستاذ تحدثا قليلا ، نطق الأستاذ " سي بغوبابل ، كيلكان باغمي فو أ دي بغوبليم أفيك لادمينيستغاسيون ، سيفغي نوغدين !" انتفضت لكأن عقربا لسعتني ، آه أنت لن تتركني أتصرف بحلم ، إذا لم يكن من الموت بدّ ، فمن العار أن يموت الإنسان جبانا . متسرّع أنت ، كان يجب أن أبحث عنك بجد ّ في أيت ملّول . أتقدم نحو الإدارة يظهر لي الحارس العام واقفا بقامته الطويلة وجسمه الثابت ، معه رجل في بذلة أنيقة شاربه الأسود الكث بارز في ملامحه ، أنت كلّك هنا ، غير معقول يا عمّي ، ما هذه الصّدفة الحسنة ، ما هذا يا رجل ، من غير ميعاد ، حضنني بين ذراعيه كما تحضن الأم رضيعها ، ضممته إلى صدري ضمّة البارّ لوالدته ، افترقنا لنعود من جديد، لمحت يد الحارس العامّ ممتدة ، هل أركلها برجلي ، أم أمدّ يدي ، أنا مؤدّب يا رجل ، سلمت عليه وهو ينطق: " يمكنك مرافقة عمّك . " خرجنا من الثانوية ، قدّم لي عمّي سيجارة ، قلت : " لا يا عمّي ، ربما لم أعد أدخن." قال:" منذ متى"، " قلت :" منذ يوم السبت ، حين أسمعني أبي ما لا تريده نفسي ." تبسم و قال :" أوقد السيجارة ، أمّا الحارس العام فأنا علّمته كيف يجب أن يحترم النّاس ولا يحتقرهم ، هذا فعلا بعد أن سمعت مالديه ، و وقفت على ثغرات في كلامه ، حينها حدثته أنّني سأذهب إلى الوزارة في الرباط ، متى حدث شيء لهذا الولد ، وذكرته أنك أمضيت ثمان سنوات هنا دون الوقوع في أية مشاكل ، فلماذا إذن في عام مصيري كهذا ؟ لمحت أنه يبتلع ريقه ، فخففت عليه ، وأعطيته عنواني ليتصل بي بدل أبيك متى وقع شيء ، لكنه في النهاية حدثني أن المشكل انتهى إلى غير رجعة . " دفعني عمّي وقال :"تنفّس و انشرح ، ماذا ينقصك ." نشرب القهوة حين سألت عمّي : " ما جاء بك هنا يا عمّي ؟ "