عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
6

المشاهدات
3504
 
عبدالأمير البكاء
من آل منابر ثقافية

عبدالأمير البكاء is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
342

+التقييم
0.07

تاريخ التسجيل
Mar 2010

الاقامة
العراق / النجف الأشرف

رقم العضوية
8844
11-25-2010, 06:08 AM
المشاركة 1
11-25-2010, 06:08 AM
المشاركة 1
افتراضي القلوبُ المُعادة
القلوبُ المُعَادة
في سني الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية على العراق في الثمانينات من القرن الماضي ، مُنع استيراد المواد الأولية لكافة الصناعات العراقية ، وكان من جملتها حبيبات البلاستك الملونة التي تستعمل في صناعة أكياس النايلون والأباريق والأحذية وأواني المطبخ والكراسي البلاستيكية ، فاضطـُّرت المعامل الى شراء التالف من هذه المصنوعات بالأطنان من الناس ، وجمعها بألوانها المختلفة في أفران ، ثم إعادتها الى مصنوعات مماثلة للأصلية ، فتسمى حينذاك بالمصنوعات ( المُعَاد) تصنيعها ! فتنزل الى الأسواق رديئة التصنيع ، قبيحة المنظر لاختلاط ألوان مكوناتها ، مشوهة الأشكال والأحجام ! ولن ينسى العراقيون تلك النكتة التي كانوا يتندرون بها في أيام الحصار،عن ذلك القروي الذي اشترى نعالا مُعادا _ أجلكم الله _ فسأله النعال مناديا له باسمه : فلان هل تعرفني؟ فقال كلا ، قال : لكنني أعرفك وأعرف علامات (جسدية ) كثيرة فيك ! فقال القروي : من أنت ؟! قال : أنا إبريق الماء الأزرق الذي كنتُ في حمامكم قبل سنة، فثقبتموني ورميتموني في الشارع ، فأخذني المارة مع خمسة من أقراني ! وباعوني الى معمل البلاستك ، فأعادني الى ما ترى !! ذكرتني هذه الحال حين مرَّ علينا نحن المسلمين عيد الأضحى المبارك مرور الكرام ! فلم نعد اليوم كما كان آباؤنا وأجدادنا حين يستقبلون العيد بالأفراح والتهاني النابعة من القلوب بصدق وعفوية، يستعدون له بشراء الحلوى والكيك والشموع والبخور ، ونستعد نحن الصغار بأول أيام العيد بارتداء الملابس الجديدة ، والفرحة لا تسعنا ونحن نقف أمام باب غرفة أبوينا صباح العيد لمباركتهما وتقبيل أيديهما ، واستلام اُولى ( العِيديات) النقدية منهما ، وحين تتابع زيارات الأقارب والأصدقاء على بيتنا ، تتضاعف أفراحنا ، لأن زيادة المهنئين لنا ، تعني زيادة في رصيدنا من النقود التي ستملأ جيوبنا ومحفظاتنا ، غير آبهين بما سيدفعه أبوانا لأولاد الأهل والأقارب من مبالغ كرد للجميل ، وإن كانت تلك المبالغ أكثر مما جنينا نحن من آبائهم !.. كنا نبالغ وأهلنا في العيد في رش العطور على ملابسنا ووجوهنا ، وكنا نعتني بتنظيف أسناننا أكثر من كل يوم ونمضغ ( حب الهيل ) في أفواهنا ، لأننا كنا نعلم جميعا أنْ سيكون تقبيلنا وعناقنا للزائرين طويلا وحميميا تتخلله (شمَّة ٌ) للخدود قوية ، تعبر عن تعانق القلوب قبل الأيدي والخدود ...ولم يكن نوع الأكل عند اجتماعنا على مائدة الغداء مهما ، بل كان المهم هو تلك الأحاديث الجميلة المفرحة ، والنكات المضحكة على المائدة ، ما يضطر بعضنا لترك المائدة من شدة الضحك والمزاح ،ثم نخرج بعدها جميعا للمتنزهات ومدينة الملاعب أو لزيارة معارفنا الذين لم تسنح لهم الفرصة لزيارتنا .
أما اليوم ، فالقلوب باتت قاحلة حد التصحر ، والنفوس تغربت رغم قربها ، وصارجهاز الموبايل البارد ، بديلا عن تلاقينا وتعانقنا الحار، فلا ينفك ذلك الجهاز اللعين يرن بنغمة الرسائل ، طيلة أيام العيد ، حاملا لنا الرسائل الممجوجة الغبية ، المكررة عباراتها و المنقولة من تهاني العيد السابق ، أو المأخوذة من دفتر الرسائل المنتشر على أرصفة شوارعنا ، فلا حرارة ولا انفعال في تعابيرها (الشعرية) التافهة ، التي تكاد في كل مرة تصفعني حين تـُرسل إلي ! أما إذا ما تكرم أحد المعارف فزارنا أو زرناه كإسقاط فرض أدبي أو ديني،
فإن التهاني والتبريكات خالية من الطعم والرائحة ، والعناق بات محذوفا فيما بيننا ، وبوسة العيد صارت باردة تافهة ومنزعجة من رائحة (البايسين !) المليئة بدخان التبغ الرديء!! أية قلوب ( مُعادة ) بتنا نحملها معاندين ؟ وأية محبة زائفة نجامل بها خواصنا ومعارفنا فيجاملوننا بالمثل راضين وعارفين ؟! وأي تزلف نشد الرحال به إلى المسؤولين والمتنفذين ، لنعايدهم مسرعين الى تقبيل عيونهم وأكتافهم وجباههم ، حتى إذا عاد العيد عليهم وهم خارج القرار ، فلا عيد ولا تزلف ولا تقبيل!! اللهم أعد لنا قلوبنا في مصنع رحمتك وعطفك ، واجلِ عنها دَرَنَ النفاق والدجل والرياء ، فإنك قلت مبتدءاً وقولك الحق : فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
فاكتب لنا ياسيدي رحمة منك تـُذهب بها عمى قلوبنا ، التي ترجو عطفك ورأفتك بنا ، ومَنـَّك علينا لأنك أنت أرحم الراحمين .


عذرا سادتي لورود بعض الألفاظ التي أجلكم عن سماعها عني ،وألفت أنظاركم الكريمة الى أن استعمال الضمير( نا ) لم أقصد به
الجمع في المخاطبة ، بل النسبة الأكبر والأعلى من أفراد مجتمعنا
تحياتي مع المودة