عرض مشاركة واحدة
قديم 06-16-2017, 01:27 AM
المشاركة 37
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
كيف تحوّل الحياة الواقعية إلى رواية؟ ...سوزان بريين
(ترجمة : موسى بهمن)



يضحك الناس دائماً عندما أخبرهم عن فكرة روايتي الخيالية، والتي تدور أحداثها حول امرأة تجاهد في سبيل علاج علاقتها الصعبة مع أمها. وكانت هذه المرأة تعطي دروساً في الروايات الخيالية لمجموعةٍ متنوعة الفئات في مانهاتن. ما المضحك في هذا؟

حسناً، كنت أعاني بسبب علاقتي المتوترة بأمي، أعطي دروساً في الروايات الخيالية لمجموعة من الكتّاب في مانهاتن. وكما هو واضح فأنا كنت اقتبس الرواية من حياتي الشخصية. التي قد تبدو مفبركة بعض الشيء. كم ستكون صعبة هي الكتابة عن مواقف مررت بها فعلاً؟ أليس هذا ضرب من اللامبالاة؟


ما تبين لي، من خلال ذلك، هو أن اقتباسك لقصص أناس تعرفهم قد يكون خادعاً بعض الشيء. لكن المشكلة الحقيقية هي أن الناس لا يميلون إلى معايشة الحياة السردية. فمعظمنا يكرر الأفعال نفسها يومياً باختلاف بسيط بين يوم وآخر، كما نخضع لخيارات متعددة ونواجه لحظات مثيرة، وهذه اللحظات لا تأتي دائماً في مكانها الحقيقي ضمن الرواية الجيدة. هذه أكثر مسألة شغلتني عند كتابتي عن أمي وعلاقتنا المتوترة، وتقدّم هذا التوتر لسنوات وسنوات حتى لم تعد هناك لحظات مثيرة في سوء تفاهمنا. لم أصفع رأسي وأقول: “آها! الآن فهمت.” بدلاً من ذلك، ومع مرور الوقت، تحسّنت علاقتنا شيئاً فشيئاً. هكذا هي الحياة، لكن كيف يمكنك أن تستخرج قصة من هذا؟


دعوني أطلعكم على القليل. كنا أنا وأمي على وفاق تام، لكنها عندما مرضت أصبحت بحاجة لرعاية صحية على مدار الساعة وكان من مصلحتها أن أقوم بنقلها إلى دار الرعاية. هذه الخطوة جعلت والدتي تشعر بالغضب وأنا شعرت بالذنب ونتيجة ذلك كان هناك الكثير من التوتر. كل زيارة لها كانت بمثابة تعذيب. لكن ذلك كله تغيَر، ًبشكل غير متوقع، عندما حصلت على وظيفة تدريس في ورشة عمل للكتاب.


كنت أعطي درساً واحداً في الأسبوع، ولكنني كنت أحب هذا الدرس وأحبت والدتي السماع عنه، وبشكل غير متوقع، عمَّ السلام بيننا من خلال مناقشات مختلفة حول الخيال والكتابة والأحلام. بعد وفاة والدتي، كنت مفطورة القلب، لكنني شعرت أيضاً بالمباركة التي منحتها لي عندما أتاحت لي فرصة ثانية كي نكون صديقتان.
أردت أن أسرد قصتنا، كوسيلة لإبقاء والدتي على قيد الحياة، حتى وإن اقتصرت هذه الحياة على الورق، ولأنني كنت مُستَهلَكة من قِبل هذه التجربة برمّتها. شعرت بأن عليّ أن أقول شيئاً، وأنا على يقين من أن الرواية ستتدفق مني على نحو جيد – كيف لا وأنا بهكذا حماس؟ – جاءني العنوان فورًا: الأمُّ التي لي (The Mother of Mine).


كتبت خمسين صفحة في أسبوع. وبعد ذلك وصلت الى النهاية. ولم يكن هناك ما يقال أكثر. كانت لدي بعض المشاهد الجيدة، ولكن لم يكن هناك أي محرّك لهذه القصة، قراءتها كانت تشبه قراءة اليوميات كثيرًا. إنها من النوع الممل. فيها كثير من المبالغة، ابتعدتُ عنها لفترة. لكن بعد ذلك، وجدت نفسي أعيد بناء الشخصية الرئيسية، التي كانت بطبيعة الحال، تشبهني إلى حد كبير..


في النسخة الأولى من الرواية؛ باتسي: “نعم، كان ذلك فعلاً أخرقاً بعض الشيء، لكن هذا ما أسميتها به” عمرها 46 سنة، متزوجة، ولديها أربعة أطفال. بصراحة، لم أوليها الكثير من التفكير، اعتقدتُ بأنني لست بحاجة للقيام بأي ملفات شخصية لأنني كنت أعرف ما هي ردة الفعل التي سأقوم بها في كل وضع مختلف. لم أكن بحاجة للتفكير في شيء، أليس كذلك؟ لكن الآن وجدت نفسي مصابة بالإحباط بسبب القيود المفروضة على الكتابة عن نفسي وكنت أرغب في التقدم أكثر من ذلك. بعد ذلك برزت فكرة غريبة في رأسي. ماذا لو كانت الشخصية الرئيسية تحمل اسماً لا يشبه اسمي بتاتاً، اسم مختلف جداً عن باتسي، أو سوزان، هذا قد يغير طريقتي في النظر لها. ماذا لو كانت تحمل اسماً غير مناسب تماماً؟ اسم مثل، أرابيلا.


لطالما أحببت روايات جورجيت هاير وكانت رواية أرابيلا هي المفضلة بالنسبة لي، لكنني كنت أرى كيف يصيب الإحباط من تلقبّها والدتها باسم كهذا. خاصة إذا كانت الشخصية شديدة الحساسية. قد يكون شيئاً محرجاً أن تلقّب بـ أرابيلا خاصة إذا لم تكن تعيش حياة رومانسية. ثم فكرت؛ كيف يمكن لأم أن تسمّي ابنتها اسم كـ أرابيلا قد يوحي بعدة معاني، وقد يكون من الصعب على ابنتها العيش بهكذا اسم أيضاً. لكن مجرد تغيير بسيط في التفاصيل ساعدني في الحصول على بعض المسافة بيني وبين الشخصية، ومنذ أن حظيت بتلك المسافة، كان بإمكاني البدء في رؤية احتمالات أخرى ومؤثرة كثيراً.


ماذا لو لم تكن أرابيلا متزوجة وأم لأربعة أطفال، وكانت عزباء وأصغر سناً؟ ماذا لو أنها كانت وحيدة بلا أخوة؟ في الحياة الحقيقية، لدي شقيق يهتم بي، ولكن من خلال إخراجه من القصة، سلبتُ من أرابيلا بر الأمان، حيث يجب عليها الاعتماد على نفسها. إذا ما ساءت معها الأمور. وبعد ذلك، لو كانت عزباء، فهذا سيفتح لها آفاق من الاختيارات. لديَّ الآن حبكة واقعية بخيارات عديدة ولا تشابه واقعي فعلاً. أصبحت عندي الآن شخصية تشبهني بما يكفي لأستشعر إحساساتها بشكل جيد، ومختلفة عن حقيقتي بشكل كافٍ.


والآن، بعد أن حققت بعض النجاح في شخصية أرابيلا، بدأت أنظر إلى الأم. ماذا لو أنها لم تكن تماماً مثل والدتي. كيف سأحافظ على أطباعها التي أرغب في المحافظة عليها، مثل شجاعتها، مشاكساتها، روحها المرحة. ولكن هل ستكون هذه الصفات مؤثرة في الرواية؟ في واقع الحياة، أمي تحب القراءة، لكنها ليست مهتمة في كتابة القصص. بينما هذه الأم الخيالية قد ترغب في كتابة شيء ما، خاصة إذا كانت حياتها تفتقد للسرية وكانت تتصارع لفهم حياتها كاملة. والدتي الحقيقية لم تذهب قط إلى عرّاف؛ لم تتَح لها الفرصة التي أتيحت لأمي الخيالية في المكسيك، لكنه كان حقيقياً بالنسبة لي، كان هذا تخمين لأشياء قد فعلتها -أمي الحقيقية- فعلاً.


أما أكثر الأفكار براعة وجدتها عندما بدأت في التفكير حول صف الكتابة الذي تقوم أرابيلا بتدريسه. في البداية كنت أتوقع أن صفّها سيأخذ نفس المجرى الذي سلكه صفّي، حيث أنني على وفاق مع الجميع. لكنني بدأت بالتساؤل، ماذا سيحدث لو كانت هناك خلافات بين أرابيلا وصفّها. ربما لم يكن طلبتها متواضعون مثل طلبتي، لذا يتحتّم عليها أن تعاني معهم، ويجب عليها من خلال هذه المعاناة أن تقوم باكتشاف نفسها. على سبيل المثال، غالباً ما تكون هناك طالبة في الصف تعتقد أنها تعرف أكثر من الذي أعرفه أنا (وقد تكون على حق). ولكن ماذا لو جعلتُ هذه الطالبة عدوانية، واحتدم النقاش بينهما في أحد الدروس. كيف ستتصرف أرابيلا إزاء ذلك؟ في جعل شخصيات الطلاب أكثر تطرفاً، أكون قد أعطيت أرابيلا جرعة تتطور من خلالها.


ميزة الكتابة عما تعرفه تكمن في أنك تكتب حول أشياء تشعر بها بشدّة، وعيبها هو أنك تتعمّق في الموضوع لدرجة تشعر معها بالرتابة والسطحية. بواسطة اللعب بصفات الشخصيات الحقيقية التي تعرفها، يمكنك بعث حياة جديدة في شخصيات روايتك، وأخذ قصتّك لأماكن غير متوقَّعة.

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..