أستاذي الكريم تزورني الآن ابتسامة بطعم الألم حين تأخذني دوّامة الزمن إلى سنين طفولتي .. أنظرني وأنا في سنّ الثانية عشرة حين كنت أظن وقتها أني صرت رجلا , كنت أتوسّل السنين أن تجري , أن تطوي العمر طيا لأتخلّص من طفولتي التي دقّت كمسمار في صورة والدي الغائب .. بقيت كنبتة ذابلة تهفو لقطرة ندى .. كل الأزهار وجدت من يسقيها ويرعاها .. إلا زهرتي بقي يداخلها الذبول .. بقيت جوعان لبسمة من والدي , محتاج لضمّة من يديه , لهدهدة , لقبلة .. لوقت أطول أتأمّله فيه . سكنتني صورته فحاولت التخلّص منها .. رسمته فنصحوني بالدراسة .. كتبته .. نعم حاولت أن أكتب قصة عنه .. عن عمله .. عن لحظة موته كما رواها لي أخي الأكبر, وكما عدّلتها أمي .. تخلّصت أخيرا من صورته .. كبرت الآن .. صرت رجلا يعرف خبايا الأمور .. أخذت كراسي التي حبّرت صفحتين منها حتى اكتملت أحداث القصة .. أسرعت بها نحو أمي وتربّعت أمامها وطفقت أقرأ بصوت قويّ مرة وخفيض أخرى وفزع مرات كثيرة .. استوقفتني دمعة تخللت شعري وشهقة من صدر أمي .. انسحبت دون صوت مني ودون تعليق منها .. دلفت غرفة أخي الأكبر , ولما لمح الكراس بين يديّ أمرني بالخروج متعللا بالتعب , وكذلك فعل معي أخي الأوسط ..