عرض مشاركة واحدة
قديم 01-17-2011, 11:40 PM
المشاركة 24
سحر الناجي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي



* الفلسفات الكبرى
الفلسفات الكبرى في التاريخ هي تلك الفلسفات التي استطاعت أن تنشئ تصورا جديدا للمعرفة وأساسا لها خاصا بهذه الفلسفة. وهذا ما حدث في التاريخ في أكثر من تجربة، نعلم أن أفلاطون قدم للعالم تصورا عن المعرفة والوصول إليها جديدا وكذلك فعل أرسطو وديكارت وكانط وهوسرل وهايدجر وعدد آخر من الفلاسفة. كل من هؤلاء لم يرض بما أسس من قبله وقام بإعادة التأسيس من جديد، ونعلم أن المعرفة البشرية حققت معهم دفعات هائلة للأمام.
من يستطع أن يتصور هذه المهمة يعلم أنها مهمة عسيرة وهائلة ولكنها ممتعة وحقيقية، فانشغال الإنسان بنفسه وإعطائها كل هذا الاهتمام والجهد هو ذو ثمار كبيرة أهمها ثمرة التعرف على الذات ، التعرف الذي يتحقق معه تلك القدرة على الاكتفاء بالذات والاطمئنان إليها ، تلك المعرفة التي تحقق للفرد توازنا يحفظ له القدرة على الاستمرار في مسيرة الحياة ويحميه من الوقوع في براثن الآخرين. أما صعوبة هذه العملية فهي ناتجة بسبب أن الفرد لا يصل إلى الوعي بأهمية هذه المهمة ، أي مهمة العودة إلى لحظة الصفر المعرفية إلا بعد أن يكون قد تشرب المعارف السابقة وتمكنت منه وهو بهذا يواجه كيانه المعرفي كله ، كيانه الذي يرى من خلاله ذاته والعالم من حوله ، كيانه الذي هو وجوده. هذه المهمة إذن تتطلب واجب مواجهة الوجود الخاص ،الوجود الذي هو حتى الآن من صنع الآخرين ، من تشكيلهم هم وأنا فيه كالغريب. إن هذه المهمة هي استعادة السكن في العالم الخاص. المهمة التي تتطلب تفكيك البيت الأول، بيت الآخرين ، وبناء البيت الخاص مكانه.أليست مهمة بناء منزل خاص مهمة أساسية دائما؟!
وإذا كانت المهمة السابقة هي مهمة الفلسفة الأولى فإنها بتصور أخف مهمة الفرد الحر العاقل المتمكن من أدوات المعرفة أيضا. فالفرد الذي يريد أن يعيش بحرية واستقلال لا يمكن له أن يتجاوز هذه المهمة أيضا. باعتبار أنه لا يمكن أن يحقق الفرد تحررا حقيقيا في سلوكه وآرائه وقناعاته دون أن يلتفت أيضا ، بإنصات وبتعمق لما لديه من معرفة سابقة. فالمعرفة السابقة التي اكتسبناها من التربية والدراسة والحياة العامة هي النظّارات التي نرى من خلالها كل شيء ، كل شيء يأخذ قيمته من خلال هذه المعرفة وبالتالي فإن كل عملية تحرر واستقلال لن تكون حقيقة دون نزع هذه النظارات والنظر بالعين الخاصة. العين التي قد لا تكون جاهزة في البداية بشكل واضح ولكنها ستقدر على الرؤية بوضوح مع استمرار الجهد في تشكيلها. في هذه اللحظات تكون لي عيني الخاصة ورؤيتي الخاصة التي أعبر من خلالها عن حريتي الحقيقية.
بالطبع لا يستطيع الإنسان أن يخرج عن مشاركة الآخرين في المعرفة وتجربة الحياة ولا يستطيع أن يشكل تجربة خاصة لا يكونون مشاركين فيها هذا صحيح ولكن المقصود هنا هو أن يتوفر الفرد على وعي أساسي بطبيعة المعرفة التي يمتلكها وعن حاجتها المستمرة والدائمة للمراجعة والفحص ، أن يملك منها وعيا يحدد له باستمرار دوره فيها. هل معارفي التي أعيش بها ، هي معارف أنا أنتجتها أو أخذتها عن قناعة ووعي وفهم إنها تلك التي أدخلت إلى عقلي منذ البداية وما أنا إلا وعاء لها ، أعيش بها وأنا غريب عنها غربة ستنعكس بالتأكيد على تجربة العيش والحياة بالتأكيد.
عملية العودة إلى الذات لمراجعة ما فيها من معارف مهمة تحتاج أساسا إلى شرط الانفتاح ، الانفتاح الذهني والروحي.
هذا الانفتاح هو الذي سيدخل المعرفة الخاصة في سوق المعارف لتبدو شريكة في الساحة وهذا تطور كبير جدا باعتبار أن الفرد يرى أن معرفته الخاصة ..
وهي معرفة تمتاز عن معرفة من يختلف معهم بأنها صادقة تماما وحقيقية وأنها أفضل المعارف وأوثقها ويعجب أن البقية لا يسيرون بهداها.
هذا هو الموقف السائد والدارج وعملية الانفتاح هي عملية تقضي على هذا الحاجز والعائق الكبير فمع الانفتاح تصبح المعرفة الخاصة جزءا من المعرفة الكبيرة العامة
وتحقيق هذا الشعور بالمشاركة سيفتح بالتأكيد فرصة للتواصل مع المعارف الأخرى التي ستتفاعل مع المعرفة الخاصة لتخرجها من حالة الركود والسكون إلى حالة الحركة والتفاعل.
الانفتاح إذن هو الفضاء الذي تتم فيه المهمة الأولى. وعلى قدر وعي الفرد بأن هذه المهمة هي المهمة الأهم والأجمل والأغنى في الحياة تكون النتائج المثمرة عنها.
بقلم : الكاتب السعودي عبدالله المطيري