عرض مشاركة واحدة
قديم 09-18-2010, 08:34 PM
المشاركة 18
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وهذه الخطبة الثانية لنفس الخطيب:

الخطبة الثانية:
الحمد لله ...
أما بعد: أيها المسلمون: الله عز وجل جابر كسر اليتيم، ورافـعٌ قدره، ومن كُتب عليه اليُتم وهو ضعيف، فالجنة مـأوى المستضعفين من المؤمنين، قال عليه الصلاة والسلام: "ألا أخبركم بأهل الجنة، كل ضعيف مستضعف، لو أقسم على الله لأبره" متفق عليه.
اليتيم فرد من أفراد الأمة ولبنة من لبناتها. غير اليتيم يرعاه أبواه، يعيش في كنفهما تظلله روح الجماعة، يفيض عليه والداه من حنانهما، ويمنحانه من عطفهما، ما يجعله بإذن الله بشراً سوياً، وينشأ فيه إنشاءً متوازناً. أما اليتيم فقد فَقَدَ هذا الراعي، ومال إلى الانزواء، ينشد عطف الأبوة الحانية، ويرنو إلى من يمسح رأسه، ويخفف بؤسه، يتطلع إلى من ينسيه مرارة اليتم وآلام الحرمان.
كم من أم لأيتام يحوم حولها صبيتها وعينهم شاخصة نحوها، لعلهم يجدون عندها إسعافاً.
إن اليتيم إذا لم يجد من يستعيض به حنان الأب المشفق والراعي الرافق، فإنه سيخرج نافر الطبع، وسيعيش شارد الفكر، لا يحس برابطة، ولا يفيض بمودة، وقد ينظر نظر الخائف الحذر، بل قد ينظر نظر الحاقد المتربص، وقد يتحول في نظراته القاتمة إلى قوة هادمة.
أيها المسلمون: من خيار بيوت المسلمين بيت فيه يتيم يُحسَن إليه. إن خفض الجناح لليتامى والبائسين دليل الشهامة، وكمال المروءة. صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وتحفظ من المحن والبلايا. إن كنت تشكو قسوة في قلبك فأدْن منك اليتامى، وامسح على رؤوسهم، وأجلسهم على مائدتك، وألن لهم جانبك. إذا رجوت أن تتقي لفح جهنم فارحم اليتامى وأحسن إليهم (وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُوراً، إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً، فَوَقَـٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّـٰهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً).
لقد تحرّج الذين عندهم أيتام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمعوا القوارع في مثل قوله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)، فعزلوا طعام الأيتام وشرابهم، فصاروا يأكلون منفردين، ويعيشون منعزلين، وامتنع آخرون من كفالة اليتيم تحرجاً وتعففاً، وكان هذا موضع حرج آخر، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنـزل القرآن مجيباً لهم: (وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَـٰمَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوٰنُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لاعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم). وكم من نُظَّار على أوقاف، وأوصياء على أيتام انزلقوا في الشبهات، ثم ترقوا إلى المحرمات، فغلبتهم أطماعهم حتى أصبح واحدهم غنياً من بعد فقر، قاسياً من بعد لين، فويل لهم، ثم ويل لهم: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرا). وفي الحديث: "أربع حق على الله ألا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها: مدمن الخمر، وآكل ربا، وآكل مال اليتيم، والعاق لوالديه". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحرِّج مال الضعيفين المرأة واليتيم" أي أوصيكم باجتنابهما.
أيها المسلمون: وهناك يُتم من نوع آخر، معه أبواه لكنه يعيش حياة الغفلة، وأعداد هؤلاء يتضاعف مع مرور الأيام وكثرة المشاغل والملهيات، فالأب مشغول في وظيفته أو تجارته أو سهرته أو سفرته، والأم كذلك قد تركت ولدها للخادمة، وأصبحت مشغولةً بين السوق والوظيفة، وبين الأزياء والموضة. وحين يكبر الولد وينتهي من رعاية الخادمة ويملك الخروج من المنـزل ولو مع صغر سنه، فإنه يلتقم ثدي الشارع، ويختاره سكناً بدل البيت، ليقطع فيه جُل الوقت. هذا يسمى يتيم التربية!
ليس اليتيم من انتهى أبواه مِن همِّ الحياةِ وخلّفاه ذليلا
فأصاب بالدنيا الحكيمةِ منهما وبحسن تربيةِ الزمان بديلا
إن اليتيمَ هو الذي تلقى له أمّاً تخلّت، أو أباً مشغولا
إننا لا نطلب من الرجل ولا من المرأة أن يتركوا أشغالهم التي يطلبون منها لقمة العيش، لكننا نقول لهم: إن فترة الغياب الطويل عن الأولاد لها أثر كبير. ولذا كان من الضروري على الزوجين تخصيص أوقات كافية للجلوس مع أبنائهم، واصطحابهم، وحل مشكلاتهم، وإشراكهم معهم في الحياة.