عرض مشاركة واحدة
قديم 06-30-2011, 10:31 PM
المشاركة 18
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،
قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود

محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:

اقتباس "

-8-

المنشار يسقط منيدي, ويبتر قدمي اليمنى.. أزحف إليها باكيا لا أشعر بألم ساقي التي ينفجر منها نهرأحمر. ممدة وجدتها على السرير الذي تيبس من دمائها.. حبيبتي ميتة, لا نبض فيها, تبدو هادئة كعروس نائمة لولا الدماء التي تغطيها.. ضممتها بقوة فسقطت ورقة بقربها, يبدو أن شيئا مكتوب عليها, كان خطا متعرجا مرتعشا.. "هذا ما جنته يداي", ذلك ما كانمكتوبا. أمسكت الورقة بين أصابعي وعصرتها, ووضعتها في جيبي وأنا أكاد أن أختنقبدموعي .. حملت المنشار وتمددت بجانبها, فاصطبغت الغرفة باللون الأحمر القاني إلىالأبد.

يبدأ القاص الفقرة الأخيرة من القصة بالرقم الكودي (8)، واقل ما يقال عن هذه الفقرة الأخيرة أنها تمثل سلسلة من القنابل الذهنية المتفجرة. فبعد أن أوصلنا القاص إلى ذروة الشد والإثارة بالصعود إلى العلية درجة، درجة، ومن ثم فتح البطل لباب الغرفة بإدارة المقبض إلى اليمين على تلك الشاكلة، لتصيب البطل صدمة جعلته يكاد يختنق بمشنقة من الشوك، وهو ما مثل انقلابا حادا في الحدث وشخصية البطل، وشكل أيضا صدمة للمتلقي الذي يتفاجأ بهذا الانقلاب الحاد، وحيث نظن والحال كذلك بأن القاص قد افرغ جعبته من كافة عناصر الشد والإثارة والإدهاش، نكتشف بأن الحدث في هذه الفقرة يتطور بصورة درامية مزلزلة، وغاية في التأثير والشد والادهاش وبشكل مغاير وغير ومتوقع.
فقد راع البطل الشرس المفترس، ما رأى في تلك الغرفة، فيسقط المنشار من يديه (المنشار يسقط منيدي)، وفي حدث السقوط حركة وحيوية، ويبتر المنشار قدم البطل اليمنى، وفي ذكر اليمنى استحضار للتراث الشعبي والديني المرتبط بالرجل اليمنى، وقد يكون من الرموز الكودية التي حرص القاص على تضمينها لتضيف بعدا جديدا لشخصية البطل، فهو يدخل البيوت برجله اليمين. وربما أراد القاص أن يلمح هنا بأن ما أوصل البطل إلى كل ذلك الشك القاتل هو في الواقع تلك التراكمات الثقافية التي شكلت وضعه النفسي، وقد تكون هذه هي الفكرة الدفينة للنص.
ولا بد أن هذا التطور الفجائي غير المتوقع في الحدث، بل والمستبعد يشكل صدمة مروعة ويزلزل المتلقي، وفي زحف البطل باكيا نحو تلك المرأة بعد أن قُطعت ساقه بالمنشار الذي كان يحمله لقتلها تطور آخر متلاحق، وفيه مزيد من الحركة، وفيه استثارة لمشاعر المتلقي، وذلك من خلال ذكر البكاء من ناحية، وذكر كلمة اشعر من ناحية أخرى (أزحف إليها باكيا لا أشعر بألم ساقي). وفي وصف نزف الدم من ساق البطل (التي ينفجر منها نهرأحمر) ما يزلزل المتلقي حيث يشبه القاص ذلك النزف بالنهر، فيستثمر القاص بذلك مزيد من الحركة، ولكن في أقصى حالاتها هذه المرة، فالحركة هنا جريان دم كما يجري النهر، كما ويسخر القاص هنا اللون الأحمر ليضيف بذلك إلى المشهد مزيدا من الرتوش المهمة، ونلاحظ هنا بان القاص يذكر ثلاثة أعضاء من جسد البطل وهي ( الأيدي من حيث يسقط المنشار, والعيون حيث يبكي، والساق التي يبترها المنشار)، وكأن القاص يمنح بذلك بطل القصة الحياة، فلا يملك المتلقي إلا أن يتزلزل لهول الموقف وفداحة المشهد وقد اصطبغ بالدم الأحمر النازف من ساق البطل الذي صار اقرب إلى الحياة منه بطل في قصة من خلال ذلك التصوير الدقيق لما حصل له.
وما يلبث القاص أن يفجر قنبلة ذهنية أخرى اشد وقعا، فها هي تلك المرأة ممدة على السرير الذي تيبس من دمائها (ممدة وجدتها على السرير الذي تيبس من دمائها)، ويا لهول المشهد! فان كان الرجل (بطل القصة) قد قطعت ساقه، فانفجر منها نهر من الدم، ها هي تلك المرأة تسبح في بحر من الدماء، ولا يتوقف الشد عند القاص هنا، فنجده يفجر قنبلة أخرى في ذهن المتلقي وذلك بالإخبار عن موت تلك المرأة، وبالتأكيد على موتها بقوله أن لا نبض فيها، فلا مجال للشك أنها ميتة، ويكرر ذكر الدماء لمزيد من الشد والتصعيد في المشهد، ونجده يستثمر التضاد والألوان بحديثه عنها نائمة وهادئة كعروس لولا الدماء التي تغطيتها. فمن ناحية نجد أنفسنا ننظر إلى امرأة نائمة هادئة كعروس تلبس فستانها الأبيض، لكن نومها يأتي في جو مرعب وهي تغرق في الدماء الحمراء.
ثم نجد بأن القاص قد ادخل تحولا جديدا على شخصية البطل التي ظلت دينامكية عبر النص, وتحولا آخر في تطور الحدث، فبعد أن تم تهيئة المتلقي لمشاهدة مشهد قتل بالمنشار، نجد بطل القصة، منكسرا، زاحفا، باكيا نحو جثة زوجته الغارقة في بحر من الدماء، ونهر من الدم يتفجر من ساقه، وينقلب مشهد القتل الذي كان المتلقي قد تهيأ لحصوله إلى مشهد يضم فيه البطل زوجته الميتة بقوة وهو يعبر عن حبه لها...وكما سقط المنشار من يده، تسقط ورقة من يدها، كتب عليها بخط متعرج ومرتعش (هذا ما جنته يداي)، في قنبلة جديدة يعلن فيها القاص بأن تلك المرأة إنما قتلت نفسها بيديها (ماتت منتحرة)، وربما في ذلك إعلان بأنها قد قررت الخلاص من جحيم ذلك الزوج السادي الشكاك.
ولكن المشهد لا ينتهي هنا، فنجد القاص يجعل بطل القصة يقوم على عصر الورقة ألتي كتبت عليها تلك العبارة، ويضعها في جيبه؟! ومن ثم ينتحر هو بدوره، وبنفس أداة القتل التي كان ينوي قتل زوجته فيها (المنشار)...ويبدو أن وضعه لتلك الورقة في جيبه، كان عملا واعيا مقصودا، فقد أراد أن يعلن ومن خلال من سيعثر على تلك الورقة في جيبه، بأنه المسئول عن كل ما جرى في تلك الغرفة...فهو يعترف بأن كل ما جرى هناك في تلك الغرفة إنما هو من ثمرة يداه (هذا ما جنته يداي)، ولذلك كان حريصا على أن يحمل المنشار قبل أن يتمدد إلى جوار الزوجة لتشير أداة القتل والورقة التي وضعها في جيبه بأنه هو القاتل... ونجد أن في ذلك تحول آخر أحدثه القاص على شخصية البطل هنا...فها هو يتخذ موقف مغاير في آخر لحظة من حياته، مفاده اعترافه بأنه قد تسبب في انتحارها...وان كانت قد قتلت نفسها، وقتل نفسه بدليل المنشار الذي كان يحمله.
ولا شك أن النهاية جاءت ملتوية ومغايرة لكل المقدمات التي ساقها القاص...فالحدث لم ينته بقتل الزوجة كما كان متوقعا, وإنما بغرفة تصطبغ باللون الأحمر القاني إلى الأبد...كنتيجة لانتحار الاثنين، ونجد أن سقوط البطل بتلك الطريقة المدوية هو الذي يترك أثرا عظيما في نفس المتلقي، خاصة بعد أن تمكن القاص من رسم صورة ذهنية له فجعله شخص مفترس، شرير، قاتل، تحركه نيران الغيرة، يتلذذ بالقتل، يستعجله أحيانا، ويريد إطالة لحظات الانتصار تارة أخرى...ليهوي في المشهد الأخير معترفا بأنه يتحمل مسؤولية ما حصل في كليته.

يتبع،،،