عرض مشاركة واحدة
قديم 06-27-2011, 08:33 AM
المشاركة 16
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،

قرءاه نقدية مغايرة لقصة "انتقام" لكاتبها مبارك الحمود
محاولة لفكفكة لغة القصة الكودية واستخراج عناصر الجمال منها:

اقتباس "

-6-

السكون يعم المكان, ورائحة القش المبتل مسترخية.. الباب أمامي.. أطرق بقوة, ولكن العنيدة لا ترد, تتظاهر بعدم وجود أحد, إني أشم رائحة عطرها تعربد حولي بإصرار, وأنا لا أخطئه, وصرختُ.. إني أدفع الباب وأهشمه, لا أرى أحدا, بالتأكيد إنها تختبئ في زاوية من زوايا البيت, تندس كالفأر.. جبانة كعادتها.. إني أحب ذلك, متعتي بدأت تزداد.. هل هيهنا تختبئ وراء ستائر الحمام؟, "هاهاي كلا", عيناي تتابعان و تترقبان, أوووه بالتأكيد إنها هنا تحت الكنبة.. أيضا لا, يا إلهي إنها تجيد الاختباء ولكن تحتقوانين أرضي التي أحكمها بإحكام.. لم يتبق سوى غرفة النوم في العلية, بالتأكيد إنهاهناك.

يستهل القاص مبارك الحمود هذه الفقرة بالرقم الكودي (6) ويتبع ذلك مباشرة بالحديث عن (سكون يعم المكان) وهو سكون له وقع شديد واثر ملموس، كونه يأتي بعد حديث القاص عن أصوات قعقعة، وقهقهات مصطنعة، ودقات قلب أشبه بطبول حرب، وفي ذلك تشخيص للسكون وكأنه غيم أو دخان. كما أننا نجد القاص يستثير حاسة الشم لدى المتلقي بحديثه عن رائحة القش المبتل (ورائحة القش المبتل مسترخية)، ونجده يشخصن الرائحة ويصفها بأنها مسترخية وكأنها ناقة أو أغصان شجرة أو ما إلى ذلك. وفي جو السكون ذلك نكاد نسمع طرق الباب الذي يقوم به البطل (اطرق بقوة)، وفي عدم الرد استثمار للتضاد، ثم يستثير القاص من جديد حاسة الشم عند المتلقي في حديثه عن (إني أشم رائحة عطرها تعربد حولي بإصرار)، وفي العبارة تشخيص لرائحة العطر فقد جعلها الكاتب هنا (تعربد بإصرار) وفي استخدام وصف تعربد وقع قوي للغاية، ففي الفقرة السابقة يصف القاص رائحة العطر وكأنها شبح يلحق بتلك المرأة، وهنا نجده يصف الرائحة وكأنها تعربد حوله، ويا له من وصف لقوة رائحة العطر، وفي ذلك تصوير للبطل وكأن انفه قد تحول إلى انف حيوان كاسح مفترس، يبحث عن فريسته من خلال تتبع أثرها وشم عطرها، وفي ذلك تصعيد في الإثارة والتشويق، وتهيئة لمشهد القتل بالمنشار الكهربائي.
وتأتي صرخة البطل ومن ثم دفعة للباب وتهشيمه وبما في ذلك من حركة وحيوية، واستثارة لحاسة السمع، لتعطي مزيدا من الإثارة، والتهيئة لمزيد من التصعيد في الحدث الصاعد المتطور، ولنجد القاص يستثير فينا حاسة البصر من جديد، بقوله على لسان البطل (لا أرى أحدا). ويأتي الوصف كله منذ لحظة (أطرق الباب إلى .......جبانة كعادتها) وكأنه مشهد آخر من مشاهد فلم الرعب الذي نحن بصدده هنا، وكأن القاص قد تحول فيه فجأة إلى مصور سينمائي يحمل كاميرا ويدور بها في المكان، وينقل لنا المشهد بتفاصيله الدقيقة، لا بل ويتعدى ذلك لينقلنا إلى جو النص باستثارة حواسنا وما يسود من روائح في المشهد. ويعود القاص ليشير إلى سادية البطل من خلال الإشارة إلى متعته وهو يبحث عن تلك المرأة ( إني أحب ذلك, متعتي بدأت تزداد)، فهو لا يريد صيدا سهلا، ولكنه يريد أن يلاحق ضحيته كما تلاحق الحيوانات المفترسة فرسيتها ليتلذذ في تعذيبها، وفي سؤاله الاستنكاري (هل هيهنا تختبئ وراء ستائر الحمام؟) مزيد من الإثارة والتشويق والشد،واستمرار للتسجيل التصويري، ومزيد من الاستثارة لحاسة البصر،( عيناي تتابعان و تترقبان)، حيث يجد المتلقي نفسه وكأنه ينظر مع البطل خلف ستارة الحمام، وينتقل معه لينظر تحت الكنبة أيضا، وفي عدم العثور عليها مزيد من التشويق والشد والإثارة، وفي الإشارة إلى أنها تجيد الاختباء مزيد من الإثارة والتشويق وكأننا في لعبة الغماية، لكن لا يفوت القاص بأن يعود للتذكير بأن بطل القصة يظل قادر على الوصول إليها مهما حاولت الهروب والاختفاء ومهما فعلت ستظل في متناول يديه كونها تظل خاضعة لــ (قوانين ارضي التي أحكمها بإحكام)، ثم ينقلنا القاص وراءه إلى غرفة النوم في العلية وقد تمكن من استثارة جهازنا العصبي بشكل حاد واستنفار كافة حواسنا وغرائزنا، كوننا أصبحنا على شفى مشاهدة عملية القتل بعد كل تلك الاستثارة والتشويق.

ونجد أن أهم ما يميز هذه الفقرة هو التصعيد الحاد في التشويق من خلال جعل البطل يبحث بعينين تتابعان وتترقبان عن تلك المرأة، وكأنه وحش ادمي مفترس، ومتحفز بكل غرائزه وحواسه، وحيوانيته الدفينة للعثور عليها، لكنها هي تختبئ وتندس كالفأر، وذلك ما يزيد من متعة بطل القصة، كون أن الصيد ليس سهلا، وفي ذلك ما يغذي ساديته، ويرفع نسبة التشويق عند المتلقي.
وفي استخدام القاص لبعض الالفاظ والكلمات وقع شديد في زيادة حدة التشويق مثل (أطرق بقوة + العنيدة+ أشم + تعربد + بإصرار+وصرختُ + إني أدفع الباب وأهشمه+ تندس كالفأر+ جبانة + متعتي + بدأت تزداد.. + تختبئ وراء ستائر الحمام؟+ "هاهاي كلا"+, عيناي تتابعان وتترقبان+, أوووه + تجيد الاختباء +تحت قوانين أرضي+ التي أحكمها بإحكام) ، وفي كلمة ( أوووه) والتي استبدل القاص فيها حرف الألف في كلمة ( آآآه) والتي وردت في فقرة سابقة بحرف الواو، ما يشير إلى زيادة مضطردة في رغبة بطل القصة في القتل، وقلة الصبر، وتغير صاعد في المزاج عند البطل، وفي ذلك ما يشير إلى تطور إضافي في شخصية البطل التي تظل ديناميكية متطورة. ولكن الغموض في مكان تواجد المرأة وبالتالي التشويق لا ينتهي مع انتهاء الفقرة هذه، فينشد المتلقي ليتابع مع البطل بحثه عنها في العلية ليعرف ما سيحدث هناك. ولا شك أن القاص ينجح في هذه الفقرة في جعل الحدث صاعدا متطورا من خلال وصف المشهد بتفاصيل دقيقة وببراعة عالية، ومن خلال إدخال عنصر الغموض في مكان وجود المرأة، ومن ثم شد المتلقي في رحلة البحث تلك، وكأنه أصبح جزء من القصة.. يشارك البطل في بحثه خلف الستائر وتحت الكنبة، وهو في حالة استنفار كاملة لما سيحدث تباعا.

يتبع،،