الموضوع: أنت طالق...!!
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-10-2014, 01:19 PM
المشاركة 12
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
قراءة اولية في نص "انت طالق "


ثلاث أدوات أساسية من أدوات السرد الجميل استخدمت هنا بكثافة فجعلته نصا مذهلا في وقعه على المتلقي...

الأداة الأولى ...النص تملؤه الحركة وذلك من خلال حشد كلمات توحي بالحركة حتى من الكلمة الأولى وفي الفقرة الأولى فقط تم حشد كل هذه الكلمات التي توحي بالحركة بشكل أو بأخر ( حملت، راحت، تنفض، شربت، ووشمت، توزع، خطواتها، شارع، طفقت، تتفحص، نسفتها، تقلب، تبحث، ثورة)...والحركة تجعل النص ينبض بالحياة وهذا النص اقل ما يقال عنه انه ينبض بالحياة.

الأداة الثانية التجسيد والتشخيص وهي أداة أخرى مهمة تم استخدامها هنا بكثافة وهي من أدوات التأثير المهمة حيث تصبح الأشياء الجامدة كأنها كائنات حية ناطقة ومتحركة وما إلى ذلك من سمات الكائن الحي فجعلت الكاتبة مثلا الحقائب مثقلة بأوجاع السنين وهذا الوصف ينطبق على الإنسان، وجعلت للرجاء أبوابا تدق، وللحسرة غبار ، وجعلت الطلاق وكأنه خمره تشرب فيكون لها مفعول الشراب المسكر، وجعلت الحيرة مثل الغراب الذي يستفرد في المخيلة وجعلت للزمن أفواه واسعة ، وجعلت للواقع حجارة، وجعلت لثورة العشق أنفاس وصهيل، وجعلت للهوان منعطفات...هذا كله في الفقرة الأولى فقط ويا لهول ما يترك هذا التشخيص من اثر ووقع على دماغ المتلقي.

الأداة الثالثة ..أيضا النص مليء بالصور والتشبيه وكأن الكاتبة كانت ترسم برشتها هنا ولا تكتب بقلمها ومثال ذلك صورة " ووشمت حروف اسمها في لائحة المطلقات" ، وصورة " وهي توزع خطواتها على شارع المجهول" وصورة " وقد استفردت بمخيلتها الهشة غربان الحيرة تنعب في قفارها "وصورة" لوحة قديمة جردت من الألوان" وصورة"وما نسفتها أفواه الزمن الواسعة"...وكل تلك الصور التي أشار إليها الأستاذ ياسر التي تنتشر في النص من أوله إلى آخره...

طبعا النص يحتوي على الكثير من عناصر التأثير الأخرى التي جعلته نصا بديعا مميزا بالغ التأثير مثل استخدام التضاد والتكثيف والألوان والحوار وكلمات توقظ في المتلقي الحواس فيتضخم وقع العمل الفني عليه هنا... وقد أجادت القاصة رسم الشخوص والزمكانية واللغة مكثفة والحبكة متينة وجعلت النهاية مفتوحة ..

كنت أفضل أن يتم استخدام عنوان آخر للنص لا يشي بمحتواه لان العنوان الحالي " أنت طالق" يقول كل الذي أرادت أن تقوله القاصة واثر سلبا على التشويق و الادهاش ...وقد يتردد المتلقي في متابعة القراءة لأنه عرف من البداية النهاية لكن الذي يلج النص يجد بأن الكاتبة نجحت بشكل مذهل في نقل صورة واقعية للمعاناة التي يمكن أن تعيشها فتاة في رحلة حياتها حينما يذبح الحبيب ويفرض عليها الزواج من شخص آخر كبير السن فتتحول حياتها إلى كابوس لتنتهي من ذلك الكابوس بوشم الطلاق...أقول نجحت القاصة في نقل تلك الصورة الواقعية بأسلوب سردي بديع بالغ التأثير، ومن خلال حشد عدد كبير من الادوات الفنية التي تترك اثرا واضحا على المتلقي وتصنع الروعة...علما بأنني كنت افضل لو ان النص انتهى عند كلمة الالم في هذه الجملة " المنبثق من لدن صدر مزقته خناجرالألم " ...وتم الاستغناء عن هذه الجملة الاقرب الى التقريرية رغم جمالية الصورة التي تشتمل عليها" مجتمع غرست شياطين التخلف أنيابها في ذاكرته المتهدلة، وعششت على أعرافة عناكب الجهالة".

هذه مجرد قراءة أولية للنص وأتصور أن التعرف على خصائص النص ومميزاته وعناصر القوة والتأثير فيه وقد رأيته نصا بديعا وعناصر الضعف أن وجدت يحتاج منا إلى ورشة عمل هنا يدلى كل منا بدلوه فيها ولعلنا نتمكن من سبر أغواره بصورة متكاملة وتفصيلية.

ولا ننسى بأن عبقرية هذا النص تشي بأن خلايا دماغ القاصة كانت في لحظة ما قد تعرضت للكثير من الالم كنتيجة لتجربة مأساوية ما ربما في الطفولة المبكرة... ويبدو انه تم ايقاظ ذلك الالم من جديد في وقت لاحق لان هذه الخلايا صارت على ما يبدو تعمل بطاقة هائلة جعلت من ولادة هذا النص البديع ولادة ممكنة.

شكرا لك أستاذة مباركة على هذه النص البديع بل هذه اللوحة الفنية الغنية بعناصر التأثير..