عرض مشاركة واحدة
قديم 04-24-2012, 11:25 PM
المشاركة 20
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي

س 5- ما الحالة الاجتماعية (الوضع العائلي) الحالي؟ إن كنتِ متزوجة (حاليا) متى حصل الزواج ولا بد ان يكون الثاني بناء على ما قلتِ؟ ما اسم الزوج وما مجال تخصصه وهل يعمل وما مجال عمله؟ عدد الأبناء والبنات طبعا؟
-هل وقعت أي حوادث صادمة بعد سن الحادي والعشرين؟


لا زلت هنا .. عند سطر من سطور حياتي أبى إلا أن ينزف ألماً
ففي كل يوم .. كان في حياتي شيء جديد .. يحمل في طيه شيئاً من وجع ..
توقفت عندما توفي ولدي بين يدي وكان عمره سبعة أشهر .. وعلى الرغم من صغر سنه إلا أنه يبقى مهجة القلب .. ويبدو أن الأم عندما تفقد أحد أبنائها تحس بأنه الأوحد في حياتها .. وتنسى أن الله أبقى لها آخرين .. لذلك ظلت هذه الفكرة عالقة في ذهني سنة كاملة ...
فعندما خرج المشيعون من المنزل ذاهبين به إلى المقبرة .. تركوا خلفهم ملابسه التي كان يرتديها ..
احتضنت ملابسه .. وأخذت أشمها عميقاً فقد كان له رائحة خاصة .. لذلك لم أغسلها بل تركتها تجف واحتفظت بها في حقيبة وأخفيتها عن العيون بعد أن أغلقتها بإحكام .. وبعد سنة بأكملها .. فتحت الحقيبة بعد أن كنت خلالها قد بدأت أتناسى ما حدث .. عادت الذكرى تتسلسل في الذاكرة ورائحة ملابسه خرجت من الحقيبة بمجرد فتحها .. ربما تكون هذه الحادثة من أكثر الحوادث التي تركت فيّ جرحاً غائراً .. وشيئاً فشيئاً بدأت أنسى مع مجيء آلام أكثر عمقاً ..
حادثة أخرى ربما لا تكون ذات علاقة كبيرة بي عندما توفي أخو زوجي وعمره سبعة وعشرين عاماً ..فقد كان يكمل دراسته الجامعية في الخارج وتعرض لحادث سير أدى إلى وفاته على الفور .. كان المشهد مؤلماً وهو يعود إلى أمه محمولاً في صندوق !!!
عندها فقط أدركت أن مصابي أخف وأهون من مصاب أمه ..
لم تمض إلا بضع سنوات بعدها بدأت أحداث الانتفاضة المباركة في فلسطين تشتعل .. وتحمل الأنباء الكثير من المآسي والعذابات عن شعب فلسطين الأعزل .. منها اعتقال أخي وتعذيبه في السجن .. وكانت تصلني الأخبار بالتفصيل عما يحدث في فلسطين ليس فقط ما تتناقله وسائل الاعلام التي انشغلت بهذا الحدث .. بل عن طريق رسائل الأهل المفعمة بالشوق والألم ...
فانتظرت الاجازة بفارغ الصبر وصرت أعد الأيام بالساعات لزيارة الأهل والاطمئنان على أحوالهم .. خاصة أن أخي لا زال يقبع في سجنه حتى بعد وصولي بصعوبة شديدة عبر الحدود ..
كنت أشتعل شوقاً لرؤية فلسطين الحبيبة .. وما آلت إليه من دمار .. ولما وصلت .. سمعت حكايات تقشعر لها الأبدان عما جرى ويجري .. فكتبت حينها .. موضوعاً بعنوان :
( عشقت أن أُظلم ) وهذا نصه :


في 15\8\1991م
كانت لي زيارة إلى الأهل المسجونين في فلسطين
ولم تطلْ زيارتي .. ولم يتسنّ لي أن أتذوق طعم الظلم الذي يتعاطونه صبح مساء ..
فكتبت هذه الكلمات بعنوان ( عشقت أن أظلم )


لو رثى دمعي ببعدكم تمثالاً أصمّ
أجدب لا يعي
لكان قد صحا من سكونه ولا عجبا
صحت ليلة بالفجر أدركني
ألا تسمع صرختي ؟
فقهقه الليلُ مني ساخراً طربا
قلتُ للفجر ِألا تقترب ؟؟
فتبطـّأ الزمنُ في مشيه أدبا


حـطـّ الشوق بجناحيه على قلبي بعد لحظات من فراقكم أحبتي
وبعد أشهر تالية .. سمعت الأخبار .. رأيت الصور على صفحات الجرائد ..
قرأت الاشعار .. فعشقت أن أظلم

مشيت أدلف مثقلة ..يشـدّني شوق اليكم
ورياح الغربة تردّني للخلف في وقت صارت غربتي مرضاً مزمناً
لكن الشوق غلبها وتغلـّب عليها ..
فخرجت من بلد النبي محمد صلى عليه الله وسلم
ودعته قائلة : عذراً سيدي !
الى أرض إسرائك تـوّاقة
الى تراب بلدي عشـّاقة
على شهداء فلسطين العين رقراقة

جئت أستنشيء الأخبار.. جئت بائعاً جوّالا أستقصي احتمالات
الوجع .. جئت أبيعـُكم كلاما ملموماً أعوص ..
وبقيـّة من هدايا وخاتماً ذهبياً أخفيته تحت لساني هدية لأمي
خوفاً من الجمارك وذل الو ِقفة بباب اللـئام
كل هذا لألمح في عيون أمي نظرة حنان افتقدتها منذ سنة
أو يزيد ..
أعود بعدها لأعلـّم الناس كيف يكون الحنان
ولألمحَ بسمة في عيون أختي الصغيرة ..
لأتقاسم واياهم اللقمة
فماذا رأيت ؟
رأيت أمي قد تقـرّحت عيناها بكاء على أخي السجين
رأيت صغيرتي قد نسيت كيف تبتسم !!
رأيت ابنة الجيران .. صبيـّة قد جنـّت ..
تلبس فستان فرحها الأبيض وتقف على شرفة منزلها ترقص تنتظر عريسها الذي استشهد ليلة عرسه
فـدُفن ودفن عقلها معه !
رأيت الوجـد يتدلـّى من عيونهم
رأيت حنينهم يصافح مودتي الحمقاء وأنا أرشوهم ببعض الهدايا الرخيصة لألمح في عيونهم الابتسام
رأيت أسطح المنازل قد عقدت قـِرانها على أعلام البلاد
رأيت الأحزان ملونة .. أكثرها سواد
رأيت الأهل ينزفون
بأم عيني .. رأيت الشجر يبكي .. الحجر يبكي ..
الصخرة المشرفة والتي من عادتها أن تزغرد
رأيتها تبكي من الوجع
كل شيء هناك يتهالك من الشقاء ..
والكل ينتظر ويعـدّ الأيـام بالثواني علها تأتي ساعة الفرج

حينها ..خربشت على الجدران ..
- كبقية الشعارات التي تكتب - وكتبت بقلمي :
إلى طفل خشنت يـداه وما شاب
إلى طفل تعـلم درسا أبدا وما تاب
إلى صبيـّة جـُنـّتْ
إلى أم ثكلى .. إلى الصخرالى الشجر الى التراب
الى كل شيء هناك ..
أحبتي كل الاحترام

أفلتُ بعدها راجعة الى حيث كنت ...أبحث عن لقمة عيش
فرضتها علي الحياة وضروراتها ..قهرتني بها الهوية والانتماء
عدت الى بلد سيدي محمد.. وأحسست بأنني أكثر منهم ظلماً
لأني هنا في غربتي ..ولست هناك!!


... يتبع