عرض مشاركة واحدة
قديم 04-07-2020, 01:44 AM
المشاركة 687
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: مَجْمعُ الأمثال
.... تَسْمَعُ بالمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ ....

ويروى " لأن تَسْمَعَ بالمعيدي خير " و " أنْ تَسْمَعَ " ويروى
" تسمع بالمعيدي لا أن تراه " والمختار " أن تسمع "
يضرب لمن خَبَرُه خَيْرٌ من مَرْآه ، وأدخل الباء على تقدير :
تُحَدَّث به خير .
قال المفضل : أولُ من قال ذلك المنذر بن ماء السماء ، وكان من حديثه
أن كُبَيْشَ بن جابر أخا ضَمْرَة بن جابر من بني نَهْشَل ، كان عَرَضَ لأمةٍ
لزرارة بن عُدَسُ يقال لها رُشَيَّة كانت سَبِيَّةً أصابها زُرَارة من الرُّفَيْدَاتِ
وهم حيٌّ من العرب ، فولدت له عمراً وذُؤَيْباً وبُرْغوثاً ، فمات كُبَيْشُ
وترعرع الغِلْمة ، فقال لقيط بن زرارة : يا رُشَيَّةُ من أبو بَنِيكِ ؟ قالت :
كُبَيْش بن جابر ، قال : فاذهبي بهؤلاء الغِلْمة فَغَلِّسِي بهم وجه ضمرة وخَبِّرِيه
مَنْ هم ، وكان لقيط عدواً لضمْرة ، فانطلقت بهم إلى ضَمْرة فقال : ما هؤلاء؟
قالت : بنو أخيك ، فانتزع منها الغِلْمَةَ ، وقال : الْحَقِي بأهلك ، فرجعت
فأخبرت أهلها بالخبر ، فركب زُرَارة وكان رجلا حليماً حتى أتى بني نَهْشَل
فقال : رُدُّوا علي غِلْمتي ، فسبَّه بنو نهشل ، وأَهْجَرُوا له ، فلما رأى ذلك
انصرف فقال له قومه : ما صنعت ؟ قال خيراً ، ما أحْسَنَ ما لقيني به
قومي ، فمكث حولاً ثم أتاهم فأعادوا عليه أسْوَأَ ما كانوا قالوا له ، فانصرف
فقال له قومه : ما صنعت ؟ قال خيراً قد أحْسَنَ بنو عمي وأجملوا ، فمكث
بذلك سبعَ سنين يأتيهم في كل سنة فيردونه بأسوأ الرد ، فبينما بنو نهشل
يسيرون ضُحىً إذ لحق بهم لاحِقٌ فأخبرهم أن زرارة قد مات ، فقال ضمرة :
يا بني نهشل ، إنه قد مات حليم إخوتكم اليوم فاتقوهم بحقهم ، ثم قال ضمرة
لنسائه : قِفْنَ أَقْسِمُ بينكن الثكل ، وكانت عنده هند بنت كرب بن صفوان
وامرأةٌ يقال لها خُلَيْدَةُ من بني عجل ، وسَبِية من عبد القيس، وسبية من
الأزد من بني طَمَثَان ، وكان لهنَّ أولاد غيرَ خُليدة ، فقالت لهند وكانت لها
مُصَافية : ولي الثكلَ بنتَ غَيرِك ، ويروى : ولِّي الثكل بنت غيرك ، على
سبيل الدعاء ، فأرسَلَتْها مثلاً ، فأخذ ضمرة شِقَّة بن ضمرة وأمه هند وشهابَ
ابن ضمرة وأمه العبدية ، وعَنْوَة بن ضمرة وأمه الطمثانية ، فأرسل بهم إلى
لَقيط بن زُرَارة وقال : هؤلاء رُهُن لك بغِلْمَتك حتى أرضيك منهم ، فلما وقع
بنو ضمرة في يَدَيْ لقيط أساء ولايتهم وجفاهم وأهانهم ، فقال في ذلك ضمرة
ابن جابر :


صرمْتُ إخاء شِقَّةَ يوم غَوْلٍ
وإخْوَته فلا حَلَّتْ حِلالي

كأنّي إذ رَهَنْتُ بنيَّ قَوْمِي
دفعتُهُمُ إلى الصُّهْبِ السِّبَالِ

ولم أرْهَنْهُمُ بدمٍ ، ولكن
رَهنتُهُمُ بصُلْحٍ أو بمالِ

صرمْتُ إخاء شقة يوم غَوْلٍ
وحق إخاء شقَّةَ بالوِصَالِ


فأجابه لقيط :

أبا قَطَن إنّي أراكَ حزينا
وإن العَجُولَ لا تبالي حنينا

أفِي أنْ صَبَرتُم نصفَ عامٍ لحقنا
ونحنُ صبرنا قَبْلُ سَبْعَ سنينا


فقال ضمرة [ بن جابر ] :

لعمرك إنني وطِلَاب حُبَّى
وترك بنيّ في الشُّرَطِ الأعادي

لَمِنْ نَوْكَى الشّيوخ وكَانَ مثلي
إذا ما ضَلَّ لم يُنْعَشْ بهادِ


ثم إن بني نَهْشَل طلبوا إلى المنذر بن ماء السماء أن يطلبهم من لقيط
فقال لهم المنذر : نَحُّوا عني وجوهكم ، ثم أمر بخمرٍ وطعامٍ ودعا لقيطاً
فأكلا وشربا ، حتى إذا أخذت الخمر منهما قال المنذر للقيط : يا خير
الفتيان ، ما تقول في رجل اختارَكَ الليلَةَ على نَدَامى مُضَرَ ؟ قال : وما
أقول فيه ؟ أقول : إنه لا يسألني شيئاً إلا أعطيته إياه غير الغِلْمة ، قال
المنذر : أما إذا استثنيت فلستُ قابلاً منك شيئاً حتى تعطيني كلَّ شيء
سألتك ، قال : فذلك لك ، قال : فإني أسألك الغلمة أن تَهَبَهم لي ، قال :
سَلْني غيرَهم ، قال : ما أسألك غيرهم ، فأرسل لقيط إليهم فدفَعهم إلى
المنذر ، فلما أصبح لقيط لامه قومُهُ ، فندم فقال في المنذر :


فإنّك لو غَطَّيْتَ أَرْجَاءَ هوةٍ
مُغَمَّسة لا يُسْتَثَارُ تُرَابُهَا

بِثَوْبِكَ في الظلماءِ ثم دَعَوْتَنِي
لجئْتُ إليها سَادِرَاً لا أَهَابُهَا

فأصْبَحْتُ مَوْجُوداً عَلَيَّ مُلَوَّمَاً
كأنْ نُضِيَتْ عن حائضٍ لي ثيَابُهَا


قال : فأرسل المنذر إلى الغِلْمة وقد مات ضَمرة ، وكان صديقاً للمنذر
فلما دخل عليه الغِلْمة وكان يسمع بشِقَّة ويعجبه ما يبلغه عنه ، فلما رآه
قال : تَسْمَعُ بالمُعيدِيِّ خَيْرٌ من أن تراه ، فأرسلها مثلاً ، قال شقة :
أَبَيْتَ اللعن وأسعدك إلهُكَ إن القوم ليْسُوا بِجُزْرٍ ، يعني الشاء ، إنما
يعيش الرجلُ بأصْغَرَيهِ لسانِهِ وقلبِهِ ، فأعجب المنذر كلامه ، وسرّه كل
ما رأى منه ، قال : فسماه ضَمْرة باسم أبيه ، فهو ضَمْرة بن ضَمْرة ، وذهب
قوله " يعيش الرجل بأصغريه " مثلاً ، وينشد على هذا :


ظَننتُ به خَيْراً فقصَّرَ دونَه
فيا رُبَّ مظنونٍ به الخيرُ يُخْلِفُ


قلت : وقريبٌ من هذا ما يُحْكَى أن الحجاج أرسل إلى عبد الملك بن مروان
بكتاب مع رجل ، فجعل عبد الملك يقرأ الكتاب ثم يسأل الرجل فيَشْفِيه
بجواب ما يسأله ، فيرفع عبد الملك رأسه إليه فيراه أَسْوَدَ ، فلما أعجبه ظَرْفه
وبيانهُ قال متمثلاً :


فإنّ عَرَارَاً إنْ يكُنْ غَيْرَ وَاضِحٍ
فإنّي أُحِبُّ الجَوْنَ ذَا المَنْكَبِ العَمَمْ


فقال له الرجل : يا أمير المؤمنين هل ترى مَنْ عَرَار ؟ أنا والله عرار بن
عمرو بن شأس الأسدي الشاعر .