الموضوع: باقة حزن
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
5

المشاهدات
2843
 
سيد حماد
من آل منابر ثقافية

سيد حماد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
55

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Mar 2011

الاقامة
الخرطوم .السودان

رقم العضوية
9800
05-09-2014, 01:15 AM
المشاركة 1
05-09-2014, 01:15 AM
المشاركة 1
افتراضي باقة حزن
كانت مستلقية في ظل شجرة الماهوقني الضخمة في الفناء...شعرت بالقلق يساورها فجاة عندما لمحت من بعيد شبحا يهرول نحوها..
اصلحت من جلستها و جمعت اطرافها كانها تتحفز للوقوف و بصرها ...يتفحص القادم .....بدا رجلا كهلا .. مرهق الملامح ... ووجه مربد باعياء حزين ..لكنه وسيم التجاعيد ..مهندم بما يكفي بالنسبة لعواجيز القرية الاجلاف... اقترب الرجل و إرتسمت علي ملامحه إبتسامه غامضة..وهو يبادر بالتحية رافعا كفه في الهواء:
- السلام عليكم... ازيك ...يا حجة محاسن...كانك لم تتعرفين علي بعد؟ ...انا عبدالمعطي.....ولد الزين ...
...كانت العجوز قد انتصبت واقفه للتو...حتي دون ان تتوكأ علي عصاها هذه المره.. تملكتها دهشة عظيمه ..لكن وجهها طفح بسعادة غامرة ..كانه وجه طفل بري..مستغرق في ضحكة حلوه!!!
عبد.. عبد المعطي...اه ه ه ...وليدي....يا الله...تعال الي . تعال..
وما ان لامست يديه حتي احتضنته كالوليد و انخرطت في بكاء مرير...
خمسه وثلانون عاما متواصلة مرت ..لم ينعم الله عليها برؤية عبدالمعطي..كان رفيق الصبا لابنها احمد..كانا صديقين ..في عنفوان شبابهما..لم يفترقا قط ...
خيل إليها ان الزمن قد تغير اكثر مما ينبغي... .و اشياء كثيرة مرت بحياتها....دون ان تخلف اثرا...احداث ..جمة .. حدثت فحسب. لكنها غيرت حياتها..دون شك..
رجعت بذاكرتها قليلا للوراء...كانت في مقتبل العمر..احمد هو ولدها البكر.. الحياة كانت جلوة والخير في باطن الارض وفي وجوه الناس. زوجها ابواحمد الذي توفي منذ عشرين عاما مضت.كان يمثل لها كل شي.. لقد كان رجلابمعنى الكلمه..عاشت معه اسعد لحظات عمرها...وكان لا هم له سوي إسعادها مع ابنها الوحيد.....يا ..للسخرية..فجاة توفي في حادث لعين...فهجر ابنها احمد الدراسه..
تحمل المسكين اعباء المنزل وهو يافع....كانت اسرة عبد المعطي جيران لهم في الزمن الجميل...وعاش اطفالهم و ترعرعوا سويا..كاخوة....لقد كان الناس يتحدثون بدهشة عن ما يجمع الاسرتين من حب و وفاء و عشرة ....
وقبل بضع و ثلاثين عاما..كان اليوم يوافق الاحد..من بواكير يونيو..1976.. كان اتعس محطة في تاريخ عمر الحاجة محاسن لكن شيئا من ذلك لم يدر بخلدها....
كان ذلك هو اليوم الذي عزم فيه ابنها احمد و رفيقة عبد المعطي..علي الهجرة..حزما حقيبتيهما..وإدارا ظهريهما ..للبلد....تحت وطاة الفقر .ودعا العائلة فردا فردا بالدموع... ..
مات ابنها احمد بعد قليل من السنوات في الغربه..وكان يحدثها عن رغبته في النزول الي البلد....عن شوقه لها..لحنانها...و لتراب الحارة وازقتها..كانت خطاباته تصلها تباعا..ومعها الهدايا والمال. وحنينا جارفا...تغذيه..مشاعر اليتم والغربه....
...وانقطت عنها اخبار عبد المعطي ولد حاج الزين فجاة ...بعد ان كان يراسلها من حين لحين...اعتصرها حزن مقيت..مات ابنها الوحيد غريبا..وحيدا....يتيما...
ليتها فقط قد راته حتي وهو يموت..حتي هذة النعمة قد حرمت منها..
لم يتبق لها في الحياة إذن شي....والحق انها قد عاشت كثيرا...اكثر حتي مما تتمني..واكثر مما يتصور الناس!!
وحيدة تحضن بقايا ذاكرة لعجوز اوشكت علي السبعين..حتي الذاكرة لم يتبق فيها من مساحة للحزن الا بما يكفي لاجل احمد!!
عبد المعطي هو نفسة إذن احمد فجاة قد تشققت عنه الارض وخرج لها مهرولا.. مبتسما...في حلته الزاهية..إنها تشتم ريحه...انفاسه..و تداعب صوته..كما في سالف الزمان..
جلسا معا..على الحصيرة وكان عبد المعطي قد استل نعله في طرفها...ام احمد ..نسيت ان تناوله الشاي..الاخضر ..والماء البارد كسابق عهدها..لكنها ظلت تحدثه كثيرا..بصوتها المتاكل...وهو ايضا ..يحدثها...حتي اختفي الظل و ساد الظلام... ..ثم بزغ القمر..
وتحت ضوء القمر..كان لا يزال هنالك ثمة وقت للعجوز ..لتراقص الحزن .