عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
23

المشاهدات
5140
 
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي


محمد جاد الزغبي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,179

+التقييم
0.18

تاريخ التسجيل
Jan 2006

الاقامة

رقم العضوية
780
05-18-2019, 02:21 AM
المشاركة 1
05-18-2019, 02:21 AM
المشاركة 1
افتراضي مأساة الحكم على القضايا المصيرية
[justify]
مأساة الحكم على القضايا المصيرية

من أوائل الدروس القيمة التى تعلمتها فى العلوم السياسية على يد مخضرميها , بل وفى سائر العلوم , أن الجرأة فى إبداء الرأى والتحليل إنما هو سمة لصيقة بأهل الجهل وأهل الهوى ,
بينما التردد والمراجعة والتأنى والحذر هو سمة أكابر المتخصصين , وليس فقط صغارهم ,
ووجدت نفس المعنى أيضا فى علوم الفقه ,
وربما تبدو المعادلة غريبة وعجيبة , إذ كيف يمكن أن يتردد المتخصص ويطلب وقتا للإجابة على سؤال بسيط , بينما يتجرأ غير المتخصص على الإفتاء ,
والواقع أن هذا هو الطبيعى , فالجهل والهوى سمة مصاحبة للطيش والرعونة وعدم تقدير عواقب الأحكام , بينما كل من درس ولو خطوة واحدة فى طريق العلم تجد لسانه مقيدا بألف قيد , ويخشي ويتردد فى إبداء رأى حاسم قبل مراجعة أوراقه وكتبه وإذا كان قد راجعها فعلا ووعى ما فيها , تجده حريصا على أن يأخذ وقته فى التفكير والتفكر قبل الحكم النهائي على القضية ــ موضوع النقاش ــ ووضعها على رف القضايا المنتهية بالنسبة له
والفارق ضخم بين التفكير والتفكر , فالتفكير يكون فى محتوى العلم ذاته وكتبه ومراجعه , بمعنى أنه وسيلة للفهم , أما التفكر فهو نتاج دمج حصيلة القراءة والدراسة وإخراج الفكرة الجديدة بناء على هذه الدراسة
ومن المضحكات المبكيات فى الواقع أن نعرف مثلا أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما انتقد فى عصره بعض الفقهاء لجرأتهم فقال فيما يروى عنه :
( تراهم يفتون فى مسألة , لو أنها وقعت فى زمن عمر ابن الخطاب لجمع لها أهل بدر ) ,
يعنى بذلك أن تلك المسألة التى يستهين بها الناس ــ من وجهة نظره ــ كان عمر يجمع مجلس كبار الصحابة حتى يجتمعون على رأى فيها
ولكم أن تتخيلوا بعد أن نتأمل مجتمعنا الحالى فى كافة المجالات سواء سياسة أو تاريخ أو شريعة أو حتى فى الطب , وتتخيلوا كيف سيكون رد فعل ابن عباس لو حضر عصرنا ..
وتكفينا مصيبة واحدة تحدث يوميا لكى ندرك ماذا فعلنا وماذا نفعل بأنفسنا ,
انظروا مدى سهولة ويسر إلقاء تهم الخيانة والعمالة والإستهانة بالأعراض , وانظروا إلى حماقة بعض الأفكار التى نجدها فى آراء السياسة وغيرها سواء من الحكومات أو من الجمهور , لتعرفوا أن المنطق تقدم بطلب هجرة من المنطقة العربية قبل ستين عاما على الأقل ولم يعد لها حتى الآن !
والمصيبة السوداء أن المجتمع بتناقضاته الفادحة يستسهل رمى الخيانة بمجرد الظن على بعض المتكلمين بالمنطق , بينما تجده مخدوعا فى بعض الأحيان ببعض الشخصيات التى لم تكتف بالخيانة أو العمالة الصريحة , بل جهرت بها علنا ومارستها بشكل مفضوح لا ينقصهم فعليا إلا تعليق بادج ( صنع فى أمريكا ) ومع هذا لهم أتباع ومروجون ومدافعون عنهم أيضا !
تقلصت المسافات بشكل رهيب بين أوضح الواضحات , حتى صار الحكام والمسئولون يقعون فى أخطاء لا يقع فيها طفل فاقد التمييز بتصريحات لا تخرج إلا مخبول ,
وصار من المعارضين من يري بل ويدعو إلى تفكيك الدولة والجيش ويمارس معارضته التليفزيونيه من بلاد هى أعدى أعداء شعبه , ومع ذلك يتهم بلاده بالعمالة لها فى تناقض يليق بعنبر العقلاء !
يحدث هذا ,
رغم أن المنطق المباشر يثبت كل يوم أنه أنجح سياسة تليق بشعوب المنطقة على الإطلاق , لأن المتحدث ـــ أيا كان موقعه ــ لو سلك الصراحة البسيطة سيعبر إلى قلوب الناس بسهولة , وقد فعلها عمالقة من قبل مثل محمد حسنين هيكل , كان يخرج ليعلن فى بساطة أنه صاحب هوى ناصري وأن هذا الهوى يتحكم فيه , ثم يتعهد للناس أنه يبذل قصاري جهده لكى لا يكون تأثير هذا الهوى عتيا فى أحكامه ,
وفعلها العقاد , عندما أعلن أنه لا يزعم بأن شخصيته فيها شيئ من التواضع , أو الهدوء بل يعترف بعصبيته واعتداده الشديد بنفسه , ولكنه يضيف بأنه لا يوجه هذه الصفات نحو إنسان إلا إذا كان يستحق بالفعل هذه المعاملة عقابا على سوء أدبه ..
وفعلها العملاق إمام الدنيا فى زمانه , الإمام ابن حزم , وقال أنه رجل يعانى من داء القولونج ـــ القولون العصبي ــ وأن فيه حدة وصرامة فى ردوده لا يستطيع أن ينكرها إلا أنه يتعهد بأنها لا تمنعه من الدفاع عن حق يراه حتى يتبين له العكس ,
وفعلها صلاح الدين الأيوبي عندما امتلك زمام الأمور فى مصر ورأى قضية القدس كمحور لحياته , فصارح الجميع بأنه لن يتمكن من النهوض إلى تلك المهمة قبل أن يتخلص من أذناب الدولة العبيدية ومؤامرات الأمراء المتحالفين مع الصليبين لكى لا يكونوا شوكة فى ظهر الجيش كما فعلوها مرارا
الصراحة مع النفس والنظر فى المرآة فلسفة ظاهرها البساطة , وهى بسيطة بالفعل , ولكنها صعبة جمة الصعوبة عند التعود على ممارستها فى البداية , أما بعد ذلك إذا نجح الإنسان فى قهر نفسه , فسيكون الأمر عندها لعبة محببة بالنسبة له , ومخالفة هواه ستكون متعته الأثيرة , كما كان الفاروق عمر ابن الخطاب رضي الله عنه , يفعل , فقد جعله الله حجة على هذه الأمة , حتى أن انتصاره على هوى نفسه فى كل موقف وموطن جعل الشيطان نفسه يفر من مواطن وجوده , وكيف لا , وقد أتعب من بعده فى هذه الصفة العظيمة , بترويضه جنبات النفس ولو دفعته إلى هوى حلال زلال ,
رضي الله عن عمر وسائر الصحابة وصلي اللهم علي نبينا محمد وآله عليهم أفضل الصلاة والسلام

[/justify]