عرض مشاركة واحدة
قديم 04-13-2021, 04:13 AM
المشاركة 10
ثريا نبوي
المراقب اللغوي العام
الشعراء العرب

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية التميز الألفية الأولى القسم المميز شاعر مميز المشرف المميز 
مجموع الاوسمة: 8

  • موجود
افتراضي رد: قصة قصيرة الحادثة
الحادثة


اِنطلقت سيارة/السيارة/ المرسديس بنز تطوي الطريق الأسفلتي الصحراوي الموحش، واستجاب مقودها بمرونة فائقة لقبضة يد المهندس فارس، في حين انشغلت يده الأخرى بهاتفه المحمول. صرخ بصوت مرتفع: "الإرسال يتقطع. لا أسمعك جيدا. سأكون هناك بعد ساعة لتوقيع العقد. لم أعد أسمعك".
رمى الهاتف إلى المقعد المجاور بتبرم. دائما ما ينقطع الإرسال في هذه المنطقة الصحراوية. ثم محت ابتسامة عريضة بقايا الاستياء على /عن/ وجهه الطويل، فبعد ساعة سيوقع لشركته عقد صفقة ضخمة كلفته سنوات من الجهد والسهر.

من بعيد تراءت له شاحنة كبيرة بمقطورة بنفسجية، قادمة من الاتجاه المقابل. قدر أنه سيحاذيها بمنعرج صغير مائل ، فأدار مقود سيارته ملتزما أقصى الجانب الأيمن من الطريق، لكن الشاحنة اتجهت نحوه.
بدا له سائقها كالنائم، فضغط على المنبه بعصبية. تضاعف حجم الشاحنة بسرعة أمامه. تفاداها في آخر لحظة، فانحرفت سيارته المرسديس خارج الطريق المعبد. أجزاء من الثانية أحس بعدها بلوحة القيادة ترتطم على صدره/ترتطمُ بصدرِه/ بعنف وبظلال سوداء تحجب النور عن بصره...

بدأ باسترداد وعيه وتلاشى السواد قليلا عن ناظريه، لكن لزوجة ساخنة تنساب من الأعلى متسربة إلى فمه، وألما شديد /شديدًا/يجتاح أسفل جسده. نظر إلى وجهه في المرآة الداخلية. جرح عميق توسط جبهته وتنزف منه دماء حارة. حاول الخروج من السيارة، فلم يستطع سحب أسفل جسمه. أدرك أن اعوجاج مقدمتها قيد رجليه الموجعتين. أخرج منديله الأبيض وثبته على الشق النازف من أعلى وجهه، ثم حاول أن يتذكر ما حدث. الشاحنة العريضة وصورة الطفل الضاحك الحاضن لقنينة الحليب الملصقة على مقطورتها. انحرافه عن الطريق، وجذع المغبر/وجذعًا مُغبرًّا/ لشجرة مبتورة.

سَلك الطريق الصحراوي مرات عديدة، ولم يسبق أن رآه، أو أنه لم يدقق جيدا ليراه. وجوده في هذه الأرض القاحلة الجرداء أمر عجيب. اندثرت كل الأشجار منذ أن زحفت الرمال على جوانب الطريق، وظل الجذع يقاوم رافضا الزوال.
نظر إلى لوحة القيادة، و باب السائق الذي انخلع و استقر على بعد أمتار من السيارة، وتساءل لماذا لم تعمل الوسادة الهوائية؟ أزاح المنديل المتشرب /المشبّعَ/بالدم وتفحص لونه الأحمر الجديد؛ سيسيل دمه حتى الموت لو بقي محجوزًا بالسيارة. يحتاج إلى الإسعاف بأقصى سرعة.

الطريق مقفرة لا صوت فيها يعلو على صوت السكون. تذكر مقولة "مملكتي مقابل حصان". مستعد هو أيضا أن يتخلى عن كل ما يملك لمن ينجده بالإسعاف. اِرتعب حين فكر أنه قد يتخلى رغم أنفه عن كل ذلك بدون مقابل لو استمر دمه في النزيف /النزفِ/ حتى آخر قطرة. ولربما عثروا عليه بعدها جيفة /جُثَّةً/ محبوسة داخل سيارة محطمة.

خيل إليه أنه يسمع صوت سيارة قادمة، ثم ازداد الصوت وضوحا، فانفرج وجهه المدمي /المُدَمَّى/ عن ابتسامة أمل آلمت شفتيه المتورمتين.
توقفت سيارة من طراز قديم بلون أخضر فاتح. أطل من نافذتها كهل - شابَ معظمُ شعره - نظر إليه، ثم نقل/ ناقلًا/ بصره إلى أسفل جسمه العالق، و /ثُمَّ/ شغّل محرك سيارته وانطلق مبتعدا عنه .
جف ريق فارس، وتكسر أمله قطعا متناثرة وهو يتابع السيارة الخضراء تتقلص لتختفي. تفجر صراخ مكتوم داخل نفسه: "العجوز اللعين/الكسول/ . لم يكلف نفسه حتى مجرد الترجل من السيارة. مصيبة تأخذه"
عاوده الألم شديدا، وانسابت من مقلتيه دمعتان لاذعتان امتزجا /امتزجتا/ بالدم على خذيه/خدّيه/ حين تذكر زوجته الشابة البشوش سهى/سُها/ التي تنتظره قرب مائدة الطعام، وطفليه: وائل وندى اللذين يترقبان عودته في حديقة المنزل، ليفتشا محفظته بحثا عن قطع الشيكولاطه الحلوة.
صوت محرك سيارة مرتفع انتشله من هواجسه، فالتفت ببطء. لمح سيارة دفع رباعي التمع لونها الأسود بشدة، واصطكت عجلاتها الضخمة بالأسفلت حين توقفت قربه مباشرة. غمره ارتياح عارم وبكى قلبه المنهك من الفرح بعد أن استبدت به وساوس الضياع.
ترجل شاب أنيق يضع نظارة شمسية على مقدمة شعره. أخرج هاتفه وشرع يركب رقم الإسعاف. تبعته فتاة حسناء أخفت وجهها براحتيها مذعورة من مرأى الدماء وسيارة/والسيارة/ المرسيدس المهشمة.
توقفت سيارة أخرى كبيرة الحجم، ونزل منها رجل سمين بشارب كث /ذو شاربٍ كثّ/. تصبب عرقا وهو يحاول أن يسحب فارس من كتلة المعدن الملتوية بدون جدوى. وأسرع سائق شاحنة نقل ماشية مارة لاحضار/لإحضار/ ثوب خشن، وشده على الجرح، لكن الدم لم يتوقف عن الجريان.
عربات أخرى بأحجام و ألوان مختلفة توقفت على طول الطريق، واحتشد ركابها حول السيارة المنكوبة. انتصب أحدهم ببذلته الرمادية الأنيقة يبدي حزنه العميق ويلقي خطابا عن خطورة الطرق وحوادث السير والأحوال السياسية في البلاد.
تسارعت نبضات قلب فارس وزاغت عيناه متنقلة/متنقلتينِ/ بين الأشخاص الذين رفعوا هواتفهم الذكية، يلتقطون صورا وهم يتأسفون، وآخرون يتصلون ويكررون الاتصال بمصلحة النجدة التي لا تُجيب.
"الأغبياء" هتف في نفسه بحنق. ألا يعرفون أن الإرسال منقطع في هذه المنطقة. لماذا لما يذهبون/لمْ يذهبوا/ لجلب الإسعاف ؟

امتعق /اِمتقع/ وجهه، و تفصد بقطرات عرق باردة كالثلج. تباطئت/تباطأت/ أنفاسه واجتاحه ضعف شديد. تشوش بصره وثقُل سمعه، لكنه استطاع أن يميز صوت صفارة حاد /حادًّا/ يقترب، فتح بجهد عينيه واسعا، فأبصر سيارة إسعاف طبية تتقدمها السيارة ذات اللون الأخضر الفاتح.