عرض مشاركة واحدة
قديم 02-23-2017, 11:54 PM
المشاركة 63
زياد وحيد
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
سمو الحب ..


قادني السفر لأجلسَ بجانب شاب في رحلة على متن طائرة
كان يحمل بين يديه قصة يقرأها بشغف، يلتهمها بعصبية، يتلقف صفحاتها بعجلة كأنه يريد ان يعرف خاتمتها .. انتهى من الكتاب بعد ساعة من الإقلاع، تنهدَ بعمق، نظرَ مطولا عبر النافذة، بدا لي أنه يتفحص صورا تراءت له وراء السحب الكثيفة على ذلك العلو الشاهق، مسحةٌ من الحزن و السكون اعترتْ وجهه، تأثر تُ للمشهد، دفعني فضولي الى سؤاله
هل لي ان أعرف ملامح قصتك يا أخي ..؟
لم يستغرب السؤال و لم يتردد في الإجابة و كأن فكرةً اختزنها من زمنٍ مضى حان وقت التخلص منها و سِرا يموج في صدره ودَ لو أفضى به و ها قد جاءت فرصةُ البوح به الى عابر طريق.
ثمة فرق كبير يا صديقي بين تصوير المشاعر الطبيعية التي نعتنقها و نؤمن بها نحن و بين ما يكتبه الادباء في الشرق و الغرب او على الأقل ما كتبه أسلافنا قديما، فالحب عندنا هيكل وهمي تُــعلق عليه شماعات العواطف المكبوتة و نزوات الشعراء و الكتاب و خدعة المنحرفين ليصلوا الى أغراضهم، لقد فشل الكثير من هؤلاء فشلا ذريعا في تصوير عمق المشاعر التي تُعبر عنها كلمة احبك، لقد ركنوا إلى وصف الحالات النفسية و الوجدانية بلغة اقل ما يقال عنها أنها فارغة المعنى سطحية الغرض سريالية المبنى، تُحدث تلك الهُوى السحيقة بين العلو الذي يأخذك اليه شعور الحب و السقوط التي ترديك اليه الاطماع المكبوتة داخل وجدان الكاتب.
سأقرأ لك القاعدة الأخيرة من كتاب"قواعد العشق الاربعون" الذي بين يدي للكاتبة التركية إليف شفق
"لا قيمة للحياة من دون عشق. لا تسأل نفسك ما نوع العشق الذي تريده، روحي أم مادي، إلهي ام دنيوي، غربي ام شرقي .. فالانقسامات لا تؤدي الا الى مزيد من الانقسامات. ليس للعشق تسميات ولا علامات ولا تعاريف. إنه كما هو نقي وبسيط.. العشق ماء الحياة، والعشيق هو روح من نار !..يصبح الكون مختلفا عندما تعشق النار الماء'"
أترى معي كيف ينظر هؤلاء الى حقيقة العشق..!؟
انه قيمة إنسانية تُبنى عليها مصائر الأسر و المجتمعات..
انها بسيطة بلا عقد و نقية بلا شوائب و عفوية بلا مقدمات، يزداد وهجها كلما ارتفع البدن عن الأرض الى السماء و يخبو كلما تاه الانسان في تلك الدروب التي تلتف بك عن مغزى وجودك في الحياة.
ففي كل مرة نُحِبْ .. نَصعدُ الى السماء و الصعود معناه الارتقاء و الارتقاء في لغة السالكين يعني القرب و في كل نزعة من نوازع النفس الغبية التي تحب من اجل جسد جميل و شهوة طارئة انما تنزل بك ذاتك الى الدرك الأسفل من نار الغيرة و داء الحسد و وباء الشهرة
إنها صورة سلبية و نمطية نحملها ..
العشق هو العشق و الحب هو الحب قديما و حديثا ..
حب الله ، حب النفس ، حب الاخرين ..
لا فرق في كنه ذلك الشعور الا بالقَدْرِ الذي تصنعه ما هية المحبوب ..
ذات الله الجليلة و ذات الانسان وذات الذات
اذا الحب يا سيدي مجموعة الأشياء الجميلة التي لها قيمة تصنع لك عقيدة في قلبك تنعكس على نفسك، فلا معنى لتلك العقيدة و تلك المبادئ التي تتـشربها ذاتك الداخلية إن لم تراها على شكلك الخارجي و حركاتك التلقائية في كل مكان و في كل حين.
علا صوت المضيفة معلنا نهاية الرحلة بسلامة ... وقفَ الجميع في طابور طويل ينتظرون وصول الحقائب و وقفتُ بدوري على بعد امتار أرمق شابا قديسا في شخص المعلم "شمس التبريزي" يقرأ تراتيله لتلميذه جلال الدين الرومي في احدى ازقة دمشق القديمة.
تمتمتُ بيني و بين نفسي..
أيعقلُ أنْ نصادفَ هذه الروح الرقراقة في عصر مادي كل شيء فيه ينضح بالوعود الكاذبة و الابتسامة الخادعة و المظاهر الزائفة..!؟
استدار نحوي و كأنه فهم ما يجول في خاطري، رفع رأسه ثم ودعني قائلا ..
الوداع يا صديقي...
و أعلم أن الوداع لا يقع إلا لمن يعشق بعينيه أما ذاك الذي يحب بروحه وقلبه فلا ثمة انفصال أبدا.