الموضوع: أسير الأحلام
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
3

المشاهدات
3174
 
هند جميل الطباع
من آل منابر ثقافية

هند جميل الطباع is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
17

+التقييم
0.00

تاريخ التسجيل
May 2012

الاقامة
عمان , الأردن

رقم العضوية
11182
08-10-2012, 11:04 PM
المشاركة 1
08-10-2012, 11:04 PM
المشاركة 1
افتراضي أسير الأحلام
.



دخل غرفته بعد يوم عمل مضن . كان قد أمضى نهاره ما بين المكتب والعملاء وما بين الاجتماعات التي يمقت وقعها الرتيب . لكنه لم يدخل غرفته طلباً للراحة . هذه الغرفة البغيضة المملة التي لا تسأم جدرانها من التحديق إليه في بلاهة وهي لا تعرف سبباً لشروده وذهوله و عبوس وجهه وتقطيب جبينه عندما يراها . هي طالما احتوته .في أيام التعب والبرد وأيام الإرهاق والحر .

لم يبدل ملابسه , تمدد على السرير مرتمياً كسيف ممشوق طال مكوثه في غمده حتى ظن أنه سيعلوه الصدأ . . يا الله , كم يكره هذا السرير البارد برود ذرا الجبال المغطاة بالثلوج . هذه الوسادة الساذجة التي تنتظر منه كل يوم أن يعانقها ويضمها إلى صدره لكنه لا يفعل . يجب أن يؤدي الفريضة اليومية تجاه الأحلام التي أضنته واستعبدته ؛ فهي ترسل إليه كل يوم طيفاً ليزوره ؛ واشترطت عليه أن يكون ثمن حريته هو أن يضع اسماُ حقيقياً لهذا الطيف ؛ فإن تحقق الشرط نال حريته , وأنهى زمن عبوديته لها . وإن فشل في إيجاد الاسم فسيظل أسيراً مستعبداً لأحلامه طوال عمره .

أغمض عينيه , ليرى حظه اليوم . لعل السماء تجود عليه بطيف يعرفه ؛ طيف قد يكون مر به في رحلة حياته . فرضت عليه عبوديته أن يصبح كالسندباد , يدمن التطواف والترحال حول جهات الدنيا الأربع وبحار الأرض السبعة , عله يجتمع في رحلة من رحلاته بطيف يشبه طيف أحلامه المستبدة . اعتاد على شد الرحال وصارت جزءاً من حياته التي استهوته رغم قسوتها .

كانت الشمس تميل للغروب وضوء الشفق الأحمر يضفي على السماء لوناً حزيناً لا يخلو من بعض البهجة . كانت نسمات المساء تتسلل إلى وجهه المرهق عبر النافذة تحاول إنعاش ذكرياته . سئم من التحديق إلى سقف غرفته الشاحب . أشاح بوجهه صوب الأفق . لا حظ مخلوقة غريبة ترفرف بأجنحتها باضطراب ثم تستقرعلى سور شرفته . نهض من فراشه وصار يراقبها عن كثب . حاول جاهداً ألا يجعلها تنفر منه . إنها حمامة بيضاء أضناها التعب فحطت على خميلته . كانت ترمقه من بعيد بخجل حاول الاقتراب منها . خافت منه في البداية , إذ كان كل من يقترب منها يحاول إمساكها و سجنها في قفص ذهبي وهي لا تحب الأقفاص مهما غلا ثمنها .

لكنها في هذه المرة لم تخف منه . لم تدر لماذا شعرت بالأمان في قربه . دنا منها أكثر فأكثر . لمحت في عينيه مدى إرهاقه وحزنه . شعرت أنه لا يمكن أن يؤذيها , لذلك أطالت المكوث ببراءة وثقة .

شعر أنه يراها لأول مرة . لم يسبق لها أن زارته في أحلامه . ياالله , كيف يعرف اسمها وهو لم يرها من قبل ؛ لكنه سيحاول , ربما تكون مهمته سهلة وينهي عمراً من العبودية .

دنا منها أكثر فأكثر , لم تحاول الابتعاد . تأمل في بياض ريشها الناصع وبراءة عينيها اللتين تحدقان إليه بطفولة حالمة . شعر أنها تناديه باسمه , إنها تعرف اسمه , كأنها تستعطفه أن لا تبتعد .. ادن مني أكثر , لا بد أن تعرفني إذا كان احساسك لا يزال يقظاً مشتعلاً .

مد يداً مرتعشة , حاول لمسها . فاستكانت للمسته و تركته يمرر يده على رأسها و يمسح على ريشها حتى يصل إلى قلبها . يا الله , كم ينبض هذا القلب بقوة .

فجأة أحس برعشة تسري في بدنه , وشعر بلون الدم الحار يجري في عروقه . وأحس بعطر الياسمين يملأ المكان حوله ويأخذه إلى عالم غريب عن عالم البحار والجبال والأودية التي طاف بها خلال رحلاته السندبادية . نظر الى عينيها مرة أخرى . لمح وميضاً يلمع كسهم ماسي يخترق قلبه . أحس عندها أنه قد طالما انتظر هذا الوميض . هذا الوميض الذي افتقده في عيون كل الأطياف التي ترسلها إليه أحلامه ؛ وميض يضيء شغاف القلب ويسري فيه روحاً فينتشي بالأمل .

صرخ لا هثاً : أيتها الأحلام , قد وجدتها , قد عرفت اسمها , لا عبودية بعد اليوم , قد نلت حريتي .. قد نلت حريتي ..

خرج من غرفته مسرعاً , وصار يطوف في أركان منزله مردداً بلهفة : وجدتها .. وجدتها .

ترى , هل تراوده الأحلام مرة أخرى عن حريته ؟ !



**************************************